الجزائر بوجه التحوّل السوري: تكيُّفٌ لا يحجِبُ الهواجس
متابعات..| تقرير*
حظي بيان «إدارة الشؤون السياسية» التابعة لـ«حكومة تصريف الأعمال» السورية المؤقّتة، والتي تمّ تشكيلها بناءً على أوامر أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، والذي توجّهت فيه بالشكر إلى الحكومة الجزائرية على استمرار عمل بعثة الأخيرة الدبلوماسية في دمشق، باهتمام لافت في الجزائر، إذ تداولت صحف ومواقع إلكترونية محلية بيان «الإدارة» على نحو واسع، كونه البيان الأول الصادر عن تلك «الحكومة» تجاه السلطات الجزائرية، مع ما حمله من رسائل طمأنة للجزائر بتأمين الحماية لمصالحها القنصلية والدبلوماسية من أي محاولة لاستهدافها، على غرار ما وقع لسفارات دول أخرى.
على أن الحكومة الجزائرية كانت قد أظهرت، حتى قبيل صدور ذلك البيان – رغم عدم اعترافها الرسمي بالوضع الجديد -، توجّهاً للتكيّف مع المتغيّرات السورية «المفاجئة»، في ما بدا محاولةً لتدارك الأخطاء التي وقعت فيها في إدارة الملف الليبي، إذ أبدت «تسامحاً» مع نشاطات احتفالية نظّمها أفراد في الجالية السورية على أراضيها غداة سقوط نظام بشار الأسد، علماً أنها كانت أعلنت، في الثالث من كانون الأول الجاري، دعمها لحكومة النظام السابق في مواجهة «التهديدات الإرهابية». كما سمحت برفع العلم القديم لسوريا (ذي النجمات الثلاث)، أمس، على مبنى السفارة السورية في الجزائر، في احتفالية شارك فيها المئات من أبناء الجالية السورية.
وبعد خمسة أيام على سقوط النظام، أصدرت الحكومة الجزائرية بياناً اعترفت فيه ضمنياً بالحكومة الجديدة، داعيةً الأطراف السورية إلى «الوحدة والسلم والعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه»، وحثّت على الحوار بين أبناء الشعب السوري بكلّ أطيافه ومكوّناته، وتغليب المصالح العليا للبلاد، والحفاظ على أملاكها ومقدّراتها، و«التوجه إلى المستقبل لبناء وطن يسع الجميع في ظل مؤسسات نابعة من إرادة الشعب السوري بعيداً عن التدخلات الأجنبية». وفي بيان لاحق، عبّرت الجزائر عن إدانتها الشديدة لانتهاك جيش الاحتلال الإسرائيلي لسيادة سوريا والاعتداء على أراضيها، بعد استيلائه على المنطقة العازلة في الجولان المحتل وإعلانه إلغاء «اتفاق فضّ الاشتباك» الموقّع عام 1974. واعتبرت أن هذا العدوان يأتي «في سياق استغلال الاحتلال للوضع الراهن في سوريا وحالة عدم الاستقرار الإقليمي، لتكريس سياسة الأمر الواقع بما يخدم مخططاته التوسعية والاستيطانية»، مؤكّدة رفضها «القاطع للاعتداءات المتكررة على المنشآت والمؤسسات السورية، والتي شهدت تصعيداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة». كما جدّدت موقفها «الثابت الداعم لوحدة سوريا وسلامة أراضيها وحقها المشروع في استرجاع الجولان المحتل، وفق القوانين والمواثيق الدولية». أيضاً، شكّل الوضع في سوريا محورَ الاتصال الذي جرى، أولَ أمس، بين وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، ووزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء الأردني، أيمن الصفدي. وقالت الإذاعة الجزائرية إن الطرفين «تبادلا وجهات النظر حول تطورات الأوضاع في سوريا الشقيقة، ولا سيما سبل وآفاق العمل من أجل مساندة الأشقاء السوريين في لمّ الشمل والحفاظ على وحدة بلدهم وسلامة أراضيه»، فضلاً عن «وضع حد لاعتداءات الكيان الصهيوني الانتهازية السافرة على سيادته». وفي خضمّ ذلك، تعتري حالة أرق سياسي الأوساط الجزائرية حيال ما قد يحمله مستقبل علاقات البلاد مع سوريا، وسط رهان الحكومة على كل من قطر وتركيا، في الوقت الراهن، لفتح قنوات اتصال مع السلطات الجديدة هناك. كما ثمّة توجّس من خطر عودة مئات الجزائريين الذين التحقوا خلال الأعوام السابقة بصفوف تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة»، ولاحقاً «هيئة تحرير الشام»، إلى بلادهم، بشكل يعيد إلى الأذهان عودة الجزائريين (الأفغان العرب) من أفغانستان إلى الجزائر، حيث شكّلوا نواة جماعات إرهابية مطلع التسعينيات.
ومما يضاعف حالة القلق تلك، أن التحول الجديد في سوريا يأتي في مرحلة تواجه فيها السلطة الجزائرية، برئاسة عبد المجيد تبون، تراجعاً في الحضور الإقليمي والدولي، وتوترات متزايدة مع المغرب، وتصدّعات متوالية في علاقاتها مع فرنسا. كما يأتي في ظل الغموض الشديد الذي يلفّ مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة في ظل عودة دونالد ترامب إلى الحكم، وتسلّم ماركو روبيو، منصب وزير الخارجية، علماً أن الأخير كان قد جاهر بعدائه للجزائر خلال عضويته في مجلس الشيوخ الأميركي، مطالباً بفرض عقوبات عليها بذريعة التعاون الدفاعي مع روسيا، وممارسة مضايقات على أتباع الإنجيليين الجدد والأقليات الدينية في البلاد.
* الأخبار البيروتية