كل ما يجري من حولك

أسبابُ التحول الكبير في سوريا.. ماذا حصل وكيف؟

41

متابعات..| تقرير*

في حدث استثنائي تاريخي سقط النظام السوري وغادر الرئيس السابق بشار الأسد السلطة في سوريا بعد حكم استمر 25 عاماً، حدث سيترك تأثيره على سوريا والمنطقة للسنوات والعقود القادمة، فما هي هذه التأثيرات؟ وما هي الأسباب؟ وكيف حصلت عملية السقوط؟ ما هو الدور التركي والإسرائيلي والأميركي؟ وما هو موقف إيران وحزب الله؟ ومن الذي سيحكم سوريا؟ وأسئلة أخرى كثيرة يطرحها الناس نجيب عن بعضها في هذا المقال.

عدوان ثلاثي على دمشق.. سوريا نحو التقسيم!

أهمية سوريا الاستراتيجية، وموقعها الجيوبوليتيكي، وموقفها السياسي في الصراع العربي الإسرائيلي لا سيما دعمها ومساندتها للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية جعل منها هدفاً دسماً للإسرائيليين وللأميركيين لسنوات، فبعد العدوان على غزة ولبنان، واستكمالاً لمشروع تفكيك المنطقة وتقسيمها وإضعافها خدمة لإسرائيل بدأ الثلاثي الأميركي الإسرائيلي التركي مخطط إسقاط الدولة السورية بدعم ومساندة الجماعات المسلحة لا سيما هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، مستغلة اللحظة وانشغال محور المقاومة في مواجهة عسكرية غير مسبوقة مع الكيان المؤقت في عدة جبهات، الأمر الذي صارح فيه وزير الخارجية التركي نظيره الإيراني في الدوحة وقال له ” نحن استفدنا من الفرصة”.

المشروع الأميركي يقضي بتفتيت المنطقة وتعميم السيناريو الليبي، وأن تصبح سوريا 3 كيانات سنية وعلوية وكردية، ذلك أيضا بهدف معاقبة الدولة والرئيس السابق بشار الأسد بسبب رفضه فك الارتباط مع المقاومة، وقطع طرق الإمداد الى لبنان، الأمر الذي كشف عنه نتنياهو في نفس اليوم الذي بدأ فيه سريان وقف اطلاق النار بين لبنان و”إسرائيل”، وقال “إن على الأسد ان يدفع الثمن”، فبعد أن أنهت “إسرائيل” عدوانها في الجنوب بدأت عدوانها في حلقته الثالثة في الشمال، وأرسل جيش الاحتلال قوات إضافية من لوائي غولاني ونحال الى الجولان بذريعة منع خطر الجماعات المسلحة. لكن بدأ بالدخول الى عمق 14 كلم في الأراضي السورية وفق القناة 12 العبرية، وهو يواصل عدوانه بهدف إنشاء حزام أمني ومنطقة عازلة من جهة القنيطرة وجبل الشيخ وصولاً الى ريف دمشق، ويفصله عن العاصمة 20 كلم فقط.

طبيعة العلاقة بين الجماعات المسلحة وتركيا؟

اندفاعة الجماعات المسلحة الموالية لتركيا بسرعة كبيرة نحو حلب وحماة والمحافظات السورية وصولاً الى دمشق دون قتال من قبل الجيش السوري حفظاً لدماء السوريين كما قال وزير الدفاع السوري علي محمود عباس، تعود أهم أسبابه الى الخناق والحصار الاقتصادي الأميركي على سوريا حكومة وشعباً وجيشاً من خلال قانون قيصر، حتى بات الشعب السوري بكافة أطيافه يعاني ضائقة اقتصادية غير مسبوقة، فيما مناطق الجماعات المسلحة الموالية لتركيا في إدلب كانت تعيش ظروفاً أفضل بكثير بفضل التمويل والدعم التركي وعدم وجود حصار عليهم. ( راتب الجندي السوري 30 دولار  والضابط 70 دولار فيما المقاتل في هيئة تحرير الشام يتقاضى راتباً شهرياً 400 دولار ).

أهم الفصائل السورية المسلحة المشاركة في الحراك وينضوي تحتها عشرات المجموعات كان “الجيش السوري الحر” و”هيئة تحرير الشام” التي تلقت التدريب والتسليح والتمويل من قبل جهاز الاستخبارات التركي، وهو الذي يشرف على إدارة هجوم هذه الجماعات التي أعلنت ان هدفها دمشق وموعدها في ساحة الأمويين. ما دفع إلى وصف المراقبين ما حدث بأنه احتلال تركي لدولة عربية هي سوريا، الأمر الذي ينظر اليه العرب بقلق وسيدفع نحو موقف عربي وخليجي رافض لاحتلال سوريا، ولهذا الواقع الجديد.

وكان اجتماع الدوحة الذي ضم تركيا وإيران وروسيا والعراق والسعودية ومصر والأردن وقطر على مستوى وزراء الخارجية شدد على وقف العمليات العسكرية تمهيداً لإطلاق عملية سياسية جامعة، تقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية ويراقب كل من تركيا وإيران وروسيا عملية وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الأجنبية من البلاد حتى نهاية العام 2025. ما أوحى للجميع أن تسوية ما حصلت لتأمين عملية انتقال سلمي للسلطة في سوريا.
أطماع تركية في سوريا

ومن خلال قراءة للمشهد السوري والإقليمي يتضح ان التركي لم يخف أطماعه التاريخية في سوريا (حلب وحماة ودمشق) وهو اليوم أداة عند الأميركي لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحدث عنه نتنياهو، ونحن نخوض اليوم حلقة جديدة من حلقاته بعد الحرب على غزة ولبنان، وقد دخلنا في مرحلة جديدة ليست سوريا الوحيدة التي تغيرت، بل المشهد السياسي في المنطقة والإقليم قد يتغير.

ويمكن اختصار الدور التركي في إسقاط النظام السوري تحت العناوين التالية:

– تركيا كعضو في الناتو لعبت الدور الأساسي في دعم الجماعات المسلحة السورية تسليحاً وتدريباً وتمويلا.

– كان لتركيا دور في نقل الأسلحة الإسرائيلية إلى الجماعات المسلحة في المنطقة.

– العلاقات بين تركيا و”إسرائيل” والتعاون بينهما لا سيما منذ عملية طوفان الأقصى، وما ظهر من حجم التخادم والتنسيق بينهما في الساحة السورية.

– تركيا لم تستطع ان تخفي حقيقة أهدافها وأطماعها التاريخية في سوريا ظهر ذلك من خلال تصريحات بعض الشخصيات السياسية التركية ووسائل إعلامها بأن حلب وحماة وصولاً الى دمشق هي جزء من تركيا والامبراطورية العثمانية وننوي استعادتها. وهذا ما كشفته أيضاً قناة TRT التركية الرسمية بأن “حلب وحماة ودرعا و ستعود الى صاحبها الأصلي (التركي) وبعدها سنذهب الى كوريدور زنكزور” الواقع على الحدود مع إيران.

دور إيران في سوريا

بعد اندلاع الحراك السوري عام 2011 وتحوله الى معارضة مسلحة ثم تنامي الجماعات التكفيرية كتنظيم داعش وجبهة النصرة المصنفتين كتنظيمات ارهابية دخلت إيران الى سوريا بطلب رسمي من الدولة والحكومة السورية، وأرسلت مستشارين عسكريين من حرس الثورة الإسلامية، وساهمت في استعادة أغلب الأراضي السورية التي احتلتها هذه التنظيمات بمساعدة قوات من دول المحور، وذلك دعماً لسوريا المقاومة التي تعتبر جزءاً أساسياً وركناً من أركان المقاومة، كما بدأت ايران الى جانب روسيا مسار أستانة للمصالحة بين تركيا وسوريا، وشاركت بنحو 22 جلسة أفضت الى تفاهمات واتفاقات، لكن لم يتم تنفيذها من الطرفين دمشق وإسطنبول رغم ضغوط طهران وموسكو على دمشق للقبول بها. وفي هذه الاثناء بذلت الجمهورية الإسلامية جهوداً واسعة لمساعدة الدولة والشعب السوري في مواجهة الحصار الأميركي وقانون قيصر، وأنفقت في سوريا نحو 18 مليار دولار حسب معلومات دقيقة من مصادر إيرانية مطلعة ومتابعة للملف السوري.

هل تركت طهران الأسد وحيدا؟

أعلنت إيران اليوم أنها ترفض تقسيم سوريا وتفكيكها وهي مع خيار الشعب السوري، وأنها مع ما يريده السوريون، وفق بيان وزارة الخارجية الإيرانية، لكن السؤال عن مدى وقوف ايران مع بشار الأسد او تركه وحيدا كما أشيع، فيمكن القول حسب المعلومات الميدانية ان الدولة والجيش السوري لم يقاتلوا المجموعات المسلحة حقناً لدماء الناس وفق بيان وزير الدفاع السوري، او بسبب ضعف الجيش وحصول خيانات لدى بعض ضباطه وجنوده حسب شهود عيان، كما ان بشار الأسد لم يطلب من طهران إرسال دعم وإسناد عسكري وفق كلام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقابلة له على التلفزيون الإيراني ليلة امس، وذلك لحسابات مرتبطة بعلاقاته المستجدة مع دول عربية وخليجية، ورهانه على وقوفهم معه، وأيضاً رهانه على الجيش السوري الذي تفاجأ الأسد نفسه بانه لا يريد القتال، بل تخلى عن مواقعه وخانه بعض الضباط  والجنود الذين تلقوا اتصالات هاتفية، فتركوا مواقعهم في الجبهات، لهذا لم ترسل طهران قوات قتالية الى سوريا. فهي لا تستطيع ان تقاتل بالنيابة عن أحد لا سيما ان صاحب الدار لا يريد ذلك، بل عملت طهران على المسار الدبلوماسي بقوة من خلال مفاوضات الدوحة لإعادة تركيا وسوريا الى مسار استانة، بهدف الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، والحصول على تفاهمات مع إسطنبول تضمن مصالح معينة تهم سوريا ومستقبلها، والمنطقة، ودولها، وشعوبها.

إيران والجولاني!

وفي السياق، تؤكد المعلومات الخاصة أن إيران كانت فتحت قبل مدة قنوات اتصال مع زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني من بوابة تركيا بهدف فتح كوة في الجدار، وتسهيل الحوار بين الدولة والمعارضة، وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. بل بذلت جهودا مع الدولة السورية والرئيس السابق بشار الأسد لحثه على ضرورة بدء الحوار مع المعارضة، والقيام بالتغيير والإصلاح لكن دون جدوى.

هذا التواصل راهن الإيرانيون على نجاحه على غرار التواصل الذي أنشأته إيران مع حركة طالبان لمدة سنوات، وقامت بمدهم بالسلاح في مواجهة الأميركي حتى توصلت إيران الى اتفاق أمني مكتوب مع حركة طالبان حين عودتها الى السلطة وبعد مراجعة أجرتها الحركة، وقد نجح الإيرانيون بتحويل هذا التهديد الى فرصة، ولم تعد حركة طالبان تشكل تهديداً لإيران.

ويمكن اختصار الدور والجهد الإيراني في سوريا كالآتي:

– إيران وقفت الى جانب سوريا على قاعدة أنها تقف إلى جانب الدول (الصديقة والشقيقة) طالما أرادت وطلبت ذلك.

– التواجد الإيراني في سوريا جاء بناء على طلب رسمي من حكومة دمشق وفي إطار القانون الدولي.

– بذلت إيران كل ما في وسعها لدعم الحكومة والشعب في سوريا على غير صعيد.

  – قدّمت إيران المساعدات الاستشارية والعسكرية لمكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

– ساهمت في إعادة إعمار البنية التحتية الاقتصادية والعسكرية لسوريا وتقديم المساعدات الاقتصادية والانسانية كجزء من جهود إيران لاستعادة الأمن والاستقرار بعد الأزمة.

  – ساهمت إيران بقوة في هزيمة تنظيم داعش وأقرانه من الجماعات الإرهابية، وإرساء الأمن في المناطق المحررة.

– ساعدت الحكومة المركزية السورية في التعامل مع المخططات الانفصالية ومنع تقسيم سوريا.

– تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع سورية للتعامل مع التهديدات الإقليمية المشتركة.

– لقد دعمت إيران دائمًا الحكومات الشرعية في المنطقة ضد التدخلات الأجنبية لا سيما التدخل الأميركي والإسرائيلي والتركي في سوريا والمنطقة.

– اعتبرت إيران أن سوريا هي خط المقاومة الأمامي ضد الكيان الإسرائيلي المؤقت.

– تعاونت إيران مع سوريا لخلق محور مقاومة موحد في المنطقة.

  – تأكيد إيران على الأهمية الاستراتيجية لسوريا في المعادلات الإقليمية.

– قدّمت إيران العديد من الشهداء في سبيل دعم سوريا.

لبنان والتطورات الدراماتيكية في سوريا

وفي لبنان حيث استشعر حزب الله الخطر من اندفاعة الجماعات المسلحة الموالية لتركيا وغيرها نحو العمق السوري، وما كشفته بعض هذه الجماعات من نواياها بشأن العلاقة مع “إسرائيل”، وتماهيها مع الأهداف الأميركية لجهة محاصرة المقاومة وإضعافها كما قال مسؤول كبير في الجيش السوري الحر المعارض لصحيفة “تايمز اوف إسرائيل”: “إننا منفتحون على الصداقة مع إسرائيل، وليس لدينا أعداء غير نظام الأسد وحزب الله وإيران”، وأضاف “ما فعلته إسرائيل ضد حزب الله في لبنان ساعدنا كثيرا، والآن نحن نعتني بالباقي”.

وفي ظل الأحداث المتسارعة وحقناً للدماء قام حزب الله بسحب قواته من سوريا الى الحدود اللبنانية، ونفذ انتشاراً واسعاً على الحدود وكذلك الجيش اللبناني تحسباً لأي تطور أمني، وبقيت عينه على المعابر الحدودية من جهة، وعلى الجولان السوري المحتل حيث نشر الجيش الاسرائيلي قوات إضافية من لوائي غولاني ونحال في الجولان السوري المحتل من جهة ثانية، وبالفعل حدث ما كان يتوقعه ويحذر منه حزب الله حيث بدأ  جيش الاحتلال القيام بعمل عسكري بري، وعدم الاكتفاء بالضربات الجوية على العاصمة السورية، أو الطريق الدولية بين بيروت ودمشق، ما يؤكد مخاوف حزب الله وصوابية موقفه من وجود خطر قادم من بوابة دمشق، ويقود هذا المشروع الحلف الثلاثي الأميركي الإسرائيلي التركي.

كما ان هاجس حزب الله الأساس هو حماية المقاومة من “إسرائيل” التي تحاول تطويقه وقطع الإمداد عنه من بوابة سوريا، ولهذا السبب كان قاتل الجماعات التكفيرية قبل سنوات في الجرود والسلسلة الشرقية وداخل سوريا بما كانت تمثله هذه التنظيمات من تهديد علني للبنان والمقاومة، لكن فيما لو أن الجماعات المسلحة التي دخلت دمشق اليوم تُظهر حسن نواياها تجاه لبنان والمقاومة، وتوضح طبيعة موقفها من الكيان الإسرائيلي لا يبدو انه سيكون لحزب الله مشكلة في الحوار معها، والتعايش مع الواقع الجديد.

الدور الإسرائيلي في سوريا

يكاد لا يمر يوم على قادة الاحتلال إلاّ ويتوعدون سوريا بالانتقام وتدفيعها الثمن بسبب موقفها الداعم للمقاومة، وأنها الرئة التي تتنفس منها المقاومة، لا سيما خطوط الامداد العسكرية، فتواصلت تل أبيب مع بعض الجماعات المسلحة، ودعمتهم وعالجت مرضاهم في مستشفياتها، ثم قامت على مدى سنوات باستهداف مفاصل القوة لدى الجيش السوري، لا سيما مخازن الأسلحة والصواريخ، ومصانع التطوير والتسليح حتى أنهكته وأضعفته، كما استهدفت إسرائيل المقاومة في سوريا وقدراتها وخطوط إمدادها، الأمر الذي يدفع حزب الله لإيجاد سبل مبتكرة أخرى للحفاظ على قدراته العسكرية في مواجهة التهديد الإسرائيلي المستمر، قد يكون من خلال تفعيل وتطوير التصنيع العسكري الحالي لا سيما الصواريخ والمسيّرات، والحفاظ على المخزون الاستراتيجي الذي يملكه ويكفيه لسنوات، وطرق أخرى يعمل عليها خبراؤه العسكريون.

  ويمكن اختصار الدور الإسرائيلي في التحول الحاصل في سوريا بالعناوين التالية:

   – تنفيذ غارات جوية متكررة على الأراضي السوري واستهداف المطارات ومحطات الكهرباء والمراكز الحيوية.

  – الهجمات الإسرائيلية استهدفت البنية التحتية السورية والقواعد العسكرية وفصائل المقاومة والحلفاء (إيران وحزب الله).

 – محاولة إسرائيل إنشاء حزام أمني او منطقة عازلة على حدود الجولان المحتل.

 -الضغط في المنظمات الدولية من أجل الاعتراف بسيادتها على الجولان السوري المحتل.

– دعمت “إسرائيل” بعض المجموعات المسلحة في جنوب سوريا وقدمت لهم الدعم اللوجستي والطبي وبخاصة تنظيم جبهة النصرة.

– أنشأت علاقات مع جماعات سورية محلية بهدف تقسيم سوريا وتغيير الخريطة الجيوسياسية، الأكراد وقسد نموذجا.

– نشاط الموساد في جمع المعلومات والتأثير على القوى الداخلية وإثارة الفتن في سوريا.

  – تعاون استخباراتي إسرائيلي مع الدول الغربية ضد سوريا.

– محاولات إسرائيل لمنع إعادة إعمار سوريا.

– تأييد إسرائيل وتأثيرها في فرض وتشديد الحصار والعقوبات الدولية على سوريا.

– التأثير على السياسة الدولية لمنع عودة سوريا إلى الاستقرار والسلام فمصلحتها تقتضي سوريا ضعيفة مفككة ومنقسمة.

 – دعم “إسرائيل” غير المباشر لسرقة النفط وتهريب الآثار السورية بالتعاون مع قوات الاحتلال الأميركي والوكلاء.

الدور الأميركي في سوريا

استغلت الولايات المتحدة الأميركية هشاشة الوضع الأمني في سوريا بعد انطلاق الحراك الشعبي عام 2011 وتنامي التنظيمات التكفيرية واتخذتها ذريعة للدخول الى سوريا، وإنشاء قواعد عسكرية، والتموضع في مناطق حساسة لا سيما على الحدود العراقية السورية، والمناطق النفطية، وسرقة النفط، ودعمها للجماعات الكردية الانفصالية (قسد)، وخطورة هذا التنظيم على وحدة الأراضي السورية وعدم تقسيمها، فكان هذا الوجود الاحتلالي الأميركي أيضاً خدمة للمصالح الإسرائيلية، والهدف تفتيت سوريا، وتقسيمها، وإضعاف جيشها، ومجتمعها.

من هو الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام؟

أحمد حسين الشرع، المعروف بـ “أبو محمد الجولاني”. قرّر في خضم معركة طوفان الأقصى التي يخوضها الشعب والمقاومة في فلسطين، أن يبدأ حرب “تحرير الشام” بتوجيه وتخطيط تركي ودعم غير مباشر أمريكي وإسرائيلي، ضد أحد أركان محور المقاومة في المنطقة أي سوريا دولةً وشعباً. فبدل أن يشارك في جهود تحرير أقدس بقعة في الشام وهي فلسطين والقدس والمسجد الاقصى من أعدى عدو لهذه الأمة وهو الاحتلال الإسرائيلي،فضّل على ذلك مواجهة الجيش السوري.

فما هي أبرز المعلومات حول الجولاني وعلاقاته مع تركيا وغيرها؟

_ولد أحمد حسين الشرع عام 1982 في السعودية، حيث عمل والده مهندساً للنفط حتى سنة 1989، وتعود أصول عائلته الى منطقة الجولان المحتل.

_في سنة 1989، عادت عائلته إلى سوريا، حيث نشأ وعاش في حي المزة بدمشق.

_يُقال بأنه درس الطب في دمشق لمدة سنتين، قبل أن يترك سنته الدراسية الثالثة للانضمام إلى تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003

 _انتقل إلى لبنان سنة 2006 بعد مقتل الزرقاوي، ويتداول بأنه أشرف على تدريب مجموعة “جند الشام” المصنفة إرهابية.

_سافر بعد ذلك إلى العراق مرة أخرى، حيث سجنته القوات الأميركية لفترة من الوقت في معسكر بوكا، وانضم إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق (الهيكل الأساسي لتنظيم داعش).

_عاد الجولاني إلى سوريا بأمر من أبو بكر البغدادي، في آب / أغسطس سنة 2011، حيث أنشأ فرعاً لتنظيم “القاعدة” لقتال الدولة السورية، وقد أطلق عليه اسم “جبهة النصرة”.

_ اكتسبت جبهة النصرة شهرة سريعة بسبب فعاليتها في ساحة المعركة، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية والاغتيالات، وحظيت بدعم كبير من المقاتلين الأجانب، الذين لا يزالوا يقاتلون في صفوفها حتى اليوم.

_عمد خلال السنوات الماضية إلى إجراء تحولات كبيرة في حركته، من أجل تلميع صورته الخارجية، وأظهر استعداداً براغماتيا وتغيير اسم حركته وحتى شكله بما يتوافق مع المظاهر الغربية. وقد تبدل اسم حركته من “جبهة النصرة”، ثم “جبهة فتح الشام”، وصولًا إلى “هيئة تحرير الشام”.

أما مسار انقلابه على قياداته، فبدأ بعد نيسان / أبريل 2013، حينما أعلن البغدادي أن جبهة النصرة سوف تندمج مع داعش، لتخلق كياناً موحداً، وهو ما رفضه الجولاني، معلناً بدلاً من ذلك ولاءه لتنظيم القاعدة وزعيمه أيمن الظواهري.

وفي سنة 2016، أعلن الجولاني عن قطع جبهة النصرة لعلاقاتها مع تنظيم القاعدة، وأطلقت على نفسها اسم جبهة فتح الشام (ولم تبدل هذه الميليشيا أياً من مبادئها وأساليبها، بل ظل سلوكها شبيهاً بغيرها من التنظيمات الإرهابية).

_ تحت قيادته، أصبحت هيئة تحرير الشام القوة المهيمنة في محافظة إدلب السورية، التي كانت آخر معقل رئيسي للجماعات المسلحة. ومن خلال قضائه على الفصائل المتنافسة معه، استطاع إحكام قبضته على هذه المحافظة، وحوّل هيئة تحرير الشام إلى شبه حكومة (تحت عنوان حكومة الإنقاذ التي أنشأت المحاكم والمؤسسات العامة وأنظمة الضرائب، ونصبت نفسها كسلطة بحكم الأمر الواقع في إدلب).

_وضعته وزارة الخارجية الأميركية على قائمة الإرهاب في أيار / مايو 2013 كما وضعته كذلك لجنة العقوبات الخاصة بداعش والقاعدة لمجلس الأمن الدولي في قائمة الإرهابيين الخاضعين للعقوبات منذ 24 تموز / يوليو 2013

وكذلك يعد الجولاني من أبرز الشخصيات التي تلاحقهم الولايات المتحدة الأمريكية، ووضعت لمن يدلي معلومات على مكانه أكثر من 10 ملايين دولار.

وبالرغم من أنها استطاعت قتل قادة تنظيم داعش في سوريا، وبالرغم من ظهور الجولاني مرات عديدة في العلن، إلا أنها لم تقدم على أي خطوة ميدانية عملية للقضاء عليه، وهذا ما يشير الى رغبة الإدارة الأمريكية في توظيفه بما يحقق مصالحها، وعندما تستفيد منه سوف تلجأ للتخلص منه، ستقوم بتدبير ذلك كما حصل مع البغدادي والقرشي وغيرهما.

_ في سنة 2021، تصدر عناوين الأخبار بظهوره في مقابلة مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث، مرتديًا بذلة وربطة عنق بدلاً عن البذلة العسكرية والعمامة، ساعياً من خلال ذلك إلى تقديم نفسه كزعيم براغماتي يركز على حماية سكان إدلب.

علاقته مع تركيا

بالرغم من تصنيف تركيا لهيئة تحرير الشام رسمياً كمنظمة إرهابية، فإن الواقع على الأرض يكشف عن علاقة مختلفة جذرياً، بل تظهر علاقة تابع (النصرة) ومتبوع (تركيا).

وقد سعت تركيا إلى منع هجوم شامل على إدلب من قبل الدولة السورية وحلفائها، حيث اعتبرتها منطقة عازلة لحماية حدودها، ومنع تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة. وفي المقابل، التزم الجولاني بتأمين مصالح تركيا في المنطقة، ورضخ لإنشاء القوات التركية مراكز مراقبة عسكرية وقواعد لها في المنطقة، كما استبدل العملة السورية بالعملة التركية، وساعدها في الحفاظ على الأمن والحكم في إدلب، مما قلل من الحاجة إلى تدخلها العسكري المباشر.

علاقته مع قطر والسعودية

خلال السنوات الأولى من الحرب على سوريا، قدّمت دول الخليج مثل قطر والمملكة العربية السعودية الدعم المالي واللوجستي للجماعات المسلحة، بما في ذلك جبهة النصرة. لكن الدعم السعودي توقف مع تغير أولويات محمد بن سلمان نحو العدوان على اليمن.

العلاقة المشبوهة مع الكيان المؤقت

بعد قطعه للعلاقات مع القاعدة في سنة 2016 وإعادة تسميتها بهيئة تحرير الشام، تجنب الجولاني إلى حد كبير الخطاب المباشر ضد الكيان المؤقت، وهو ما اعتبره البعض إشارة على عدم مواجهتها، وهذا ما حصل واقعاً.

وبين سنتي 2013 و2016، سيطرت جبهة النصرة على أراض قريبة من مرتفعات الجولان المحتل. وكشفت العديد من الفيديوهات والأدلة قيام إسرائيل بتقديم مساعدات طبية وغذائية لجبهة النصرة، كجزء من سياسة “حسن الجوار”.

* الخنادق| د. محمد شمص

You might also like