هل يذهب ترامب نحو الخيار العسكري اتجاه إيران؟
متابعات..| تقرير*:
يمثل التعامل مع الجمهورية الإسلامية إحدى أكبر القضايا المعقدة التي سيواجهها الرئيس الاميركي دونالد ترامب في السياسة الخارجية، فهي تعتبر “دولة عتبة نووية” مع برنامج صاروخي متقدم وتحالفات مختلقة في غرب آسيا، والسؤال هو كيف سيتعامل ترامب مع القضية الإيرانية؟ وما الهدف الذي سيتبناه؟ هل إسقاط النظام في إيران أم الضغط لتقليص البرنامج النووي والصاروخي والتخلي عن حلفائها في محور المقاومة؟
في محاولة لقراءة سياسة ترامب التي يمكن أن يتبناها تجاه الجمهورية الإسلامية لا بد من الإضاءة على تشكيلة فريقة السياسي الحالي، وأخذ لمحة عن سياسته خلال ولاياته السابقة، وكذلك استراتيجية الولايات المتحدة العامة في التعامل مع الجمهورية الإسلامية خاصة خلال العقدين الماضيين، فالمواجهة الأمريكية مع إيران تندرج تحت مجموعة من العناوين تتراوح ما بين ملفها النووي، والصاروخي، والقضية الفلسطينية، ومحور المقاومة، وملف التطبيع مع الكيان، وعلاقاتها مع الصين وروسيا، والصراع على الهيمنة الإقليمية.
تعتبر الولايات المتحدة أن الجمهورية الإسلامية عرقلت خلال العقود الماضية معظم جهودها في منطقة غرب آسيا، وأنشأت ودعمت شبكة من الحلفاء اللادوليين لها هامش كبير في الحركة، وقدرة على المواجهة معها ومع حلفائها في المنطقة، واستطاعت وضع “فيتو” على تنفيذ مشاريعها، وتقليص هيمنتها المطلقة، وقد وضعت الولايات المتحدة مجموعة من الإستراتيجيات الخاصة بالمنطقة في محاولة لتطبيقها مع مجموعة الرؤساء المتعاقبين في مرحلة ما بعد الحرب الباردة تراوحت ما بين الدبلوماسية أو التدخل العسكري المباشر، وكان الهم الأساسي للولايات المتحدة في غرب آسيا الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، وإدامة السيطرة على النفط، وعدم صعود دولة لها القدرة على إضعاف الهيمنة الأمريكية وكبح التعدي الأمريكي على سيادة دول المنطقة.
وتُعد المواجهة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة جزءًا من المنافسة العالمية مع توسع النفوذ الصيني، والسعي الإيراني لتعزيز العلاقة مع الصين التي يعتبرها ترامب الخطر الأول على الولايات المتحدة، مما يعزز المخاوف الأمريكية بشأن هيمنة صينية متزايدة، ومستقبلية على غرب آسيا خاصةً مع مبادرتها الإقتصادية التي تشمل دولاً هامة في المنطقة، وكذلك مع تعزيز الجمهورية الإسلامية تعاونها العسكري مع روسيا وهذا ما يعيد تكوين كتلة “شرقية” لها دور محوري في المنافسة العالمية، لذا ستسعى إدارة ترامب الى تقويض هذا التعاون عبر السعي لخفض صادرات النفط الإيراني إلى الصين، والحد من التعاون الروسي الإيراني لتقليص التأثير الصيني والروسي والإيراني على غرب آسيا.
الهدف الاستراتيجي لإدارة ترامب:
يظهر من عدد من التسريبات والتصريحات أن إدارة ترامب ستسعى إلى إحداث تغيير داخلي جذري في إيران دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية شاملة من خلال اتباع استراتيجية متعددة المحاور تجمع بين الضغط الاقتصادي والتحركات الأمنية والتخريبية، والهدف الأساسي من هذه الاستراتيجية هو ممارسة ضغط هائل على الاقتصاد الإيراني الذي يعتبر نقطة الضعف الرئيسية لتحفيز تحركات مناهضة للنظام داخل البلاد.
تشمل هذه الاستراتيجية تنفيذ أعمال تخريبية تستهدف المنشآت الحيوية في إيران مثل البنية التحتية للطاقة، والمنشآت النووية، والمراكز الصناعية، والمنشآت الحساسة لإحداث صدمة داخلية، وتقويض قدرات إيران الاقتصادية مما يؤدي إلى زيادة حدة الأزمات الداخلية لاستغلالها ضمن سياسة الضغوط القصوى.
إضافة إلى ذلك تركز الاستراتيجية على تنفيذ أعمال أمنية تستهدف شخصيات محورية ومفصلية داخل الدولة بما في ذلك قادة في الجيش والحرس الثوري الإيراني لإضعاف هيكل السلطة في إيران، وإحداث خلل داخلي في منظومة القيادة بما يهدف إلى تحفيز انقلاب داخلي أو انهيار تدريجي للنظام.
وقد تركز إدارة ترامب على تغيير النظام الإيراني من خلال استراتيجيات متعددة تشمل الضغط الاقتصادي، الأعمال التخريبية، والتحركات الأمنية، دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، وبذلك تخلق بيئة من الفوضى الداخلية تدفع بالنظام الإيراني إلى الذهاب إلى مفاوضات من موقع ضعف وتوقيع تنازلات استراتيجية مع تقليل المخاطر المحتملة على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
يعتبر الملف النووي حجر الزاوية في المواجهة الأمريكية الإيرانية حيث تحتفظ طهران بالمسار النووي كأولوية في التعامل مع واشنطن، ومع إنهاء ترامب العمل بالإتفاقية النووية التي وقعت في عهد أوباما جاء الرد الإيراني بزيادة مخزونها من اليورانيوم ونسبة التخصيب، وسنّ مجموعة من القوانين التي تحظر التخلي عن الإنجازات النووية مما يزيد في تعقيد هذا الملف بوجه الأمريكي في أي مفاوضات مستقبلية، وخاصة أن الولايات المتحدة تريد توسعة الإتفاق ليشمل قضايا عديدة منها الملف الصاروخي والملف الإقليمي.
مع هذه الصورة العامة فإن إدراة ترامب قد تلجأ لاستخدام استراتيجية الضغط الأقصى التي تهدف وضع إيران بين خيار الإنهيار الإقتصادي أو القبول بتغيير الإتفاقية النووية، وإجبارها على إبرام إتفاق شامل يتجاوز الملف النووي ليشمل ملفها الصاروخي ونفوذها الإقليمي وعلاقاتها الدولية، لذا ستسعى ادارة ترامب عبر حملة جديدة من الضغوط القصوى على ايران دفعها لتقديم تنازلات إقليمية، وتحجيم نفوذها بعد الضغط الكبير على حلفائها في محور المقاومة، مع نشر أنظمة دفاعية متقدمة للدفاع عن حلفائها في المنطقة وخاصة الكيان الصهيوني، حيث تعود واشنطن الى استراتيجيتها السابقة عبر استهداف صادرات النفط الإيرانية بالعقوبات، ومحاولة عزل طهران إقتصاديًا، ودبلوماسيًا، وإعطاء الكيان الصهيوني حرية أكبر في العمل ضد إيران، والهدف من ذلك دفع الإقتصاد الإيراني نحو الإفلاس لتقديم تنازلات كبرى في الملفات الأساسية، مع محاولة الضغط على الصين لتقليص دعمها وتعاونها الإقتصادي مع إيران، ويضاف الى ذلك دفع الأوروبيين لإعادة تفعيل آلية فرض العقوبات لزيادة الضغط الإقتصادي والدبلوماسي قبل أي مفاوضات، وفي نفس الوقت قد تلعب الصين دوراً رئيسيًا في دعم الإقتصاد الإيراني مما يساعد في موازنة الضغوط الأمريكية، وستعتمد نتائج المواجهة على مدى نجاح أي من الطرفين في تعزيز موقفه على الصعيدين الإقتصادي والسياسي وهذا ما سيزيد من تعقيد الجهود الأمريكية.
خيارات إدارة ترامب:
1 – خيار تخفيض أسعار النفط عالميًا
يعد خفض أسعار النفط خيارًا استراتيجيًا تهدف من خلاله إدارة ترامب إلى إلحاق ضرر مباشر بالاقتصاد الإيراني، الذي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط كمصدر رئيسي للإيرادات. يؤدي هذا الانخفاض في الأسعار إلى تقليص العوائد المالية لإيران، مما يزيد من الضغط الاقتصادي على النظام. كما أن هذا الخيار لن يقتصر تأثيره على إيران فقط، بل سيمتد إلى روسيا، التي تعتمد بشكل كبير على صادرات الغاز لدعم اقتصادها.
في المقابل، قد تستفيد الصين من هذه السياسة حيث ستتمكن من شراء النفط بأسعار منخفضة، مما يعزز مصالحها الاقتصادية ويخفف من الأعباء التي تواجهها بسبب التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، ومع ذلك، يضع هذا السيناريو الدول الحليفة للولايات المتحدة المنتجة للنفط في موقف صعب، إذ ستطلب واشنطن منها زيادة إنتاج النفط لتعويض النقص في السوق العالمي، وهذا الضغط قد يواجه تحديات خاصة مع مواقف سابقة من السعودية ودول “أوبك+” التي أظهرت ترددًا في تجاوز الاتفاقيات المتعلقة بمعدلات الإنتاج.
في المجمل، يهدف هذا الخيار إلى إضعاف قدرات إيران الاقتصادية وتقليص قدرتها على تمويل أنشطتها الإقليمية والدولية، مع خلق توازن دقيق في السوق العالمية لكنه يحمل تحديات تتعلق بالتنسيق مع الحلفاء وتأثيرات محتملة على استقرار أسواق النفط، كما أنه قد يساعد الصين على التحرر من الضغوطات الاقتصادية الأمريكية.
2 – خيار توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النفطية الإيرانية.
يُعتبر توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النفطية الإيرانية خيارًا متطرفًا تسعى من خلاله الولايات المتحدة إلى تعطيل إنتاج النفط الإيراني لفترة طويلة، مما يوجه ضربة مباشرة وعميقة لاقتصاد البلاد. يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على عائدات النفط، وبالتالي فإن تعطيل الإنتاج النفطي سيؤدي إلى هزة اقتصادية كبيرة، تزيد من قدرة الولايات المتحدة لإستغلال الضغوط الداخلية، وهذا الخيار له تردد سلبي على المستوى العالمي بحيث يؤدي هذا السيناريو إلى نقص في إمدادات النفط في الأسواق ويدفع بأسعار النفط إلى مستويات مرتفعة بشكل كبير مما قد يخلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي على الصعيد الدولي لأن الدول المستهلكة للنفط ستتأثر بارتفاع تكاليف الطاقة مما يعقد العلاقات الاقتصادية بين الدول الكبرى، وستطلب الولايات المتحدة من حلفائها النفطيين زيادة إنتاج النفط لتعويض النقص الحاصل والمساهمة في استقرار أسعار النفط، إلا أن هذا الطلب قد يواجه تحديات سياسية واقتصادية فعلى سبيل المثال أظهرت السعودية في مواقف سابقة ترددًا في تجاوز التزاماتها ضمن اتفاقيات “أوبك” و”أوبك+” حيث أكدت التزامها بالمحافظة على استقرار سوق النفط العالمي، وهذا الخيار يحمل مخاطر كبيرة تتجاوز الاقتصاد الإيراني حيث قد يؤدي إلى تصعيد عسكري أوسع في المنطقة مما يعرض المصالح الأمريكية وحلفاءها في الشرق الأوسط للخطر. بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الخيار قد يواجه انتقادات دولية واسعة، خصوصًا من القوى الكبرى مثل الصين وروسيا، التي قد ترى فيه تهديدًا لاستقرار المنطقة ولإمدادات الطاقة العالمية، وبينما يمكن أن يحقق هذا الخيار هدفه في إضعاف الاقتصاد الإيراني، إلا أنه يحمل في طياته تداعيات معقدة على الاقتصاد العالمي مما يجعله خيارًا محفوفًا بالمخاطر ويتطلب دراسة دقيقة لتبعاته المحتملة، فعلى حدّ تعبير جون ميرشايمر فقد قال أنه إذا تعرضت إيران لإستهداف منشآتها النفطية وردت باستهداف المنشآت النفطية لحلفاء الولايات المتحدة فإن الرد الإيراني سيكون تأثيره يشبه ضربه نووية للإقتصاد العالمي.
3 – خيار إعطاء الضوء الأخضر للكيان الصهيوني بتوجيه ضربات الى الداخل الإيراني:
مع السير بخيارات الضغوط القصوى على ايران، والبدء بسلسلة من العقوبات الإقتصادية يمكن أن يمنح ترامب الكيان المؤقت الضوء الأخضر بتوجيه ضربات الى المنشآت الإستراتيجية الإيرانيه قد تطال القطاع النفطي أو النووي أو منشآت صناعية عسكرية حساسة، وهذا ما سيمنحه قدرة أكبر على الضغط في المفاوضات التي قد تجري على كل الملفات المعقدة. لكن تنفيذ عدوان كبير بهذا الحجم تجاه دولة “عتبة نووية” ينذر بتحول ايران إلى دولة مسلحة نووياً بشكل معلن، بعد أن أعلنت مراراً وتكراراً أن تعرضها لتهديد وجودي سيؤدي إلى تغيير عقيدتها النووية.
المكونات السياسية الأساسية داخل فريق ترامب:
المعسكر الأول: التفوق الأميركي “The American Supremacists“
هم مجموعة من الخبراء وصناع القرار الذين يدافعون عن الهيمنة العسكرية العالمية المطلقة للولايات المتحدة، ويؤمنون بأنها يجب أن تحافظ على تفوقها العسكري والاقتصادي في جميع المجالات على مستوى العالم، بغض النظر عن السياق أو المنافسة. تركز أولوياتهم على قمع أي منافس محتمل في جميع المجالات بما في ذلك الاقتصاد، والسياسة، والتكنولوجيا. كما يعطون أهمية كبيرة للحرب الإيديولوجية، ويعتبرون أن فرض القيم الأميركية عالميًا هو جزء أساسي من الاستراتيجية الخارجية الأمريكية، ويؤيدون أيضًا خوض صراعات تجارية وأمنية لتحقيق هذه الهيمنة.
يتمثل هذا المعسكر بالسيناتور ماركو روبيو (مرشح كوزير خارجية)، وبيتر نافارو كمستشار للتجارة في البيت الأبيض.
المعسكر الثاني: المقَيدون الاستراتيجيون “The Strategic Restrainers“
هم مجموعة من الخبراء وصناع القرار الذين يتبنون نهجًا أكثر تحفظًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة يؤمنون بأن الولايات المتحدة يجب أن تركز على حماية مصالحها الحيوية وأمنها الوطني فقط، وأن تنافس في مجالات مختارة بعناية مع الحفاظ على مواردها العسكرية والاقتصادية. يفضلون تقليص التدخلات العسكرية العالمية وتقليص بصمة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، مع التأكيد على زيادة مشاركة الحلفاء في تحمل المسؤوليات الأمنية والاقتصادية. كما يعارضون الحروب التجارية والمعارك الإيديولوجية، معتبرين أن تعزيز القيم الأميركية في جميع أنحاء العالم ليس بالضرورة وسيلة فعالة لتحقيق الأمن والمصالح طويلة الأجل.
يتمثل هذا المعسكر بمرشح لوزارة الدفاع بيت هيجسيث، ومرشح لوكالة المخابرات المركزية جون راتكليف، ومرشحة لمدير الإستخبارات الوطنية تولسي جابارد، ومرشح لوزارة الخزانة سكوت بيسنت، ومرشح لوزارة التجارة هوارد لوتنيك، ومرشح لسفير الصين ديفيد بيردو.
المعسكر الثالث: المحيطين الهندي والهادئ أولاً
هو أحد المعسكرات الجيوستراتيجية التي تُركز على إضفاء الأولوية على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، باعتبارها المصلحة الأساسية للأمن القومي الأمريكي. يتبنى هذا المعسكر سياسة تقليص أهمية أوروبا في الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة، مع تحول كبير نحو تعزيز الحضور الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
أعضاء هذا المعسكر يعتقدون أن المنافسة الرئيسية في المستقبل ستكون مع الصين، وأن الاستثمارات والموارد العسكرية يجب أن تُوجه بشكل أساسي إلى مواجهة التحديات القادمة من الصين، سواء في ما يتعلق بالاقتصاد أو السياسة أو الأمن العسكري.
يتمثل هذا المعسكر بنائب الرئيس المنتخب جيه فانس، ومرشح مستشار الأمن القومي مايكل والتز.
مواقف وتصريحات رئيسية لترامب تجاه ايران:
1 – هجمات إيران ضد إسرائيل لم تكن لتحدث في عهده.
2- إيران حصلت على المزيد من المال بسبب سياسات بايدن-هاريس.
3 – صرح بأن إيران لا ينبغي لها أبدًا الحصول على سلاح نووي.
4 – قال بأنه يمكنه إبرام صفقة مع إيران وحتى إدخالها في اتفاقيات إبراهام، وقد صرح ترامب مرارًا وتكرارًا أنه يمكنه إبرام هذه الصفقة في فترة زمنية قصيرة وقد يدخل إيران في اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل، دون تقديم تفاصيل حول كيفية القيام بذلك.
5 – تسليط الضوء على التهديد الذي تشكله إيران على الولايات المتحدة، بما في ذلك محاولات الاغتيال بعدما نبهت وكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون الأمريكية ترامب إلى المؤامرات الإيرانية ضد حياته، واستخدم ترامب هذه المعلومات للحديث عن العواقب المحتملة لإيران في الانتقام الأميركي.
بالمجمل لن تكون سياسات ترامب تجاه ايران بعيدة عن سياسات الإدارات السابقة وهي مرتبطة بالإستجابة للمتغيرات المستمرة في الشرق الأوسط، وهذه المتغيرات هي ما تفرض العناوين العريضة للتوجهات السياسية لإدارة ترامب، فلا قرار رئاسي من البيت الأبيض، ولا أي تصريح على وسائل التواصل الإجتماعي يستطيع أن ينهي التعقيدات الموجودة حاليًا، وحتى أخذ أي قرار عسكري أو دبلوماسي هو مرتبط بالتطورات الراهنة والآنية التي قد تحدث بسرعة كبيرة وتخلق بيئة معقدة لصانع القرار الأمريكي فمثلاً إن قرار خروج القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، وتقليص نوع وحجم القوات الأمريكية المنتشرة هو ما يشجع عليه ترامب إلا أنه نتيجة وقوع أحداث سريعة ومتغيرات أساسية تجبره على اتخاذ قرارات معاكسة كما حدث في سوريا وتدفعه لتعزيز عديد القوات الأمريكية بعد سقوط النظام السابق.
إن توجهات ترامب مرتبطة جداً بتفكيره الرئيسي المرتكز على شعاره “أمريكا أولاً” وصحيح أن ترامب يتحدث عن أن مصالح الولايات المتحدة قبل مصالح الآخرين، لكن هذا لا يعني بالضرورة تبني هذا الخيار بشكل دائم، ومن الطبيعي أن يواجه ترامب ضغوطًا من اللوبيات الموجودة داخل الدولة لزيادة الدفاع عن اسرائيل، وزيادة الدعم لأوكرانيا، ومضاعفة الجهود لاحتواء الصين، وهذا ما سينطبق في التعامل مع الجمهورية الإسلامية، ومن المرجح أن تتواجه مجموعة هذه الضغوطات مع تفكير ترامب الرئيسي، وهذا ما سيعطي فرصة للمجموعات المطالبة بالتغيير الإستراتيجي ويكون لديهم أفضل احتمالات للتأثير على استراتيجية الولايات المتحدة تجاه ايران، وبالتالي قد يدفعون ترامب لإخذ القرارت التي قد تناسبهم على سبيل عسكرة التعاطي مع ايران. لكن من اللافت أن المرشحين لمناصب في ادارته والذين يميلون إلى تخفيض درجة التورط الأمريكي العسكري حول العالم لهم حصة الأسد في الإدارة القادمة في حال الموافقة على تعيينهم، وهو ما قد يرجح لجوء ترامب إلى الحرب المركبة الأمنية/السياسية/الاقتصادية بدلاً من التورط في معركة اقليمية ستضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط فيها.
* الخنادق