إجاباتٌ شافية عن تساؤل: لماذا أوقفت “إسرائيل” الحربَ في غزة الآن؟
متابعات..| تقرير*:
بما أن الصيغة الحالية للاتفاق هي نسخة شبه مطابقة لمسوّدة الاتفاق التي تبنّاها الرئيس جو بايدن في أيار/مايو 2024، ووافقت عليها حماس، ورفضها نتنياهو، إذا ما التغيّر الذي حصل وأدّى إلى هذا الانقلاب الدراماتيكي في موقف نتنياهو وقبوله بنفس الاتفاق الذي كان من الممكن أن يتم قبل 7 أشهر من الآن؟
حسب المحللين الإسرائيليين تمحورت أبرز الأسباب والمتغيرات حول عدة عناوين:
أولاً، عدم القدرة على تحمّل الثمن الباهظ للبقاء في غزة، من تكاليف بشرية وعسكرية
اعتبر الجنرال الإسرائيلي في الاحتياط، يسرائيل زئيف بأن “الحرب على غزة قد تحولت إلى هدف بحد ذاته، وأنها باتت تشبه الحرب الأميركية في فيتنام”. لم تعتد “إسرائيل” على الحروب الطويلة (أكثر من 471 يوماً) كحرب غزة، الحرب الأطول في تاريخ “إسرائيل”، والتي ألحقت بالكيان خسائر بشرية قدرت بسقوط آلاف الجنود والضباط الإسرائيليين بين قتيل وجريح، وسط معارك طاحنة استنزفت القوى البشرية والمادية للجيش الإسرائيلي.
ثانياً، استنفاد الكيان لكافة خياراته في غزة، وفقدانه أدوات الضغط على حماس في صفقة الرهائن
قال المحلل العسكري يوسي يهوشوع: “لم يكن أمامنا خيار سوى القبول بالصفقة السيئة، إسرائيل لم يعد لديها أدوات ضغط لتنفيذ صفقة إطلاق سراح الرهائن، وإذا قامت حماس بتفجيرها فإن الطريقة الوحيدة للضغط عليها مرة أخرى ستكون من خلال القتال في ظل ظروف أكثر صعوبة في قطاع غزة”. وأضاف المحلل العسكري أريئيل أوسرين: “الصفقة كانت الخيار الوحيد، بعد فشل كل محاولات تحرير المختطفين عبر العمليات العسكرية، وكل دقيقة تمر كانت تقلل من فرص عودتهم إلى ديارهم أحياء، كذلك أصبحت تكاليف الحرب المستمرة محتملة، وإطالة أمد الحرب يعني موتاً آخر غير ضروري للإسرائيليين”.
ثالثاً، صعود مخاوف نتنياهو أمام ترامب؛ مقابل تراجع خشية الأخير من تهديدات بن غفير وسموترتش من اسقاط حكومته
يقول الباحث والكاتب الدكتور روني شاكيد: “كان يخاف نتنياهو من انهيار حكومته، واليوم يراهن نتنياهو على ترامب ودعمه في السنين الأربع القادمة”. فيما اعتبر المحلل العسكري، عاموس هارئيل أن الخوف هو محرك نتنياهو الأول المؤثر على خياراته فقال: ” في الأشهر التي رفض فيها المخطط، الذي اقترحته إدارة بايدن، كان نتنياهو خائفًا بشكل أساسي من شركائه من اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، اللذين هددا بتفكيك حكومته. والآن يبدو أن ترامب لم يترك له أي خيار آخر، لسنوات قيل عن نتنياهو إن هذا الرجل هو مجموع كل مخاوفه؛ وتبين أن ترامب يخيفه أكثر، وربما كان ذلك صحيحا”.
وأكّد ذلك المحلل الاستخباري والإستراتيجي يوسي ميلمان بقوله “بين تهديدات بن غفير بالاستقالة من الحكومة، وتهديدات ترامب، يفهم نتنياهو أن قدرة ترامب على إحداث الضرر بـ”نار جهنم” أكبر من قدرة وزير الأمن الداخلي، والمأساة هنا أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه كان من الممكن أن يتحقق قبل ستة أشهر، لكن طالما أن ولاية ترامب الثانية لم تكن حينها أمرا واقعا، فقد طغت على المشهد تهديدات بن غفير”.
رابعاً، ضغوط ترامب على نتنياهو لإنهاء الحرب على غزة، ورفضه مبدأ ميراث الحروب، والتلويح بقطع الإمداد العسكري عن الجيش الإسرائيلي
قال المحلل العسكري رامي يتسهار: “لقد فهم نتنياهو أنه مع ترامب لا توجد إمكانية للحيل والخداع من النوع الذي اعتاد عليه، ورمى ترامب التهديد التالي في أذني نتنياهو: إذا لم تمضي قدماً في الصفقة التي تجنبتها حتى الآن – سأفرض حظراً كاملاً على الأسلحة، بما في ذلك العقوبات إلى حد قطع خط الإمداد”. وقدّر الكاتب والمحلل السياسي حاييم ليفينسون أن “ترامب يضغط على نتنياهو لتنفيذ الصفقة، وهو يخشى أن يفرض عليه صفقة شاملة بشروط أسوأ بكثير مما يمكنه تحقيقه الآن. لذلك، يقوم (نتنياهو) الآن بتفعيل الصفقة التدريجية”.
بعد أربع مئة وواحد وسبعين يوماً من حرب إسرائيلية مدمرة على الفلسطينيين في قطاع غزة، تم البدء بتنفيذ وقف إطلاق النار على مراحل، ومهما تعددت الأسباب السياسية الموجبة لنهاية الحرب، يبقى الثابت الوحيد، صمود الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بعد حرب طويلة قدموا خلالها عدداً كبيراً من الشهداء الأبطال، سيحمل إرثهم أطفال اليوم، أبطال الغد…
* الخنادق