الإجابة على سؤال ’’اليوم التالي للحرب’’ .. حركة حماس تتمكن من استعادة قوتها وقدرتها على إدارة القطاع
متابعات /
شغل سؤال “اليوم التالي للحرب” مساحةً واسعةً، منذ بداية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، في المجالات العسكرية والسياسية والبحثية والإعلامية وغيرها. كيف سيكون اليوم التالي للحرب؟ هل ستتمكن حركة حماس من استعادة قوتها وقدرتها على إدارة القطاع؟ هل ستبقى المقاومة قادرة على تهديد الكيان الصهيوني؟ ومن سيحدد في النهاية مصير قطاع غزة والمقاومة فيه والصراع بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي؟
بعد مرور نحو عام و3 أشهر على بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، توصلت المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال إلى اتفاق على وقف إطلاق النار وتبادل للأسرى.
أعاد الاتفاق، الذي دخل حيز التطبيق، صباح الـ19 من كانون الثاني/يناير 2025، الحديث عن اليوم التالي للحرب، ليس وفقاً للنظريات والرؤى المتعددة التي طُرحت، وإنما بناءً على الواقع الذي حصر المسألة في سؤال محدد: هل كان اليوم التالي للحرب فلسطينياً، أم إسرائيلياً؟
“السيوف الحديدية”: سقوف مرتفعة وواقع صعب
عقب الهجوم، الذي شنته كتائب الشهيد عز الدين القسام، في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، على المستوطنات في الأراضي المحتلة المحاذية لقطاع غزة، والتي يُطلق عليها “مستوطنات الغلاف”، أعلنت الحكومة الإسرائيلية إطلاق عملية “السيوف الحديدية”، رداً على عملية القسام، التي حملت اسم “طوفان الأقصى”.
وشدّد رئيس حكومة الاحتلال، منذ بدء الحرب، على أنّ هذه المعركة ستستمر حتى القضاء على آخر مقاتل من حركة حماس. وبناءً على هذا الهدف المعلن، برّرت حكومة الاحتلال الدخول البري للشمال، ثم استهداف المرافق الصحية وأماكن اللجوء والمخيمات، وبعد ذلك دخول مدينة رفح والسيطرة عليها.
وبذلت سلطات الاحتلال، أيضاً، مجهوداً كبيراً في الدفع إلى ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة، نحو رفح المصرية. وعمد “الجيش” الإسرائيلي إلى تنفيذ هجومات ممنهجة، استمرت حتى الأيام الأخيرة من الحرب، من أجل تهجير سكان الشمال، ثم جرى استهداف المناطق، التي أشير إليها على أنها “مناطق آمنة”، بهدف دفع الفلسطينيين إلى المطالبة باللجوء إلى الأراضي المصرية، مع ما رافق ذلك من ضغط إسرائيلي على السلطات المصرية من أجل قبول الأمر.
ومع سقوط مخطط الترحيل، طُرحت “خطة الجنرالات”، في أيلول/سبتمبر 2024، والتي تقضي بتهجير سكان شمالي قطاع غزة قسراً، عبر الحصار ومنع دخول المساعدات والتجويع، ثم تحويل شمالي القطاع إلى “منطقة عسكرية مغلقة”، من أجل القضاء على أي وجود للمقاومة في الشمال.
وفي إطار قبول الحد الأدنى، إسرائيلياً، كان التأكيد الإسرائيلي الدائم فحواه أن أي اتفاق لا يضمن لـ”جيش” الاحتلال البقاء في محور “فيلادلفيا” وممر “نتساريم” لا يمكن أن يرى النور، وأن الضغط العسكري المستمر هو الذي سيضمن خروج الأسرى الإسرائيليين من قبضة المقاومة الفلسطينية.
المقاومة الفلسطينية: مطالب واضحة وشروط محدَّدة
على مدار جولات متعدّدة من المحادثات والمفاوضات، للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، منذ عملية طوفان الأقصى، حتى لحظة الاتفاق الأخير، الجارية مفاعيله الآن، كانت المقاومة الفلسطينية تشدّد على مجموعة من النقاط، لا تقبل الدخول في أي اتفاق لا يأخذ في الاعتبار موقفها بشأنها.
وشدّدت المقاومة دائماً على عدم قبولها وقفاً موقتاً لإطلاق النار، أو هدنةً تسمح بتبادل أسرى وتعود بعدها رحى الحرب إلى الدوران.
كما كان الموقف الفلسطيني قاطعاً، ومتّسماً بتحدٍّ مباشر، ومفاده أنّ الأسرى الإسرائيليين لا يمكن أن يُفرَج عنهم إلا من خلال تبادل للأسرى بين الفريقين، بموجب اتفاق يُوقف الحرب. أمّا الضغط العسكري المستمر فلن يؤدي إلى أي نتيجة ذات وزن في هذا المجال.
وفي حين كان المخطط الإسرائيلي يقضي بتهجير الفلسطينيين وترحيلهم من قطاع غزة، كان الموقف الفلسطيني يؤكد عدم الموافقة على بقاء عسكري إسرائيلي في محور “فيلادلفيا” وممر “نستاريم”، اللذين كان الوجود العسكري الإسرائيلي فيهما شرطاً ضرورياً (بحسب الرؤية الإسرائيلية) لتحقيق “نصر” إسرائيلي في القطاع.
وشدّدت المقاومة على ضرورة أن يكون فتح معبر رفح، وفك الحصار المفروض على القطاع، جزءاً أساسياً من أي اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين، كي لا تستمر حرب التجويع ومحاولة الضغط على الفلسطينيين، من أجل التخلي عن خيار المقاومة، والرضوخ للأهداف الإسرائيلية في هذه الحرب.
وفي استفادة واضحة من تجارب متراكمة للمقاومة الفلسطينية في ميدان المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، أكّدت المقاومة التمسك بإعادة الإعمار، وعدتها بنداً وشرطاً أساسيين من شروطها لقبول أي اتفاق لوقف إطلاق النار. وبذلك، تكون المقاومة سحبت من حكومة الاحتلال كل الأدوات، التي كان يعمل على الإفادة منها، ليستثمرها سلاحاً يستمر في الاستفادة منه بعد انتهاء الحرب، من أجل ضمان المحافظة على أي “مَكسَب” مفترض له، خلال ما يزيد على عام وثلاثة أشهر من الحرب.
اتفاق وقف الحرب يرسم اليوم التالي
شكّل الاتفاق الأخير، الذي تم بين المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، لوقف الحرب، صدمةً لأطياف سياسية في “إسرائيل”، ودافعاً إلى موجة من الاستقالات العسكرية والأمنية، ومادةً للسخرية من جانب الإعلام الإسرائيلي.
وقال وزير “الأمن القومي” الإسرائيلي المستقيل، إيتمار بن غفير، إنّ “اتفاق وقف إطلاق النار ليس مجرد صفقة استسلام، بل هو إهانة وطنية لإسرائيل، يجب أن نوقفها ونعود فوراً إلى الحرب”. وهدّد وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار مع غزة، والتي تتضمّن وقف الحرب، بينما يدعو هو إلى مواصلتها، بهدف “القضاء على حماس بصورة نهائية”.
وأعلن رئيس أركان “الجيش” الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، استقالته، في الـ21 من كانون الثاني/يناير الجاري، بسبب مسؤوليته عن “فشل الجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر”، كما أن هناك عدداً من الاستقالات المتوقَّعة والمنتظرة في مواقع عسكرية أمنية متعددة.
ويُعيد الكثيرون من المحللين السياسيين والعسكريين حالة الإحباط والتشاؤم في الأوساط الإسرائيلية إلى حجم الهوة بين الأهداف الإسرائيلية المعلنة للحرب، وبنود الاتفاق الذي تم التوقيع إليه.
ونصّ الاتفاق، على انسحابٍ إسرائيلي كامل، نحو الحدود، من مناطق قطاع غزة كافةً، إضافةً إلى الانسحاب من معبر رفح وفتحه، والانسحاب من ممر “نتساريم” ومن محور “فيلادلفيا”، بالتدريج. ونص أيضاً على الإفراج عن نحو 2000 أسير، بينهم 250 من ذوي الأحكام بالمؤبّد، وعلى تبييض سجون الاحتلال من جميع الأسرى النساء والأطفال تحت سن 19 عاماً.
ونصّ الاتفاق أيضاً على عودة النازحين كافةً إلى مناطق سكنهم، وحرية الحركة في كلّ القطاع، وإعادة تأهيل كل المستشفيات، وإدخال مستشفيات ميدانية للقطاع، إضافة إلى ضمان سفر الجرحى من أجل العلاج في الخارج.
والاتفاق الجاري على وقف النار وتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، هو صاحب الرأي الأخير في شكل “اليوم التالي للحرب”، بعد أكثر من عام من السعي الإسرائيلي لفرض وجهته لهذا اليوم، عبر سفك الدم وحرب التجويع. وكان في الختام اليوم التالي.. فلسطينياً بامتياز.