مقتلةُ بيت حانون تُفجِعُ “إسرائيل”.. العدوُّ يصفّي حسابَه الأخير
متابعات..| تقرير:
استغلّ جيش الاحتلال الساعات الفاصلة عن الإعلان المتوقّع عن التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، في تصفية حساباته مع العشرات من الذين يصنّفهم «مطلوبين»، إذ سقط أكثر من 60 شهيداً خلال 24 ساعة في عشرات الغارات التي عكست كثافتها مجهوداً استخباراتياً نشطاً ودقيقاً، خصوصاً أنه تم تنفيذها بواسطة طائرات مُسيّرة، وأوقع كل منها عدداً محدوداً من الشهداء. على أن النظر في قوائم المستهدفين، يظهر رغبة إسرائيلية في الانتقام، إذ إن معظم الشهداء هم من النشطاء والدعاة والمسؤولين في الهيئات الاجتماعية الصغرى في العمل الجماهيري والاجتماعي، وليسوا قادة أو حتى عناصر ناشطين في المقاومة.
وتحوّلت شوارع وأحياء شمال غزة، ومن ضمنها الشيخ رضوان والنصر والدرج والجلاء والتفاح والشجاعية، إلى مسالخ، حيث لم تفصل بين الغارة والأخرى سوى بضع دقائق، ولم تكن طائرات الاحتلال المُسيّرة تقيم أي اعتبار للخسائر الجانبية المحيطة بكل استهداف. وفي حي الدرج وسط البلدة القديمة في غزة، والذي تحوّل عقب إخلاء محافظة شمال القطاع إلى أكثر مناطق غزة اكتظاظاً، أغارت طائرة مُسيّرة على سوق شعبية مكتظّة بالآلاف من النازحين، وكان المستهدف أحد الناشطين المدنيين، والذي استشهد مع خمسة آخرين من المارة وأصحاب البسطات التجارية. أما في حي الشيخ رضوان، والذي يُعد هو الآخر حيّاً شعبياً تحوّل إلى مخيم كبير للاجئين يشبه المنطقة الإنسانية في غرب مدينة خانيونس، فقصفت الطائرات المُسيّرة شارع العيون، ما تسبّب في ارتقاء ثلاثة شهداء. وكان المستهدف هو الشيخ حسين نصير، وهو ناشط وداعية معروف، نازح من بيت حانون؛ ثم نفّذت الطائرات الحربية حزاماً نارياً عنيفاً للغاية، طاول منزلاً لعائلة أبو قينص، وأتى على مربع سكني كامل في شارع الجلاء. ووصلت من مكان الاستهداف جثامين ستة شهداء، فيما أمضت الطواقم الطبية والدفاع المدني ساعات طويلة في محاولة انتشال المفقودين من تحت الأنقاض من دون جدوى. وحوّلت هذه الغارات المتلاحقة، باحة المستشفى الأهلي المعمداني المكشوفة إلى قسم استقبال، حيث وُضع العشرات من المصابين على الأرض الباردة بعدما امتلأت الأسرّة واكتظّت الأقسام بالجرحى، في حين عجز الطاقم الطبي عن متابعة كل المصابين.
الصراخ يرتفع في إسرائيل: الجيش في ورطة داخل غزة
في مقابل ذلك، تركت المقاومة، أمس، أيضاً بصمتها على جبين جيش الاحتلال، إذ تمكّنت من إيقاع قوة راجلة من جيش العدو في مقتلة كبرى في مدينة بيت حانون. ووفقاً لمصادر عبرية، قُتل خمسة جنود إسرائيليين وأصيب 10 آخرون، ثمانية منهم بجروح خطيرة جداً، إثر تفجير مبنى مفخّخ، مع العلم أن كل الأخبار المنقولة من بيت حانون، مصدرها حصراً هو جيش الاحتلال وصفحات المراسلين العسكريين المقربين منه، إذ لم تعلن «كتائب القسام» حتى مساء أمس، عن تفاصيل تلك الأحداث التي أودت بحياة 15 جندياً وأصابت نحو 60 آخرين خلال الأيام القليلة الماضية. وفي أحداث كهذه، ينتظر «الإعلام العسكري» التابع للمقاومة تحسّن الأوضاع الميدانية بما يسمح بعودة الاتصال مع المجموعات المنفّذة. أما في مدينة رفح جنوب القطاع، فأعلنت «كتائب القسام» أن مقاوميها تمكّنوا من الإغارة على مبنى كانت تتحصّن فيه قوة راجلة مكوّنة من 25 جندياً «والتعامل معها بمختلف أنواع الأسحلة، وإيقاع جميع أفرادها بين قتيل وجريح. وفور وصول قوة النجدة، تم تفجير حقل ألغام بناقلتي جند اشتعلت فيهما النيران لساعات».
بدوره، نشر «الإعلام الحربي» التابع لـ «سرايا القدس» مشاهد من عملية إغارة على مبنى كان يتحصّن فيه جنود الاحتلال وسط مخيم جباليا. وأظهرت المشاهد تمكّن المقاومين من الاستيلاء على عبوات ناسفة إسرائيلية الصنع، واقتحام مبنى كان يتحصّن فيه جنود الاحتلال ثم تفجير إحدى العبوات بأحد الجنود. كذلك، أعلنت السرايا أن مقاوميها تمكّنوا من تفجير آلية عسكرية بعبوة ناسفة من نوع «ثاقب» في مدينة بيت حانون وإيقاع طاقمها بين قتيل وجريح.
وعلى وقع تلك الأحداث المتلاحقة، ارتفع صوت الصراخ في الإعلام العبري، إذ كتب محلّل الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرنوت»، يوسي يهوشوع، أنه صُدم من الإحاطة التي تلقّاها من حديثه مع أحد الضباط الذين يقاتلون في شمال القطاع، وقال إن «الجيش في ورطة كبيرة في شمال غزة، ومن حق الجمهور أن يكون على علم بالظروف السيئة التي يقاسيها». أما مراسل القناة 12 العبرية، ألموغ بوكير، فقد نقل عن شهادات جنود الاحتلال الذين يقاتلون في بيت حانون قولهم: «إننا نقاتل في بيئة مراقبة بالكاميرات. المسلّحون زرعوا عبوات ناسفة في كل زقاق ويفعّلونها من داخل الأنفاق. شبكة أنفاقهم تعمل بكامل طاقتها. نحن لا نراهم بالعين المجردة. منذ أسبوع ونصف أسبوع لا يوجد أي تحديد مباشر للمسلحين. الحقيقة أنهم زرعوا بيت حانون بكميات هائلة من العبوات الناسفة ومخلفات قنابل سلاح الجو، كل زقاق وكل تقاطع مليء بأحدث الكاميرات الحرارية التي تغطي 360 درجة». وتابع: «إنهم يختارون أهدافهم بدقة ويرصدون الحركة عبر الكاميرات، وإذا كانت هناك طائرة مُسيّرة لا يفعّلون العبوات. أما إذا كانت هناك قوة عسكرية فيتم تفعيلها. وبمجرد وصول قوة الإنقاذ، يخرجون لإطلاق النار والقنابل».
* الأخبار