حُكَّامُ سوريا ما بعد الأسد.. “إسرائيل” تترقّبُ فُرَصاً ومطامِعَ
متابعات..| تقرير*
يُعدّ سقوط النظام السوري بالنسبة إلى تل أبيب، خبراً جيداً؛ إذ رغم ما يَنتظر المصالح الإسرائيلية من تحدّيات في مرحلة ما بعد بشار الأسد، إلا أن النتيجة الكلّية التي تبدو مؤشراتها قوية جداً في هذه المرحلة، تحقّق لتل أبيب ما كانت تتمنّاه منذ 13 عاماً، مع بدء الأزمة في سوريا: انكسار حلقة معتدّ بها ووازنة من حلقات المحور الإيراني ومركباته. وبعد الحظر الذي فرضه رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، على وزرائه إطلاق مواقف وتصريحات تخصّ الساحة السورية وتطوّراتها، فهو لم يَنتظر طويلاً للتعبير عن موقفه، ومن موقع قريب من الحدود السورية، حيث رأى أن «هذا اليوم مشهود في تاريخ الشرق الأوسط»، مضيفاً «(أنّنا) لن نسمح لأيّ قوة معادية بأن تستقرّ على حدودنا». كذلك، اعتبر أن «نظام الأسد كان الحلقة المركزية في محور الشرّ الإيراني، وقد سقط نتيجة ضرباتنا لإيران وحزب الله، داعمَيه الأساسيَّين»، مشدّداً أيضاً على أن سقوطه «يخلق فرصاً جديدة ومهمّة جداً لإسرائيل، لكن الأمر ليس خالياً من المخاطر». فرصٌ لم تتأخر إسرائيل في استغلالها، إذ سارعت إلى تعميق سيطرة جيشها على الحدود مع سوريا، واحتلاله نحو 15 كيلومتراً من القنيطرة، بهدف «منع المتمردين من الوصول إلى المنطقة، علماً أن «الكابينيت» صدّق، وفق «هيئة البث»، على الدخول بضعة كيلومترات داخل المنطقة العازلة ومواقع مراقبة في الجولان.
ومن جهتها، أفادت تقارير عبرية بأن إسرائيل تتواصل، منذ بداية الأحداث وسيطرة المعارضة المسلحة على حلب، مع الفصائل السورية المختلفة، ومن بينها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع الملقب بـ«أبي محمد الجولاني»، بشكل مباشر أو عبر أطراف ثالثة. إذ لدى إسرائيل الكثير من الأسئلة والمحددات، ومن بينها مطالب ومحظورات يجب على الجهات التي ستسيطر على سوريا مراعاتها. وفي انتظار معرفة ما تخطّط له تل أبيب في المرحلة المقبلة، يبدو أن الميدان وتسريبات المصادر، تكشف ما يكفي:
أولاً: لا يوجد خلاف في تل أبيب على أن سقوط النظام السوري، مصلحة إسرائيلية إستراتيجية، يمكن الرهان عليها لتغيير بيئة إسرائيل الأمنية في أكثر من اتجاه، وتحديداً لجهة عزل إيران عن حلفائها في الإقليم، وتحديداً في لبنان، بعدما بات عليها وعلى حليفها «حزب الله» إيجاد بدائل لحلقة التواصل الجغرافية، والتي قد تكون انقطعت نتيجة سيطرة الفصائل المسلحة على الجغرافيا السورية، علماً أن تلك الحلقة ضرورية ومركزية، كما تراها إسرائيل، لإعادة ترميم «حزب الله» قدراته التي ضعفت نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة في لبنان.
توجد توجهات وربما أسئلة عن إمكان التفرّغ لاحقاً لمواجهة إيران، وربّما أيضاً استنساخ ما حدث في سوريا في طهران نفسها
ثانياً: الواضح عسكرياً وأمنياً، أن تل أبيب ترسل إشارات إلى الساحة السورية، بأنها متوثّبة لفعل ما يجب، في حال تجاوزت الفصائل السورية المختلفة الحدود المرسومة لها. إذ لا تخلو الفصائل من جماعات قد تتمرّد على ما هو متّفق عليه مع الجهات الراعية لها، وهي جهات وإنْ كانت ذات قدرة وحضور محدودَين، لكنها تسبّب لإسرائيل قلقاً يلزمها بتظهير توثّبها الأمني والعسكري، والذي حرص جيش الاحتلال عليه من خلال عبوره الحدود وخط وقف إطلاق النار في الجولان لعام 1973، للتمركز في المنطقة العازلة، فيما تؤكد مصادر عسكرية إسرائيلية أن احتمال اقتطاع منطقة عازلة كبيرة نسبياً، موجود على طاولة البحث والتخطيط في تل أبيب، ربطاً بالتطورات التي ستظهر قريباً. كذلك، أُعلن، أمس، وفقاً لمصدر عسكري تحدّث إلى إذاعة الجيش، أن الأخير سيطر على موقع عسكري في جبل الشيخ عقب فرار الجيش السوري منه.
ثالثاً: توجيه إسرائيل ضربات وقائية إلى مخازن ومستودعات أسلحة ووسائل قتالية نوعية منتشرة في الجغرافيا السورية، بهدف منع انزلاقها إلى جهات غير مضمونة؛ وهو ما حصل بالفعل، أمس، مع إعلان «هيئة البث الإسرائيلية»، نقلاً عن مصدر أمني، أن الجيش «هاجم مخازن أسلحة جنوب سوريا وفي منطقة مطار دمشق خشية وقوعها في أيدي المتمردين». ويبدو، وفقاً لإذاعة جيش الاحتلال، أن «إسرائيل تستعدّ لهجمات متواصلة في سوريا لأيام عدة لمنع وصول أسلحة إستراتيجية إلى المتمردين».
رابعاً: لا يزال من المبكر الحديث عن توجهات سوريا ما بعد الأسد؛ إذ إن الوضع لم يستقرّ فيها على وجهة محدّدة، مضمونة ودائمة ومستقرّة، وهو ما يثير الكثير من الأسئلة: مَن سيحكم سوريا، وهل تكون موالية أو مراعية للمصالح الغربية، ومن بينها وفي مقدمتها مصلحة إسرائيل الأمنية؟ ومع ذلك، ثمة توجهات وربما أسئلة عن إمكان التفرّغ لاحقاً لمواجهة إيران، وربّما أيضاً استنساخ ما حدث في سوريا في الجمهورية الإسلامية نفسها، وإنْ كان الظرف والقدرة مختلفَين تماماً. ويُسجل، في هذا الإطار، أن جميع ما يصدر من تل أبيب حالياً، يستعجل المواجهة الغربية مع طهران، خاصة مع قرب دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، وإنْ كان لا يمكن، إلى الآن، التنبؤ بقراره، رغم كلّ العداء الذي يضمره للجمهورية الإسلامية.
ولعل واحداً من تجليات ذلك التحريض، الحديث في الإعلام العبري وفي كتابات تصدر عن مراكز بحثية، حول التحديات الماثلة بوجه إيران، والتي تطرح سؤالاً مركزياً: هل بقي في حوزة إيران غير القدرة النووية العسكرية لحماية نفسها؟ سؤالٌ يكشف أكثر من اتجاه ورؤية، ليس فقط في توصيف «المأزق الإستراتيجي» للجمهورية الإسلامية بعد سقوط الأسد وإضعاف «حزب الله»، كما يرد في الروايات العبرية، بل يشير إلى رؤية تتجذّر في تل أبيب ويُراد تعميمها على حلفائها مفادها: لم يعد أمام إيران إلّا النووي، وهو خيار ملزم لها، وعلى الجميع مواجهتها قبل أن تلجأ إليه.
* الأخبار البيروتي