كل ما يجري من حولك

كما فعلت في سوريا.. تركيا تبحثُ عن مكان في مشهدية غزة

20

متابعات..| تقرير*:

ستكون تركيا من بين الدول التي تنفّست الصعداء مع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ قبل ظهر الأحد؛ إذ إن سياسة أنقرة، ومنذ اللحظة الأولى لعملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن، اتّسمت، كما بات معلوماً، بالحياد النظري الذي لم يُترجم إلى خطوات ضاغطة على إسرائيل لوقف العدوان. والتفسير العقلاني، ولكن غير الأخلاقي، لذلك، هو أن تركيا لم تكن تريد توتير علاقاتها مع إسرائيل وداعمي الأخيرة الغربيين والعرب، خصوصاً أن الرئيس رجب طيب إردوغان كان خارجاً للتوّ من مصالحات مع هذه الدول، من جهة؛ ومن جهة ثانية، لم يكن يفضّل أن يرى غزة تنتصر ومعها لبنان واليمن والعراق حتى لا يُنسب هكذا انتصار إلى إيران.

ويَنسب معظم المحلّلين فضل الاتفاق المبرم إلى الضغوط التي مارسها دونالد ترامب قبل تسلُّمه السلطة، فيما تحاول أوساط جو بايدن منْح تركيا بعضاً من الفضل، بالقول إن جهودها كانت مؤثّرة في التوصّل إلى الاتفاق؛ إذ أشار وزير الخارجية السابق، أنتوني بلينكن، إلى تلك الجهود قبل أيام، في حين تحدّث المسؤول في المكتب السياسي لحركة «حماس»، محمد نزال، عن أن تركيا «بذلت جهداً كبيراً للوصول إلى وقف إطلاق النار». وفي المقابل، لم يتأخّر وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، في القول إن بلاده ستتابع من كثب مجريات تطبيق الهدنة كما لو أنها كانت جزءاً فاعلاً منها.

ومع أن وقف إطلاق النار بمندرجاته شكّل صورة انتصار لغزة، إلا أن بعض الأقلام الموالية لـ«حزب العدالة والتنمية» بدأت تشوّش على ذلك بالغمز من قناة شكر «حماس» لإيران ولمحور المقاومة على الدعم الذي قدماه، وغياب أيّ إشارة إلى تركيا في هذا المجال. ويقول يالتشين يلماز، في صحيفة «ستار» الموالية، إنه «في يوم وقف إطلاق النار، تقدَّمت حماس بشكر خاص إلى إيران وإلى الحوثيين وإلى حزب الله والمقاومة العراقية. هذا الشكر يقدّم صورة أوضح عن المشهد الذي حدث بعد السابع من أكتوبر، حيث كانت السعودية والإمارات والأردن مستاءة من الدعم الإيراني لحماس، واكتفت بييانات إدانة لإسرائيل، فيما تولّت مصر وقطر دور الوساطة». ويضيف الكاتب: «ليس من الخطأ القول إن وقف النار الحالي ليس نقطة بل هو فاصلة. وعلينا بالتالي أن نركّز على بيان شكر حماس لإيران».

بعض الأقلام الموالية لـ«العدالة والتنمية» منزعجة من عدم شكر «حماس» لتركيا

أمّا كتّاب المعارضة من الإسلاميين أنفسهم، فلم يتأخّروا في التعبير عن خيبة أملهم وأسفهم من الموقف التركي الذي ظهر على امتداد الحرب على غزة. وفي هذا الجانب، يقول الكاتب المعارض فهيم طاشتكين، في صحيفة «غازيتيه دوار»، إنه «لا يمكن تجاهل أن العامل الأوحد الذي حقّق وقف إطلاق النار كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب»، لافتاً إلى أن «الحرب توقّفت مع فشل ذريع لكلّ أهداف إسرائيل، سوى القتل وتحويل غزة إلى منطقة خراب. خلا ذلك، قوة حماس العسكرية موجودة وما زالت تدير الأرض ولم يُهجّر الفلسطينيون إلى شبه جزيرة سيناء ولم تَرفع غزة العلم الأبيض». والأمر نفسه، يقول طاشتكين، ينطبق على لبنان، حيث «لم تستطع إسرائيل، رغم كل الاغتيالات والتدمير، الوصول إلى الليطاني، فيما استمرّت الصواريخ بالتساقط عليها. ثم، ورغم العمل الهائل لكلّ من إسرائيل وأميركا وتركيا، لإسقاط نظام بشار الأسد، ما كان ممكناً انتخاب جوزاف عون من دون المقاومة، وها هي تتحضّر لتكون جزءاً من حكومة نواف سلام».

وينتقد الكاتب الإسلامي المعروف، محمد أوجاقتان، من جهته، في صحيفة «قرار»، موقف أنقرة على امتداد الحرب، إذ يذكّر بأنه «بعد 15 شهراً على قيام بنيامين نتنياهو وعصابته بقتل 50 ألفاً، معظمهم من الأطفال، كانت النتيجة ارتكاب إبادة جماعية موصوفة. ووقف النار الذي بدأ في غزة ما كان ليتمّ الوصول إليه لولا ضغوط الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب.

ورغم تأخّر الاتفاق كثيراً، لكنه يُعتبر نجاحاً لتخليص غزة من براثن عصابة نتنياهو». ويرى الكاتب أن «الفضل في وقف النار يعود إلى الأصوات الشجاعة المعترضة في الغرب والجامعات، والتي أجلست نتنياهو على كرسي مجرم الحرب. كم كان مخيّباً للآمال عدم تشكُّل ردود فعل مدنية في البلدان الإسلامية، ومن بينها تركيا. وحتى لا نسرق حقّ تركيا، نقول إن القليل من الأصوات ارتفعت وكان مصيرها الاعتقال لكنها لم تتخلَّ عن دورها». ويضيف أوجاكتان: «هذا الواقع يعكس، للأسف، سقوط اليمينيين والإسلاميين واليساريين في امتحان الإنسانية في غزة.

ولا يمكن لأحد منهم أن يتلطّى خلف جدار أيّ عذر. هل نخجل من ذلك؟ نعم، الواقع أن تركيا لم تخرج بتلك الملايين للدفاع عن غزة. أما اليوم، فإن الآلاف يجلسون في زواياهم الوثيرة ويرفعون الأدعية والصلوات ويطلقون الهتافات كما لو أنهم هم الذين انتصروا في الحرب». ويرى أن «سرقة هذا الدور بالمجان لا يمكن لأحد أن يتحمّلها. وأعود إلى السؤال: عندما كانت إسرائيل تفتك بالأطفال والنساء وأهل غزة، لماذا لم تخرجوا وتطالبوا بوقف عشرات السفن التي كانت تذهب إلى موانئ إسرائيل؟ وفي خضم القصف الهمجي لإسرائيل على غزة، كان النفط الآذربيجاني يذهب إلى إسرائيل عبر تركيا ولا يزال إلى الآن. هل عندما كنتم تهاجمون بالهراوات المعترضين، كنتم تصلّون أنتم في المسجد الأقصى؟ وهل كنتم تنتظرون الطير الأبابيل لتنقذ غزة، فيما أنتم على الآرائك مرتاحون تظنّون أنكم أدّيتم قسطكم في الجهاد إلى العلا، فيما يموت أطفال غزة؟». وينهي قائلاً: «لا، ليس هناك جهاد بالمجان. بل هم الفلسطينيون الأبطال الذين قاوموا في غزة. أمّا نحن، فتحتفل وسائل إعلامنا كما لو أنّنا قمنا بواجبنا. نعم، نحن نجلّ وننحني أمام أبطال غزة الشجعان. لكن لو أننا فكّرنا بفعل شيء لأبرياء غزة بدلاً من التفكير فقط بالتجارة مع إسرائيل».

* الأخبار الييروتية
You might also like