كل ما يجري من حولك

قلق أمريكي واسع من التداعيات المستقبلية لتعيينات ’’ترامب’’ وعلاقتها بتدمير مؤسسات الدولة

40

متابعات /

الكثير من النخب السياسية والأكاديمية والإعلامية بواشنطن يعبرون عن تخوفهم وقلقهم، من التداعيات المستقبلية لتعينات ترامب في إدارته القادمة تقول القصة إن أحد الأباطرة الرومان الذين حكموا الإمبراطورية الرومانية في الفترة من  37 إلى 41 ميلادي، ويدعى كاليغولا، سمّى حصانه المفضل ليكون عضواً في مجلس الشيوخ الروماني، كطريقة لإظهار هيمنته على البرلمان من جهة، وعدم احترامه الكامل لهذه المؤسسة التشريعية، من جهة أخرى.

 

وفي أيامنا الحالية، إذا دققنا في اختيارات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وأسماء أعضاء فريق إدارته، خصوصاً الأمنيين منهم، نجد أن هدف هذين الزعيمين، هو الولاء الشخصي المطلق لهما، بالدرجة الأولى.

تبعاً لذلك، عبّر الكثير من النخب السياسية والأكاديمية والإعلامية في واشنطن عن تخوفهم وقلقهم، من التداعيات المستقبلية لتعيينات كل من: بيت هيغسيث وزيراً للدفاع، وليندا مكماهون، الآتية من عالم المصارعة، وزيرة للتعليم، لتكتمل حفلة الجنون التي بدأها ترامب منذ بداية تشكيل حكومته. فهذان الشخصان يُعدّان غير مؤهلين لإدارة أهم المناصب الحكومية في البلاد، حتى بشهادة زملائهما الجمهوريين. ويعود ذلك إما إلى ماضيهما الحافل بالفضائح غير الأخلاقية، أو بسبب خلفياتهما المتطرفة وخطورة برامجهما للحكم، التي قد تدخل البلاد في فوضى وأزمات متتالية، وربما تصل إلى حد تدمير الأمن القومي الأميركي، بحسب المراقبين.

اللافت أن رفض ترشيحات ترامب شمل أيضاً تعيين تولسي جابارد مديرة للاستخبارات الوطنية (CIA). وقد اتخذت الحملة عليها مسارين: الأول ركز على اتهامها بالترويج للدعاية السياسية للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والسوري السابق بشار الأسد، والثاني تمثّل بالحكم على عدم أهليتها لهذا المنصب.

نقمة وزير الدفاع على الجيش
في الواقع، يرى الكثير من الخبراء والساسة الأميركيين أن ترامب يحضّر لهجوم خطير على قيادة الجيش ومجتمع الاستخبارات، من خلال تشكيل حكومة حربية تضم شخصيات كهيغسيث، الذي يُعتقد أنه سيتسبب بالقضاء على رئاسة ترامب أكثر مما قد يفعله الديمقراطيون.

وبناءً على ذلك، قضّت خطوة وضع هيغسيث على رأس البنتاغون مضاجع جنرالاته الذين يعدّونه مصدر خطر داهم على الجيش الأميركي. فهو لطالما انتقد طوال مسيرته المهنية على قناة “فوكس نيوز” القادة العسكريين الكبار الذين سيشرف عليهم كوزير للدفاع، ودوّن ذلك في كتابه الأخير بعنوان “الحرب على المحاربين”، إذ كتب: “استولى اليسار بسرعة على الجيش، وعلينا أن نستعيده بوتيرة أسرع. يجب أن نشن هجوماً مباشراً”. وإذ يصف ما يعدّه ثقافة الجيش الحالية بنداء تعبئة خيالي، قال: “لن نقف حتى تدير كل شيء إناث سود مثليات ومتحوّلات.. هذا هراء جنوني”.

والأسوأ بالنسبة إلى قيادة الجيش، أن هيغسيث سيتمتع بالسلطة المطلقة لإقالة أي ضابط جنرال لا يستوفي معايير ترامب السياسية. ولذلك، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” (اليمينية) أن فريقه الانتقالي يقوم بالفعل بصياغة أمر تنفيذي لتشكيل “مجلس محاربين” للتوصية بإقالة الجنرالات والأدميرالات.

بموازاة ذلك، كشف السيناتور جاك ريد (الديمقراطي من رود آيلاند)، ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، عن خطط ترامب لتطهير الجيش من كبار الضباط، واصفاً إياها بـ”المخطط الخطير والمضلل للغاية”.

من هنا، يشير ترشيح هيغسيث إلى معركة مقبلة ستندلع حول القضايا الاجتماعية والشخصية داخل القوات المسلحة، التي كانت تاريخياً واحدة من أكثر المؤسسات تنوّعاً في أميركا.

وهو عندما سُئل في مقابلة مع برنامج “شون رايان شو”، نُشرت الأسبوع الماضي، عما سيفعله، استخدم هيغسيث لهجة غير محببة لكبار مسؤولي البنتاغون. إذ قال: “أولاً، يجب أن تقوم بإقالة رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز كيو. براون جونيور”. وأضاف: “أي جنرال، أي أميرال، أي شخص كان متورطاً في برامج التنوع والمساواة والشمول أو في ما يسمى بالاستيقاظ يجب أن يرحل”.

إلى جانب ذلك، يحفل تاريخ هيغسيث – الذي خدم كجندي مشاة في الجيش في العراق وأفغانستان، وكعضو في الحرس الوطني في مينيسوتا – بالدفاع عن المجرمين والقتلة. فقد لعب دوراً في الأحداث التي تضمنت تحدي ترامب للأعراف العسكرية خلال فترة ولايته الأولى في عام 2016، بعدما تمكن هيغسيث من إقناع الرئيس آنذاك، بالتدخل لصالح العفو عن جرائم حرب ارتكبها ثلاثة من أفراد الخدمة الأميركية في أفغانستان عام 2019. وأحدهم، يدعى ماثيو إل. جولستين، أُدين بقتل مسؤول أعزل من حركة طالبان وحرق جثته (بعد التقاط صور بجانبها) لإخفاء أدلة تدينه بالقتل.

على المقلب الآخر، يواجه هيغسيث تهمة الاعتداء الجنسي على امرأة أكدت وقوع الحادثة في فندق في “مونتيري” بولاية كاليفورنيا، بعد مؤتمر اتحاد كاليفورنيا للنساء الجمهوريات في مونتيري، وفقاً لادعاء قدمته الضحية للشرطة في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2017. ومع ذلك، أوضح مدير اتصالات ترامب مؤخراً، ستيفن تشيونغ، في بيان، أن “ترامب يقف إلى جانب هيغسيث”.

علاقة سوريا وأوكرانيا بالحملة على تعيين مديرة الـCIA
بالمثل، لم تسلم تولسي غابارد، المرشحة لرئاسة الـCIA، من غضب مديري الاستخبارات السابقين وحتى الحاليين، الذين رفعوا البطاقة الحمراء بوجهها، ليس بسبب افتقارها إلى الخبرة الكافية لمراجعة ميزانيات وأولويات هذا المجتمع السري الكبير جداً كما يتذرعون، بل بسبب انتقاداتها السابقة للسياسات الخارجية التقليدية والعدائية للحكومة الأميركية تجاه سوريا وروسيا (ومن غير المعروف إذا كانت ستبقى على مواقفها تلك مستقبلاً).

فغابارد كانت زارت الرئيس السوري السابق بشار الأسد في عام 2017، وجاهرت بتشكيكها في الأدلة المزعومة باستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. زد على ذلك، أنها تطرقت إلى “حقيقة لا يمكن إنكارها” هي أن أميركا موّلت مختبرات الأسلحة البيولوجية في أوكرانيا، الأمر الذي وُصف حينها بأنه دعاية للكرملين. كما قالت لقناة MSNBC في شباط/فبراير 2019، إن القوات الأميركية تم نشرها “من دون فهم المهمة أو الهدف الواضح”. وذهبت غابارد إلى حد اتهام الولايات المتحدة بتمويل تنظيم “داعش” في سوريا. وأشارت إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها مسؤولون عن استفزاز روسيا.

وما فاقم نزعة كره المشرعين في الكونغرس الموالين لـ “إسرائيل” لغابارد، أنه عندما سُئلت عما إذا كان الأسد عدواً، قالت إنه “ليس عدواً للولايات المتحدة؛ لأن سوريا لا تشكل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة”، وهذا كان قبل سقوط نظام الأسد في سوريا.

المفارقة، أن جاذبية غابارد لدى ترامب، تنطلق من أنها تشاطره وجهة نظره بأن الولايات المتحدة تخوض حروباً كثيرة للغاية. فخلال محاولتها غير الناجحة للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في عام 2020، نددت بـ”عقيدة السياسة الخارجية المستمرة لبوش وكلينتون المتمثلة في حروب تغيير الأنظمة، والإطاحة بالديكتاتوريين في البلدان الأخرى، و”إرسال إخوتي وأخواتي الذين يرتدون الزي العسكري من دون داعٍ إلى طريق الأذى للقتال في البلاد”.

الأكثر أهمية عند ترامب أيضاً، أنها ستشرف على الإصلاح المحتمل لجهاز الـCIA، لا سيما أن الرئيس المنتخب جاهر علناً بأنه يريد إعادة إصلاح أجهزة المخابرات في البلاد، وهو قطاع من الحكومة الفيدرالية كان ينظر إليه منذ فترة طويلة بعين الريبة وعدم الثقة. فترامب ألقى باللوم على وكالات المخابرات الأميركية في السعي لتقويض إدارته الأولى، وكذلك حملاته الانتخابية.

وكان الرئيس المنتخب قد وصف مجتمع الاستخبارات بأنه جزء من “الدولة العميقة”، وهو المصطلح الذي يطلقه على الآلاف من موظفي الخدمة المدنية الذين يعملون في قائمة طويلة من الوكالات الحكومية، الذين يعدهم ترامب غير مخلصين بما فيه الكفاية.

فضائح ليندا مكماهون
شغلت ليندا مكماهون منصب الرئيسة التنفيذية لشركة “وورلد ريسلينغ إنترتينمنت” (WWE) من عام 1997 إلى عام 2009، ورئيساً من عام 1993 حتى عام 2000، بينما ترأس زوجها فينس مجلس الإدارة، وفقاً لسجلات الشركة.

أما حياتها فلم تقل صخباً عن “بزنس” المصارعة الذي امتهنته. ففي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انضمت إلى العرض التلفزيوني الأسبوعي المباشر Raw، الذي كانت تنظمه شركة WWE في راسلمينيا، حيث أخبرت خلاله الجمهور روايات جامحة عن عائلتها. كما تبادلت الفضائح المكتوبة مع ابنتها البالغة. وفي إحدى الحلقات الحية بشكل خاص، تظاهرت بأنها تحت تأثير المخدرات وفي كرسي متحرك، بينما كان زوجها، المؤسس المشارك لـ WWE، فينس مكماهون، يقوم بعلاقة علنية، لتنتهي القصة بركلها له، وسط هتافات عشرات الآلاف من الجماهير.

عائلة مكماهون أيضاً منغمسة من رأسها إلى أخمص قدميها بالفضائح؛ فينس زوج ليندا، يواجه تحقيقاً فدرالياً مستمراً من قبل المنطقة الجنوبية لنيويورك بشأن اتهامات بأنه استغل منصبه كرئيس لـ WWE لارتكاب وإخفاء اعتداءات جنسية واتجار بالبشر، (وفقاً لشخص مطلع على القضية تحدث لصحيفة واشنطن بوست، بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة تحقيق يتعلق بإنفاذ القانون).

كما تواجه ليندا وفينس دعوى مدنية منفصلة قُدمت في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، من قبل 5 مدّعين مجهولين كانوا يعملون سابقاً بموجب عقود كـ “أولاد الحلبة”، وهم مراهقون كانوا يساعدون في تجهيز فعاليات WWE. وتبعاً لذلك، يزعم المدعون، أن عائلة مكماهون كانت على علم بتعرضهم للاعتداء الجنسي من قبل موظفين كبار آخرين في WWE، لكنها لم تفعل ما يكفي لحمايتهم.

تعمل ليندا مكماهون بلا كلل لتنفيذ أجندة ترامب، وتساعد في فحص نحو 4 آلاف من المعينين السياسيين، الذين، بموجب خطة الرئيس المنتخب لتقليص الخدمة المدنية، سيقودون قوة عاملة معاد هيكلتها بشكل جذري تضم أكثر من 2 مليون شخص، الكثير منهم قد يتم فصلهم حسب الإرادة.

في المحصّلة، صوّت عشرات الملايين من الأميركيين لصالح ترامب لأنهم سئموا التضخم والهجرة غير الشرعية، لكن ما لم يحسبوا له أي حساب، أنهم أعطوه كرة تدميرية لهدم الأجهزة العسكرية والاستخبارية في البلاد.

You might also like