صنعاء تتحصّن بوجه «الجواسيس» بكشْف شبكات إسرائيلية – غربية
متابعات..| تقرير*:
أعلنت الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة صنعاء أنها أفشلت «أنشطة عدائية» لجهاز الاستخبارات السعودي وجهاز الاستخبارات البريطاني «أم آي 6»، في ظل ازدياد التصعيد بين اليمن من جهة، وإسرائيل والقوى الغربية في البحر الأحمر من جهة أخرى، وفي وقت تحدّثت فيه وسائل إعلام غربية عن تعاون غربي وإسرائيلي مع حكومة عدن في إطار التحضير لعدوان على الأراضي اليمنية. وقالت أجهزة صنعاء الأمنية في بيان إنه «تم خلال كانون الأول الفائت إلقاء القبض على عناصر تتبع شبكة تجسّسية بريطانية»، موضحة أن «الاستخبارات البريطانية عمدت، بالتعاون والتنسيق مع الاستخبارات السعودية، إلى استقطاب وتجنيد وتدريب عناصر تجسّسية بغرض تنفيذ أنشطة استخباراتية ضد بلدنا»، وأن تلك «الأنشطة استهدفت رصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية». وأشار البيان إلى أن «العناصر التجسّسية خضعت لاختبارات تقييمية وفنية في مرحلة الاستقطاب على يد الضباط البريطانيين والسعوديين في الرياض».
ويأتي الكشف عن هذه الخلية في الوقت الذي تنكبّ فيه المستويات السياسية والاستخباراتية والعسكرية، الغربية والإسرائيلية، كافة، على البحث عن سبل للتخلّص من الصداع الذي يسبّبه اليمن للوجود الغربي في المنطقة، وكذلك لإسرائيل التي اعترفت وسائل إعلامها بأن الضربات اليمنية على تل أبيب تشكّل تحدّياً خطيراً للكيان، يتحوّل مع الوقت إلى أداة استراتيجية متطوّرة مصمّمة لخلق حالة من الإرهاق النفسي بشكل تراكمي. وتعترف تلك الوسائل بأن هجمات صنعاء، بقدر ما لها أهداف عسكرية، تهدف إلى تقويض الشعور بالأمن، وضرب العلاقة بين الجمهور الإسرائيلي وقيادته.
كذلك، أكد تقرير صادر عن موقع «المعهد البحري الأميركي»، أن العمليات البحرية اليمنية مثّلت أحد أبرز الأحداث خلال 2024، وشكلّت التهديد الأكثر إزعاجاً للبحرية الأميركية. وعليه، تبذل القوى الدولية، بالتعاون مع إسرائيل، جهوداً في المجال الاستخباري لاختراق اليمن واستغلال الصراع المحلي في البلد، بعدما أثبتت الوقائع والمعطيات على الأرض أن جهات محلية، ولا سيما تلك التي تعمل تحت الرعاية السعودية والإماراتية، حاضرة للقيام بالمهام المطلوبة منها، إذا ما قررت واشنطن ولندن وتل أبيب الاعتداء على اليمن.
صنعاء تتعامل مع التقارير عن الخواء الاستخباراتي الغربي على أنها قد تستبطن التضليل
على أن القيادة في صنعاء، على الرغم من علمها بالمأزق الاستخباراتي الغربي – الإسرائيلي، إلا أنها تتعامل مع تقارير كهذه على أنها قد تستبطن الخداع والتضليل. وفي هذا الإطار، ذكرت تقارير صحيفة خليجية أن القادة اليمنيين اتخذوا تدابير أمنية واختفوا عن الأنظار، فيما تراقب صنعاء عن كثب التعاون الحاصل بين تل أبيب وحكومة عدن، والذي لم يشكل لديها أي مفاجاة، مع حصولها على معلومات سابقة عن تعاون بعض مكونات تلك الحكومة مع العدو قبل الدخول في جبهة إسناد قطاع غزة، فضلاً عن تعاونها أمنياً مع كل من واشنطن ولندن بشكل رسمي.
يُذكر أن القوى الغربية الكبرى والدول الإقليمية، وبالتحديد دول الخليج وإسرائيل، دأبت في الآونة الأخيرة على إلقاء اللوم بعضها على بعض، لإخفاقها الأمني وفشلها الاستخباراتي، والذي يعدّ العقبة الأهم أمام الجهود العسكرية الغربية والإسرائيلية للوصول الى القيادة العليا في اليمن وتدمير قدراته الصاروخية والمسيّرة ومشاغل التصنيع.
وتعزو بعض الدول المشاركة في العدوان على اليمن السبب في الخواء الاستخباري، إلى أن اليمن لم يكن مدرجاً ضمن أولوية أجهزتها الاسخباراتية. على أن تلك سردية تفتقر إلى الدقة والموضوعية، وتمثّل محاولة مفضوحة لتبرير الفشل والإخفاق؛ ظلّ اليمن لعقود من الزمن، مسرحاً للتدخلات الخارجية وتنفيذ أجندات القوى الإقليمية، ولا سيما السعودية، والدولية بقيادة أميركا وبريطانيا والكيان الصهيوني. وتعدّدت صور تلك التدخلات وأشكالها، من استهداف للأمن والاستقرار، إلى إذكاء الصراعات وتفتيت التماسك المجتمعي، إلى تكوين شبكات وخلايا من العناصر الاستخباراتية لتنفيذ مؤامرات بتمويل وتوجيه أميركي وبريطاني وإسرائيلي. ولم يقتصر الدور الاستخباري على العهد الجمهوري الذي بدأ في نهاية ستينيات القرن الماضي، بل كشفت وثائق إسرائيلية عن تدخل تل أبيب في الصراع الدائر بين الدول الإقليمية على الساحة اليمنية في عهد الإمامة.
وحديثاً، تثبت الوقائع على الأرض عدم صحة الادعاءات الأميركية بالخواء الاستخباراتي؛ إذ إن الحملة الجوية على اليمن تجري منذ سنة، ومن الطبيعي أن الوكالات الاستخباراتية المختلفة استعادت دورها ورمّمت بنك أهدافها خلال هذا العام، وهي بالأصل لم تغب يوماً واحداً عن الساحة اليمنية. وكانت الاستخبارات الاميركية، باعتراف مسؤوليها، المزوّد الرئيسيّ للتحالف السعودي – الإماراتي بالمعلومات الاستخباراتية والفنية وأحدث الصور الجوية. وفي بعض الحالات، زوّدت واشنطن، الرياض وأبو ظبي، بالصور نفسها المستخدمة من قبل البنتاغون، وفقاً لما تفيد به اعترافات موثّقة لمسؤولي وزارة الدفاع الأميركية أمام اللجان المعنية بالدفاع والخارجية والأمن في الكونغرس. كما أن الاستخبارات الأميركية، بوكالاتها كافة، أبرمت عقود تعاون مع أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة لحكومة عدن، وهي عقود جرى التوصل إلى مثلها مع كل من السعودية والإمارات، وفق ما أكد السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، العام الماضي. يُضاف إلى ما تقدّم، أن الاستخبارات الأميركية والبريطانية لا تزال تعمل في اليمن، وتتّخذ مقراً لها في مطار الغيضة في محافظة المهرة، شرق البلاد.
في المقابل، كشفت الأجهزة الأمنية في صنعاء عدداً من الخلايا التي اعترف أعضاؤها بالارتباط بأجهزة استخباراتية تعمل لمصلحة واشنطن ولندن. والواقع أن وزارة الداخلية في صنعاء، تنفّذ الخطة الاستراتيجية الخمسية 2021 – 2025، والتي تضمّنت مشاريع كبيرة ذات أثر وقائي، أسهمت في إحداث نقلة نوعية في أداء العمل الأمني وتعزيز الأمن والاستقرار وإحباط مخطّطات العدو، واستكمال إعادة هيكلة وبناء المنظومة الأمنية ثقافياً وإدارياً ومؤسّسياً، بما يتوافق مع متطلبات المرحلة. كما عملت الأجهزة الأمنية على كشف مؤامرات شبكات التجسّس الأميركية – الإسرائيلية في الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والصحية والتعليمية والزراعية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وما قدّمته من معلومات لأجهزة المخابرات المعادية، وتجسّسها على مؤسسات الدولة والمجتمع.
* الأخبار البيروتية