السويداء «تحرج» دمشق.. الإدارة الجديدة أمام «اختبار المرأة»
متابعات..| تقرير*
تاريخياً، لعبت المرأة السورية دوراً مهماً في مختلف المجالات، إلا أن تمثيلها السياسي ظل حبيس التحديات الاجتماعية، والتي فرضتها منظومة ثقافية بدت شديدة التعقيد، على رغم تحلّل الكثير من «عقدها» خلال العقود الماضية، بفعل صيرورة الحياة، والمناخات التي باتت المنطقة عرضة لها. والثابت هو أن دور المرأة كان أكثر فاعلية وحضوراً في المرحلة التي سبقت وصول حزب «البعث» إلى السلطة، على رغم تضخّم دورها بعد ذلك، وصولاً إلى تولّيها منصب نائبة رئيس الجمهورية، والذي شغلته نجاح العطار كأول امرأة عربية تصل إليه، منذ آذار 2006 حتى سقوط النظام في دمشق في كانون الأول الماضي، علماً أن هذا الصعود كان لاعتبارات لها علاقة بتوازنات السلطة، ما جعله «فخرياً» ولا تأثير يذكر له في دوائر صنع القرار. وعلى رغم ما تقدم، فإن من الممكن القول إن نظام «البعث» كان أكثر ميلاً إلى ترك «هوامش» الحرية عند النساء في مداراتها التي تفرضها درجة تطور المجتمع.
على أن التصريحات التي أدلى بها المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسية التابعة لـ»إدارة العمليات العسكرية»، عبيدة أرناؤوط، بعد عشرة أيام من سيطرة الأخيرة على مقاليد السلطة في دمشق، أثارت الكثير من الهواجس في ما يتعلّق بنيات القيادة الجديدة حول ملف الحريات، وعلى رأسه حرية المرأة، بعدما قال إن «كينونة المرأة وطبيعتها البيولوجية والنفسية لا تتناسب مع وظائف كوزارة الدفاع مثلاً». ورأى كثيرون أن تلك التصريحات قد تشكّل «نذيراً بإمكان حدوث انزلاقات أخرى باتت مرجحة»، وفقاً لتوصيف استخدمه أحد الناشطين، فيما رأى آخرون أن كلام أرناؤوط يمثّل «رأس جبل الجليد لاستنساخ تجربة حركة طالبان في أفغانستان». ومن المؤكد أن ثمة شرائح مجتمعية وازنة عابرة للطوائف، كانت قد نظرت إلى مواقف المتحدث باسم الإدارة السياسية على أنها «فأل غير حسن»، في سياق سعي المجتمع السوري لتحقيق المزيد من الحريات التي خرج لأجلها قبل نحو 14 عاماً. وعلى رغم أن الإدارة السياسية مضت، بعد يومين من حديث الناطق باسمها، نحو تعيين عائشة الدبس في منصب رئيس «مكتب العناية بشؤون المرأة»، إلا أن الكثيرين يرون أن الدبس لن تستطيع الخروج عن « القوالب» التي برزت ملامحها في تصريحات أرناؤوط، وحتى في تصريحات الدبس نفسها.
هل تستطيع الإدارة الجديدة التكيّف مع مطالب المحيطَين الأقرب والأبعد؟
وفي السياق عينه، ذكرت شبكة «السويداء 24» المحلية، في تقرير في 25 كانون الأول الماضي، أن مديرية الرقابة والتفتيش في المحافظة رشّحت محسنة المحيثاوي لتولي منصب المحافظ. وأضافت أن الترشيح يلقى تأييداً من الفاعليات السياسية والدينية في المحافظة على حد سواء. واللافت في التقرير ذكره أن هذا الأمر جرت مناقشته في الاجتماع الذي ضم مبعوث «الإدارة الانتقالية» للمنطقة الجنوبية إلى الشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل للطائفة الدرزية، في 18 كانون الأول، في إطار مناقشة العديد من الأفكار الأخرى، ومن بينها التشاركية، وتعيين محافظ وقائد شرطة من أبناء المحافظة تكريساً لمبدأ اللامركزية الإدارية، قبل أن يختم التقرير بالقول إن «ترشيح المحيثاوي، والذي حظي بمباركة الشيخ الهجري، استند إلى معايير متعددة؛ أبرزها: النزاهة، وعدم التورط في قضايا فساد خلال مرحلة النظام السابق».
وتكتسب الخطوة التي مضت إليها السويداء رمزية بالغة الدلالة نتيجة لاعتبارات عدة، منها الحساسية التي تتمتّع بها المحافظة بفعل موقعها وملفاتها الشائكة، وكذلك بفعل خصوصيتها الطائفية الناجمة عن كونها ذات غالبية درزية، بكل ما يتيحه مذهبها من حريات، بما فيها تلك التي تطاول المرأة ودورها في المجتمع. ولربما يمكن فهم هذه الخطوة في أحد سياقين، الأول أن تكون «بالون اختبار» أُريد منه جسّ نبض المرونة التي تتمتّع بها الإدارة الجديدة ومدى قدرتها على التكيّف مع مطالب المحيطَين الأقرب والأبعد، وهو ما تناهى بالتأكيد إلى آذانها عبر الوفود التي زارت دمشق في غضون الأسبوعين الفائتين؛ والثاني أن تكون رمياً لـ»قفاز التحدي» في وجه الإدارة الجديدة كنوع من التأكيد أن تهميش الخصوصية هو فعل من شأنه أن يضعها أمام تحديات كبرى؛ أقلّها الصدام مع «المكونات»، ويفرض على مشروع توحيد البلاد، والذي رفعت الإدارة الجديدة رايته بقوة، الدخول في تلاوين عدة من نوع الذهاب إلى «اللامركزية» بمفهومها السياسي المطّاط، بعيداً عن صيغتها «الإدارية» التي لا تزال هي المعتمدة عند القيّمين على حراك السويداء البادئ منذ آب 2023.
بشكل ما، يمكن القول إن ترشيح المحيثاوي يمثّل، قياساً إلى الاستقطابات التي أحدثها من حوله، خطوة مفصلية، وتحدياً كبيراً أمام توجّهات الإدارة السياسية الجديدة، وخصوصاً في ظل ما صدر عن هذه الأخيرة في هذا السياق. ولربما ينتج الأمر، إذا لم تجر معالجته وفق ضوابط تأخذ بعين الاعتبار معايير من نوع الخصوصية والتجارب السابقة، استعصاء يمكن أن يثير نظائر عدة له في مناطق أخرى تتشابه في معاييرها مع السويداء.
ويقول نيكولاس فان دام، المبعوث الهولندي السابق إلى سوريا ومؤلف كتاب «الصراع على السلطة في سوريا»، في حديث أجرته معه مجلة إيطالية ما بعد سقوط النظام في دمشق إن «أبو محمد الجولاني خضع لتحوّل كبير من مقاتل متطرف في تنظيم القاعدة إلى إسلامي أكثر اعتدالاً وبراغماتية، متسامح تجاه الأقليات مثل المسيحيين والدروز والإسماعيليين والعلويين». ويستدرك بأن «هذا الكلام بحاجة إلى ترجمة على الأرص تتعدّى البعد الأمني، لتصل إلى أفعال وبرامج تطمح إلى النجاح في صهر قوى المجتمع السوري، ضماناً لوحدة سوريا واستقرارها ونهوضها من جديد».
* الأخبار البيروتية