الغزّيون في زمن الحرب لا يستسلمون لليأس
متابعات..| تقرير*:
في متنزّه البلدية في مدينة غزة، يتجوّل عروسان على استحياء، بعدما استعاضت العروس عن فستان الزفاف بثوب التراث الفلسطيني الأبيض اللون، واستبدل العريس البدلة الرسمية بقميص أبيض وبنطال أسود، ليلتقطا صوراً تذكارية لنبتة الحياة في بقعة خيّم عليها الموت. تقول العروس هدى عامر (25 عاماً) إن زواجهما كان بمثابة تحدٍّ للظروف الراهنة «بعدما فقدنا عش الزوجية الذي أسّسناه مع بعضنا واخترنا أثاثه ووضعنا لمساتنا الأخيرة في زواياه قبل أن تقدم صواريخ الاحتلال على تدميره بالكامل». وتضيف في حديثها إلى «الأخبار»: «انتظرنا عاماً كاملاً كي نتوّج حبنا بزفاف كبير كنا خطّطنا له قبل السابع من تشرين الأول 2023، إلا أن استمرار الحرب دفعنا إلى إقامة حفل زفاف متواضع حرصاً على مشاعر من أَلمّ به الحزن من حولنا، بعد رحلة الخطوبة التي تبادلنا خلالها هدايا بسيطة ومحادثات طويلة ولقاءات متقطعة في أماكن النزوح أو على أنقاض الركام».
أما العروس أسماء حسان (20 عاماً)، التي تزوّجت قبل شهر، فتقول، في حديثها إلى «الأخبار»، إن زواجها في الحرب كان «بمثابة رسالة ثبات وقوة في وجه عدو يسعى للقضاء على كل ما يمنحك الحياة»، لافتة في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أنها أقامت وزوجها «حفل زفاف جميلاً في ساحة مركز الإيواء الذي نزحنا إليه، من حي الشعف شرق مدينة غزة، إثر تهديدات الاحتلال». وتضيف: «وجدت في زوجي العوض والسند والجبر بعد الكسر الذي أصابني باستشهاد والدي وأخويَّ، وتعاهدنا أن نبقى مع بعضنا مهما واجهنا من أحداث»، لافتةً إلى أنها لم تحضر سوى «ما هو ضروري من ملابس كجهاز عروس، فنحن مشاريع موت ولا نضمن لأنفسنا الحياة».
من جهته، يقول رامي المغني (30 عاماً) إنه كان يستعد للزواج قبل استهداف الاحتلال لمنزل عائلته وتدمير شقته التي «دفعت دم قلبي وأنا أجهّزها». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «نتيجة استمرار الحرب لأشهر طويلة قرّر البحث عمّن تشاركه وتخفّف عنه مصاعب الحياة، والتي وقع حبها في قلبه وهي تحضر جلسة لوالدته وتتلو ما حفظته من كتاب الله». ويصف الرجل فترة الخطوبة التي لم تتعدَّ الشهر الواحد بالفريدة، فلا رفاهية ولا هدايا «بل كنت أزورها في مركز الإيواء، وأحمل إما هدايا مالية أضعها في يدها أو عينية، من مثل: معلبات اللحم والتونا، وطرد غذائي، وعلبة فواكه، أو طبق حلويات»، متابعاً أن «حبهما لبعضهما هو مصدر الأمان لهما رغم الخوف والرعب من الصواريخ والقذائف التي تحيط بهما».
وتبرّر صفا الداية (22 عاماً) قبول عقد القران في ظل الحرب، بالقول إنه يجب أن «تبصر غزة النور وسط هذا الظلام، ونجعلها تحاول الابتسام، ليموت العدو من قهره حين يرى عنادنا ونحن نحاول أن نقتطع الفرحة اقتطاعاً من أنياب الحزن، فما عهدنا على غزة سوى أنها مدينة الحب والحرب». وحول الأمر نفسه، يعتبر الشاب بهاء الجرجاوي (28 عاماً)، الذي تزوّج حديثاً، «أن زواجنا في هذه الظروف يمثّل الأمل لاسترجاع الحياة الطبيعية، والعمل من أجل البقاء».
وتشير إحصائية لإدارة الأحوال المدنية في مدينة غزة إلى أن عدد من عقدوا زواجهم خلال الأشهر العشرة الماضية يزيد عن 2500 شخص في مدينة غزة وشمالها. وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع، وليد شبير، أن زواج الشباب في ظل استمرار الحرب فيه «تعويض للشهداء والأسر التي مُسحت من السجلّ المدني، من خلال تكوين أسر جديدة وإنجاب أطفال جدد»، في حين تفسر الاختصاصية النفسية والاجتماعية، صابرين الشاعر، في حديثها إلى «الأخبار»، ظاهرة الزواج في ظل الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة، بأسباب متعددة، منها: طول المدة الزمنية للحرب والتي فرضت على من سبق وعقد قرانه أن يقدم على الزواج، وإقدام العديد من الشبان الخاطبين على السفر إلى الخارج، ما اضطرهم إلى إتمام فرحهم قبل المغادرة، فضلاً عن ظاهرة المخيمات الفلسطينية التي أدّت إلى الانفتاح الاجتماعي والنفسي والأخلاقي في ظل انعدام الخصوصية. وتضيف أن «تكاليف الزواج أقل منها في الوضع الطبيعي، ونظرة البعض المستقبلية دفعتهم كذلك إلى تكوين عائلة من أجل الحصول على شقة أثناء الإعمار».
وترى أن «الاحتفال بالزفاف رغم ما يحيط العروسين من آلام، فيه تحدٍّ وقوة»، مضيفة أن الشعب الفلسطيني شعب يحب الحياة ويقدّسها «ورغم الألم والجراح، خرجت من المخيمات أفراح بهيئتها الطبيعية، بعدما تأقلم الشعب مع الحروب وأصبح يعيش في أسوأ الظروف وبأقل الإمكانات».
—-
إنسرت:
فاق عدد المتزوجين في غزة وشمالها، خلال الأشهر العشرة الماضية، الـ2500 شخص
* الأخبار البيروتية