أردوغان يصعّد ضد الأكراد: لا أفقَ للمصالحة
متابعات..| تقرير:
بعد مرور ثلاثة أشهر ونيّف على إطلاق ما سُمّي «مبادرة باهتشلي» لحلّ المشكلة الكردية في تركيا، لا تزال اللقاءات والتصريحات بعيدة عن أيّ موقف ملموس وواضح في شأن معالم هذا الحلّ. إذ إن كلّ ما دعا إليه زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، هو أن يَخرج زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، من السجن ليلقي كلمة أمام نواب «حزب الديموقراطية والمساواة» الكردي في مبنى البرلمان، يدعو فيها حزبه إلى إلقاء سلاحه، وحلّ نفسه. وباستثناء ما تقدّم، لم تخرج أيّ إشارة إلى علامات المرحلة التي تلي؛ بل إن كل حركة الاتصالات التي تلت تلك المبادرة، اقتصرت على زعماء الحزب الكردي، والذين زاروا أوجالان في معتقله، ومن بعده الرئيس السابق للحزب صلاح الدين ديميرطاش في معتقله في أدرنة، وثم الرئيسة السابقة للحزب فيغين يوكسيك داغ في معتقلها في سجن كانديرا في مدينة قوجا علي. وفيما بدت تصريحات «الديموقراطية والمساواة» وكأنها تمنح فرصةً لجهود الحلّ، وتعطي انطباعات إيجابية، فإن الأمور على خط السلطة لم تعكس هذا التفاؤل.
وللمرّة الأولى، تحدّث الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ومن ديار بكر، علناً عن عملية «الحلّ»؛ إذ قال أمام نواب كتلة «حزب العدالة والتنمية»، إن «الإرهاب الانفصالي الذي عمره نصف قرن، سيُدفن بكلّ أبعاده وعناصره في التاريخ». وأضاف بكل وضوح: «هدف كل الجهود الأخيرة واحد، وهو حلّ الحزب نفسه وتسليم سلاحه بلا قيد أو شرط، وإعطاؤه فرصةً ليكون حزباً سياسيّاً». ووفقاً لعبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، فإن «كل الظروف والعوامل تعمل لمصلحة تركيا في مقاربة مسألة إرهاب حزب العمال الكردستاني وتصفيته، للمرّة الأولى منذ 50 عاماً». وأضاف أن «تركيا كانت تصل في أكثر من مرّة إلى مرحلة تصفية الحزب، ولكن الظروف كانت تنقلب ولا تساعدها. هذه المرحلة ليست مرحلة تفاوض ومساومة، بل الهدف الوحيد هو فسخ الحزب أو دفنه مع سلاحه». وذكّر سيلفي بأن «المعادلات في سوريا تغيّرت لمصلحة تركيا، وضدّ مصلحة حزب العمال. وإذا لم يسلّم الحزب ومعه وحدات حماية الشعب في سوريا، سلاحه، فستنطلق عملية عسكرية مشتركة تركية – سورية ضد الأكراد، والكلّ في انتظار تسلُّم ترامب الحكم»، لافتاً إلى أن «إردوغان وعد بأن عام 2025 سيشهد نهاية الإرهاب، وهذا ليس بخيال».
لا يزال قادة «الكردستاني» يقاربون بحذر أقرب إلى التشاؤم مبادرات الحلّ في الداخل التركي
في المقابل، لا يزال قادة «الكردستاني» يقاربون بحذر أقرب إلى التشاؤم مبادرات الحلّ في الداخل التركي؛ إذ حذّر القائد البارز وعضو اللجنة التنفيذية في الحزب، مراد قره ييلان، السلطات التركية من «الاستمرار في التلاعب بالقضية الكردية، وإظهار الحزب كما لو أنه انهزم، لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج وخيمة وخطيرة جداً». وقال المسؤول إن «الحزب لا يزال صاحب قدرة تكنولوجية (ربّما يقصد المسيّرات) على ضرب الأهداف التركية كلّها من البحر المتوسط إلى قلب الأناضول، إضافة إلى كل كردستان تركيا.
الحزب لم يفعل ذلك حتى الآن، لأسباب متعدّدة، ولكن إذا تطلّب الأمر، سيفعل ذلك». وإذ أكد ييلان أن «ثقتنا بالقائد أوجالان لا متناهية»، فهو رأى أن «عملية الحلّ لا تكون من طرف واحد. وحتى الآن، فإن السلطة لا ترسل أيّ إشارات جديدة، بل على العكس تتحدّث كل يوم عن محو الحزب». كذلك، اعتبر أن «اللغة التي تستخدمها أوساط حزب العدالة والتنمية، ليست فقط مسمومة بل تحريضية»، مضيفاً أن «خطاب السلطة يعكس عملية تصفير الجهود والاستهتار بها، والعمل للحرب لا للسلم. وهي ليست لغة أخوة ولا سلام، بل تجذير العداء، وهي لغة لا تحترم إرادة الشعب الكردي بل تحتقرها». وبحسب هذا المسؤول، فإن «مَن لا يريد السلام بل الحرب والعنف، هو رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية. إردوغان يرى أنه لا توجد مسألة كردية في الداخل، بل يوجد إرهاب كردي في الخارج»، مشيراً إلى أن هناك 10 آلاف معتقل سياسي كردي في السجون.
وتحدّث الرئيس المشارك لـ«حزب الديموقراطية والمساواة» الكردي، تونجير باقر خان، من جهته، عن التحرُّك التركي في سوريا، مخاطباً الدولة التركية، بالقول: «أيّ شأن لك هناك؟ في الأساس، إن القوّة الأكبر التي جاءت من الخارج إلى سوريا، هي تركيا». وأضاف أنه «منذ بداية الحرب في سوريا، لم يُرمَ أيّ حجر على تركيا من سوريا. ومع ذلك، تقول الدولة إن الأمن القومي لتركيا في خطر». وعن مستقبل سوريا، تساءل: «كيف يمكن إنشاء ديموقراطية من دون الأكراد والعلويين والأزيديين والمسيحيين والعلمانيين العرب من السنة»، خاتماً بالقول: «دعوا سوريا للسوريين».
وفي غمرة الحديث عن السلام، كانت السلطات التركية تلقي القبض على رئيس بلدية آقدينيز (محافظة مرسين) الكردي، هوشيار صاري يلدز، وأربعة آخرين معه ينتمون إلى الحزب الكردي، وتُعيّن آخر بدلاً منه. كما ألقت القبض على رئيس بلدية بشكتاش المهمّة في إسطنبول، رضا آق بولات، المنتمي إلى «حزب الشعب الجمهوري»، مع 39 موظفاً آخرين. وإذ اعتبر رئيس «الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، أن «الإقالات والاعتقالات هي حلقة أخرى من سلسلة انتهاك القانون»، قالت الرئيسة الأخرى المشاركة للحزب الكردي، تولاي خاتم أوغوللاري، إن «السلام لا يأتي بالاعتقالات واغتصاب إرادة الشعب، بل بالديموقراطية الحقيقية».
* الأخبار