كل ما يجري من حولك

تنامي الهجمات اليمنية ضد الاحتلال الإسرائيلي والبحرية الأمريكية.. دلالاتُ ونتائج

55

متابعات..| تقرير*

في بيان حديث صدر عن القوات المسلحة اليمنية، كشف العميد يحيى سريع عن تنفيذ أربع عمليات عسكرية “نوعية” استهدفت أهدافًا أمريكية وإسرائيلية. هذا الإعلان يعكس تصاعدًا لافتًا في القدرات العسكرية اليمنية، ويضع هذه العمليات في سياق دعم المقاومة الفلسطينية في غزة، مما يبرز التحولات الجيوسياسية والاستراتيجية في المنطقة.

القدرات العسكرية اليمنية: من الدفاع إلى الهجوم

منذ اندلاع العدوان على اليمن عام 2015، شهدت القوات المسلحة اليمنية تطورًا غير مسبوق في قدراتها العسكرية، خاصة في مجالات الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة. ما كان يُنظر إليه في البداية كقدرات دفاعية محدودة، تطور اليوم إلى قوة قادرة على تنفيذ عمليات هجومية بعيدة المدى، مستهدفة أهدافًا استراتيجية مثل حاملات الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر.

هذا التصعيد يعكس أمرين رئيسيين:

التقدم التقني والعسكري: فاستخدام صواريخ مجنحة وطائرات مسيرة في عمليات متزامنة ومعقدة يشير إلى تطور ملحوظ في التخطيط والقدرة التنفيذية التي بلغتها القوات المسلحة اليمنية والتي تنامت أكثر من بعد السابع من أكتوبر 2023 ولا تزال تتصاعد وفقاً لما تتطلبه المعركة مع العدو الإسرائيلي وحليفه الأمريكي في المنطقة.

جرأة استراتيجية: تكرار استهداف حاملات الطائرات الأمريكية يشكل رسالة واضحة بأن اليمن لم يعد يقتصر على ردود الأفعال الدفاعية، بل أصبح لاعبًا قادرًا على التأثير في موازين القوى الإقليمية.

دعم المقاومة الفلسطينية: البعد الجيوسياسي

الإصرار اليمني على مواصلة إسناد غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي والمرهون استمراره من عدمه باستجابة الاحتلال لشروط صنعاء المتمثلة في وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، لم يترك مجالًا للشك حول الهدف الأساسي لهذه العمليات: دعم المقاومة الفلسطينية في غزة. هذا الموقف ينسجم مع الخطاب الذي طالما تبنته القيادة اليمنية على رأسها زعيم أنصار الله عبدالملك الحوثي والقوات المسلحة اليمنية، خلافاً لكون الموقف اليمني في معركة طوفان الأقصى مثل نقلة نوعية من الدعم الخطابي اليمني سابقاً للشعب الفلسطيني إلى الدعم العسكري الفعلي.

أما تصاعد الدعم اليمني لغزة فيمكن تفسيره من خلال:

البعد الأيديولوجي والسياسي: إذ يشترك اليمن مع الفصائل الفلسطينية في معاداة إسرائيل التي تحتل أرضاً عربية ومقدسات إسلامية وترتكب عدواناً وجرائم حرب ضد شعب عربي أعزل إضافة لرفض الهيمنة الأمريكية في المنطقة.

التأثير الإقليمي: يسعى اليمن إلى ترسيخ موقعه كفاعل مؤثر في المحور الفلسطيني، الذي يضم إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها باستثناء السلطة الفلسطينية المطبعة والعميلة للاحتلال الإسرائيلي بقيادة محمود عباس.

استهداف إسرائيل وأمريكا: رسالة متعددة الأبعاد

العمليات العسكرية التي استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية والأهداف الإسرائيلية تحمل أبعادًا استراتيجية ورسائل متعددة:

لأمريكا: استهداف “يو إس إس هاري ترومان” يؤكد استعداد اليمن للتصعيد المباشر ضد أكبر قوة عسكرية في العالم طالما استمرت هذه القوة بتقديم الغطاء الكامل والدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي للاحتلال الإسرائيلي الذي أصبح منبوذاً في مختلف دول العالم، مما يضيف تعقيدات جديدة للصراع الإقليمي.

لإسرائيل: ضرب أهداف عسكرية وحيوية في يافا وعسقلان يشكل تحديًا أمنيًا مباشرًا، ويظهر أن دعم المقاومة الفلسطينية من خارج فلسطين المحتلة يمكن أن يأتي من أماكن غير متوقعة مثل اليمن وأن ما اعتقدت إسرائيل أنها أنهته مما تسميه تفكيك وحدة الجبهات لا يزال قائماً مع احتمال عودة تصعيد الجبهات الأخرى كالجبهة اللبنانية بقيادة حزب الله وفصائل المقاومة العراقية.

إضافة لرسالة ثالثة لكل من الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي مفادها أن اليمن قادر على التصعيد على أكثر من جبهة وضد أكثر من عدو وهو ما يسجل فشلاً استباقياً لما تخطط له إسرائيل ضد اليمن والتي تعمل منذ أسابيع على تحشيد عدد من الدول للتصعيد عسكرياً ضد اليمن لتحقيق التأثير الذي فشلت في تحقيقه إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا.

مستقبل الصراع: إلى أين يتجه اليمن؟

البيان اليمني أكد استمرار العمليات العسكرية ما لم يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة. هذا يعني أن اليمن لن يتراجع عن موقفه، مما يجعل المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة من التصعيد. على الرغم من أن العمليات الأخيرة قد تُعتبر انتصارًا رمزيًا ومعنويًا للمقاومة، إلا أن استمرارها قد يحمل مخاطر جمة، منها ردود فعل عسكرية دولية، إذ قد تواجه القوات المسلحة اليمنية ضربات انتقامية، سواء من الولايات المتحدة أو إسرائيل، ورغم أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد اتجهتا لهذا السلوك بالفعل، إلا أن النتيجة كانت سلبية فكلما صعّد الأعداء ضد اليمن كلما تجرأت الأخيرة على تنفيذ ضربات أقوى واستباقية لدرجة أن الهجمات الأخيرة وخاصة الضربتين الأخيرتين ضد حاملة الطائرات ترومان وقبلها أبراهام لينكولن كانت ضربات استباقية أفشلتا على البحرية الأمريكية تنفيذ هجوم جوي واسع ضد اليمن وقد جربت البحرية الأمريكية في آخر هجوم كيف أن التصعيد ضد اليمن أمر مميت بعد أن استطاعت القوات اليمنية من تكتيك هجومها المضاد والمستعجل ضد حاملة الطائرات ترومان بالصواريخ المجنحة المضادة للسفن والطائرات المسيرة والتي تسببت بإسقاط مقاتلة أمريكية من طراز إف 18 سوبر هورنت في البحر الأحمر، حيث أربك الهجوم اليمني بشكل متعمد الدفاعات الجوية الأمريكية التي بدلاً من استهداف الطائرات المسيّرة اليمنية استهدفت المقاتلات الأمريكية وأسقطت إحداها وكادت أن تسقط الأخرى حسب اعترافات الطيارين الأمريكيين أنفسهم.

رسائل القوة والتحدي

العمليات اليمنية الأخيرة تمثل تحولًا استراتيجيًا مهمًا في مسار الصراع الإقليمي. من خلال استهداف حاملات الطائرات الأمريكية والأهداف الإسرائيلية، تسعى اليمن إلى إرسال رسالة واضحة: نحن هنا، وقادرون على التأثير ولن نسمح لإسرائيل وأمريكا بالاستفراد بالشعب الفلسطيني.

لكن يبقى السؤال: هل تستطيع هذه العمليات تغيير موازين القوى في المنطقة، أم أنها ستؤدي إلى تصعيد أكبر يفاقم التوترات؟ ما هو مؤكد أن اليمن بات لاعبًا لا يمكن تجاهله في المعادلة الإقليمية، وأن تأثيره يتجاوز حدوده الجغرافية ليصل إلى عمق الصراعات الكبرى في المنطقة العربية ومحيطها.

* المساء برس

You might also like