تفاصيل تكشف لأول مرة : نتنياهو بين لغمَي المطالب الأميركية بإقرار اتفاق وقف إطلاق النار، وضمان بقاء ائتلافه الحكومي
متابعات /
يحاول نتنياهو السير بين لغمَي المطالب الأميركية بإقرار اتفاق وقف إطلاق النار، وضمان بقاء ائتلافه الحكومي، إذ يواجه ضغوطاً بعدما دفعته عدة عوامل إلى المضي نحو الاتفاق، على الرغم من المعارضة الشديدة التي يبديها أعضاء من حكومته وفي أوساط اليمين.
ارتفاع كلفة الخسائر التي تتعرض لها “إسرائيل” في قطاع غزة، ويأس قادتها من قدرتهم على إلحاق الهزيمة بحركة حماس، وازدياد الضغط الأميركي على “إسرائيل” للقبول باتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، كلها عوامل دفعت برئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى المضي نحو صفقة لتبادل الأسرى، على الرغم من المعارضة الشديدة التي يبديها أعضاء من حكومته، وفي أوساط اليمين، على رأسهم الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ويحاول نتنياهو السير بين لغمَي المطالب الأميركية بإقرار اتفاق وقف إطلاق النار، وضمان بقاء ائتلافه الحكومي.
“واشنطن أدركت أن إسرائيل لا تفهم إلا بلغة القوة”
الاندفاعة الإسرائيلية نحو عقد اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تأتي بعد ازدياد الضغوط الأميركية بشكل كبير على نتنياهو للمضي بالصفقة، ولاسيما مع اقتراب الرئيس الأميركي الجديد – القديم، دونالد ترامب، من العودة إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، في الـ20 من الشهر الحالي. وفي هذا السياق، كشف مراسل الشؤون السياسية في قناة “كان”، عميحاي شتاين، أن ترامب أوصل رسالةً إلى نتنياهو، في الأيام الأخيرة، مفادها أنه “يريد أن يرى الأسرى وهم يعودون إلى ديارهم، من دون أعذار”. ومن جهته، قال محلل الشؤون السياسية في صحيفة “معاريف”، بن كسبيت، إن نتنياهو وافق على مقترح ترامب، لأنه “لا يريد أن ينتهي مثل كندا، أو أن يقضي تقاعده في غرينلاند”.
وأضاف كسبيت أن “الجدول الزمني لتحرير الأسرى، هو ثمرة التهديدات الصريحة للرئيس الأميركي القادم”، لافتاً إلى أنه “مع كل الاحترام للأيديولوجية والمبادئ والنصر المطلق، وكل هذه النعيق الذي ليس وراءه سوى الخوف من بن غفير.. كل هذا يذوب ويتلاشى في ثوانٍ عندما نصطدم بترامب، فنتنياهو أجرى حساباته. سوف يرتب أموره مع بن غفير، أما مع ترامب فسيكون الأمر أكثر صعوبةً.. والآن تبين أن ترامب يخيف أكثر من بن غفير وسموتريتش”.
أما محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئل، فرأى أنه “بعد أشهر من الكلام عن النصر المطلق، تراجع نتنياهو أمام ترامب، وباتت إسرائيل الآن مستعدة للإعلان عن اتفاق”. وأضاف هرئِل أنه في الأشهر التي رفض فيها المخطط، الذي اقترحته إدارة بايدن في شهر أيار/مايو الماضي، كان نتنياهو “خائفاً بشكل أساسي من شريكيه من اليمين المتطرف، سموتريتش وبن غفير، اللذين هددا بتفكيك حكومته، لكن يبدو الآن أن ترامب لم يترك له أي خيار آخر، بعد أن تأكد، كما بايدن، بأن إسرائيل لا تفهم إلا بلغة القوة”، بحسب محلل شؤون الشرق الأوسط في “هآرتس”، تسفي برئل.
“بن غفير وسموتريتش يهزان استقرار الائتلاف الحكومي”
رضوخ نتنياهو للضغوط الأميركية، وقبوله بواقع أن هزيمة حماس غير ممكنة، ولا بد من إبرام اتفاق معها، قوبل بحملة اعتراض واسعة داخل الائتلاف الحكومي، وفي أوساط اليمين، حيث هاجم وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، في تصريح مصوّر، الصفقة التي تتم بلورتها، ووصفها بأنها صفقة استسلام، داعياً وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، للتعاون معه ضد الصفقة، لأنه “لا يستطيع منعها وحده”. وطالب بن غفير سموتريتش بأن يتوجه معه إلى رئيس الحكومة، من أجل إبلاغه بأنهما “سينسحبان من الحكومة إذا مرّر الصفقة”.
من جانبه، هاجم سموتريتش الصفقة بشدة، ووصفها، بحسب “كان”، بأنها “كارثة على الأمن القومي الإسرائيلي”، مؤكداً أن حزبه “لن يدعم صفقة استسلام”. وبعد اجتماع لكتلة “الصهيونية الدينية” في “الكنيست”، الخميس، صدر بيان أكد وقوف الكتلة خلف مطالب رئيسها، سموتريش، بالحصول على ضمانات من نتنياهو، بشأن “عودة إسرائيل إلى حرب تدمير حماس”، من خلال تغيير مفهوم الحسم والانتصار فوراً، عند انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، كشرط لبقاء الحزب في الحكومة والائتلاف.
وفي رسالة وجهوها إلى نتنياهو، أعرب 10 أعضاء “كنيست” في الائتلاف الحكومي، بينهم أعضاء في “الليكود”، عن معارضتهم الشديدة لصفقة التبادل، ودعوه إلى الامتناع عن توقيعها. وانضم نحو 100 حاخام إلى حملة تعمل عليها منظمة “توراة الأرض الطيبة” ضد الصفقة. كما نُظِّمت تظاهرات من جانب بعض عائلات الأسرى وقتلى الحرب، احتجاجاً على الصفقة المحتملة، رُفعت خلالها شعارات مثل: “لا نريد صفقة، نريد حسماً”.
وعلى الرغم من الصمت الذي ساد لدى المستوى العسكري والأمني في “إسرائيل”، نقل مراسل الشؤون العسكرية في “القناة 14″، هليل بيتون روزن، عن ضابط كبير في قيادة المنطقة الجنوبية في “الجيش” الإسرائيلي قوله، تعليقاً على الصفقة، إن “كل ما قمنا به في الحرب، ذهب أدراج الرياح”.
وفي دلالة على المأزق الذي يعيشه نتنياهو بين فكي كماشة الضغوط الأميركية لإقرار الصفقة، والحفاظ على ائتلافه الحكومي، حاول نتنياهو، منذ صباح اليوم، المماطلة بعرض الاتفاق على “الكابينت” والحكومة، بحجة وضع حماس شروطاً جديدةً على الاتفاق، بينما يكمن السبب الحقيقي في أنّه يسعى للحصول على ضمانات من سموتريتش بعدم الاستقالة من الحكومة، حتى لو صوّت ضد الصفقة، فنتنياهو يؤكد في أحاديث مغلقة، بحسب مراسلة الشؤون السياسية في “القناة 12″، دفنا ليئال، أن “الطريق إلى تفكك الائتلاف سيكون سريعاً حتى لو وفّر بن غفير وسموتريتش شبكة أمان للحكومة (من خارجها) في عمليات تصويت مهمة”.
“إسرائيل لا تستطيع أن تهزم حركة حماس”
عامل آخر كان له تأثير في دفع “إسرائيل” للمضي قدماً نحو اتفاق في غزة، هو حالة اليأس من إمكان هزيمة حماس، والتي وصل إليها بعض المسؤولين، بينهم نتنياهو، الذي قال لترامب، وفقاً لمنصة إعلامية إسرائيلية: “لا يمكن هزيمة قدرات حماس العسكرية، على الرغم من أنني كنت أعتقد ذلك”. وإضافة إلى ذلك، نقلت منصة إخبارية عن مصدر سياسي في الحكومة الإسرائيلية، قوله: “لقد أدركنا أن حماس لا يمكن هزيمتها بالحلول العسكرية وحدها، وما يحدث في شمالي غزة دليل على ذلك، لقد أعادت حماس تجنيد عدد من المقاتلين (مساوٍ) للذين خسرتهم تقريباً”.
وفي سياق متصل، أشار رئيس هيئة “الأمن القومي” سابقاً، غيورا آيلند، في مقابلة مع “القناة 13″، إلى أن الحرب في غزة انتهت، و”لن يكون هناك وضع (في المستقبل)، تستطيع فيه استئناف الحرب، والوحيد الذي لا يريد أن يعترف بهذه الحقيقة هو نتنياهو”. آيلند لفت أيضاً إلى أن “كل ما هو مرتبط بغزة هو فشل ذريع لإسرائيل، لأن الأهداف التي وضعتها للحرب ببساطة لم تتحقق: حماس تتعافى من الضربة القاسية التي تعرضت لها قدراتها العسكرية، لم تتم إعادة كل الأسرى، والقضاء على سلطة حماس بالتأكيد لن يحصل”.
بدوره، أكد مفوض شكاوى الجنود سابقاً، اللواء في احتياط “الجيش” الإسرائيلي، إسحاق بريك، في مقابلة مع “القناة 13″، أن “الجيش الإسرائيلي لا ينجح، منذ سنة و4 أشهر، في القضاء على حماس، لأنه لا يستطيع ذلك ببساطة، فهو جيش صغير، غير قادر على البقاء في المناطق التي يحتلها”. وأشار بريك إلى أن نتنياهو “فهم أنه لا يمكن الحسم في غزة”.
محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشوع، رأى أنه بعد مرور 15 شهراً على بداية الحرب، “لم ينجح الجيش الإسرائيلي في تقويض الذراع العسكرية لحماس، ولم ينجح المستوى السياسي الإسرائيلي في تأمين بديل سلطوي عن حماس في غزة”. وأضاف يهوشع أن “اتفاق وقف إطلاق النار وتحرير الأسرى سيئ بالنسبة لإسرائيل، لكن ليس أمامها خيار سوى القبول به، فهي تورطت بعمق في غزة بعد الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، كما هي الحال في حادثة بيت حانون الخطيرة” (التي أدت إلى مقتل 5 جنود، الثلاثاء)، والتي وقعت في منطقة سبق أن خاض الجيش الإسرائيلي فيها القتال، وأعلن أنه حقق حسماً فيها، ليتبيّن، بحسب الجنود والضباط، أن “العملية لا تسير على ما يرام”.
قناة “i24NEWS” حذّرت في تقرير لها من أن إقرار هذه الصفقة “يُمزِّق إسرائيل من الداخل”، وسيثير احتجاجات واسعة النطاق بين المستوطنين. ونقلت القناة عن المسؤول الكبير في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) سابقاً، ميخا كوبي، قوله إن هذه الصفقة هي “من بين أسوأ الصفقات التي عقدتها إسرائيل في تاريخها على الإطلاق”. وأضاف كوبي أنه بنظر حماس، “هذا نجاح هائل، فهم يرون أنفسهم منتصرين، لأنهم تمكنوا من تجنيد مزيد من الناس تحت الهجوم العنيف، وتمسكوا بمطالبهم من إسرائيل، ولم يتنازلوا عنها، كما أطالوا عملية التفاوض مثلما خططوا منذ البداية، وتمكنوا من إملاء شروطهم على إسرائيل، بعدما أنهكوها واستنزفوها”. وأبدى المراسل العسكري في “القناة 14″، هيلل بيتون روزن، امتعاضه من أن “إسرائيل”، بعد أقل من عام ونصف عام، على “المجزرة التي نفذتها حماس ضدها في الـ7 من أكتوبر، ستنحني للجهة التي نفذتها، وتستسلم لها”.