انقسامٌ بين مقلّلين ومحذّرين منها: ازدهارُ «الدعوية الإسلامية» في سوريا
متابعات..| تقرير*:
رغم طمأنة الحكومة السورية الجديدة، المواطنين إلى نيّتها عدم فرض تعليمات دينية تحدّ من حرية المعتقد، إلا أن ظاهرة الدعوية الإسلامية بدأت تنتشر في عدد من المحافظات السورية، وسط خشية من تمدّدها، علماً أنه لا يزال غير معلوم ما إذا كانت تلك الظواهر حالات فردية أم أنها منظّمة من قِبل جهة لها أجندة محدّدة، أو ما إذا كانت الحكومة المؤقتة تتبنّاها وتوجّهها. وعلى أيّ حال، فإن ملامح الدولة السورية الجديدة، لم تظهر إلى الآن؛ ورغم توقعات البعض بأن تأخذ الدولة شكلاً إسلاميّاً، غير أن فئة كبيرة من السوريين لا تزال تفضّل قيام دولة علمانية. وتقول بدرية حمدان، لـ«الأخبار»: «أنا مسلمة، وأريد سوريا حرّة علمانية، ولا أقبل بعد انتصار الثورة أن تتحدّد حريتي وتُفرض عليّ طريقة حياتي وأسلوب عبادتي». ومن جهتها، تشير جويل كاتو إلى أنها أصبحت تشعر بالخوف من عدم قدرتها على ممارسة معتقداتها الدينية مستقبلاً، إذ تقول، لـ«الأخبار»: «محاولة نشر الدعوة الإسلامية في مناطق ذات غالبية مسيحية (90%) هي حالة مستفزّة بالنسبة إلينا، ولن نسكت عنها. وفي حال تكرّرت، سنقدّم شكاوى إلى الجهات الرسمية، وإذا لم تستجب، سنقع في فوضى من جديد».
ويرى الطبيب والناشط المدني، أحمد مبيض، بدوره، أن «هناك اختلافاً بين المجتمع المدني ذي الخلفية الليبرالية أو العلمانية، والذي ينظر بقلق إلى هذه المظاهر خوفاً من فرض أيديولوجيات معيّنة بسلطة الإكراه، والمجتمع المدني ذي الخلفية المحافظة، والذي لا يرى في هذه الظواهر خطراً كبيراً، ويعتقد أنها لا تعدو كونها محاولات فردية يمكن حصرها في أطر معينة لا تُقلق المجتمع المحلّي ولا تمسّ بخصوصية انتمائه أو هويته». ووفقاً لما يقوله لـ«الأخبار»، فإنه «ليس لهذه المظاهر دورٌ كبيرٌ في اختيار شكل الدولة وتحقيق العدالة الانتقالية، لأن هذه المحاور ستتمّ قيادتها من قِبَل السلطات الحالية التي أثبتت أنها تتمتّع بالبراغماتية الكافية لتقنين الصدام مع الفئات المختلفة عنها فكرياً».
«يجب فتح نقاش داخلي حول هوامش الدعوة الدينية وصيانة حرية التعبير»
ويضيف: «هذه الظواهر تصدر عن فئات غير ناضجة تحمل رؤية مثالية عن تحويل المجتمع إلى فئة موحدة العقائد والتوجّهات. أما السلطات، فأعتقد أنها بعيدة عن الدخول في دور الدعوة الإسلامية لمصلحة التركيز على شؤون الحكم». وعن دور المجتمع المدني في هذا الإطار، يقول: «يجب فتح نقاش داخلي حول هوامش الدعوة الدينية وصيانة حرية التعبير، بعد قراءة واقعية لهذه الظاهرة بعيداً من الذعر الهوياتي، وكيفية قياس أثرها ووضعها في ميزانها الواقعي. ووفقاً لتطورها وتواتر حدوثها، وبناءً على النتائج، يتم فتح حوار مع السلطات وتقديم اقتراحات لتقنين هذه الظواهر، من دون منعها نهائياً، وذلك ضمن أطر قانونية ومجتمعية».
أما الباحثة الاجتماعية، حنان ديابي، فتشير، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه «من المتوقّع في الحالة الجديدة للمجتمع السوري، ظهور عدد من الحالات غير الاعتيادية في طبيعة الحياة في سوريا، والظواهر الدعوية الإسلامية مثالاً، إلا أن زيادة هذه الحالات سيخلق توجّساً وقلقاً لدى عدد كبير من فئات الشعب على اختلاف توجهاتها العقائدية، وخاصة أن تلك الحركات الدعوية ليست في مكانها وتوقيتها المناسبَين. فسوريا اليوم خرجت إلى عهد جديد بعد مدة طويلة من حكم الاستبداد، وحالة الطمأنينة والحرية التي عاشها الشعب السوري عقب سقوط النظام، ستشعره أن مثل هذه الحركات تمسّ بحريته، وتدفعه نحو الانكماش وعدم التقبّل لأيّ حالة جديدة»، محذرة من أنه في حال تزايد هذه الحالات بطريقة غير مدروسة، فيمكنها خلق ردّ فعل عكسي وقيام ثورة مضادة. وتضيف: «هذه الظواهر تُسيء إلى صورة السلطات الحالية التي يجب أن تكون أولوياتها تحقيق الأمن والأمان والاطمئنان، بالأفعال وليس بالأقوال فقط، وهذا يعني ترك المواطنين على حريتهم باختيار دينهم وطوائفهم وطريقة حياتهم».
* الأخبار البيروتية