كل ما يجري من حولك

عطوان يكشفُ مصيرَ المفاوضات وما ستؤولُ إليه الحربُ بين خرب الله و”إسرائيل”.. ومَن المنتصِرُ في النهاية

هكذا “تعثّرت” مَهمّة هوكشتاين بفكّ الرّباط المُقدّس بين السّاحات وهذه الرّسالة وراء تأجيل الشيخ نعيم قاسم خطابَه

164

عبد الباري عطوان

يَصعُب علينا أنْ نفهم، أو نتفهّم، حالة التّفاؤل التي سادت الأجواء السياسيّة اللبنانيّة على ضُوءِ المُباحثات التي أجراها عاموس هوكشتاين المبعوث الأمريكي مع كُل من السيّد نبيه بري رئيس البرلمان، ونجيب ميقاتي رئيس الوزراء المُكلّف، فكُلّ الدّلائل تُشير إلى أنّ أيّ اتّفاقٍ بوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانيّة ما زالَ بعيدًا، خاصّةً بعد تأجيل الشيخ نعيم قاسم أمين عام حزب الله فجأةً لخطابٍ كانَ مِن المُفترض أن يُلقيه عصر اليوم (الثلاثاء)، وفي تزامنٍ مع وصول المبعوث الأمريكي.

هوكشتاين المولود في مُستشفيات دولة الاحتلال، وخدم في جيشها، وما زال يُعتبر “جُندي احتياط” في قوائمها الرسميّة العسكريّة، لا يأتي إلى لبنان حُبًّا في اللّبنانيين، ولا حِرصًا عليهم، وإنّما لخدمة الكيان الغاصب وطُموحاته العُدوانيّة، ولم يُحقّق أيّ تقدّمٍ أو إنجاز في جميع زياراته للعاصمة اللبنانيّة التي زادت عن 13 زيارة إلّا في زيارةٍ واحدة، كانت تتعلّق برسم الحُدود البحَريّة بين لبنان ودولة الاحتلال، وجاء نجاحها لمصلحة الاحتلال واستِيلائه على حقل كاريش النفطي والغازي، وكان حقل قانا “المشفوط” غازه إسرائيليًّا من نصيبِ الدّولة اللبنانيّة.

***

لا نعرف كيف يتحدّث هوكشتاين عن تحقيقِ تقدّمٍ في المُفاوضات، وأنّ الاتّفاق باتَ وشيكًا جدًّا (وبين يدينا) في الوقت الذي يُؤكّد فيه بنيامين نتنياهو وفي يوم وصوله إلى بيروت بأنّه سيُواصل العمليّات العسكريّة ضدّ “حزب الله” حتّى بعد التوصّل إلى اتّفاقٍ لوقف إطلاق النّار، والأهم من ذلك أنّه حدّد وفي التّصريحات نفسها، أنّه لا بُدّ أن يتضمّن هذا الاتّفاق ثلاثة شُروط حتى يكون مقبولًا:

  • الأوّل: ضمان أمريكي بحُريّة هجمات الجيش الإسرائيلي وطائراته في جميع الأراضي اللبنانيّة على غِرار ما هو حادث حاليًّا في سورية.
  • الثاني: إبعاد قوّات حزب الله عن الحُدود اللبنانيّة “الإسرائيليّة” إلى شِمال نهر الليطاني.
  • الثالث: وقف جميع خُطوط الإمداد لحزب الله من إيران عبر الأراضي السوريّة.

ربّما يُفيد التّذكير بأنّ المبعوث الأمريكي هوكشتاين ينتمي إلى إدارةٍ أمريكيّةٍ “بطّةٍ عرجاء” وانتقاليّة، ولم تعد تملك أي صلاحيّات حقيقيّة بعد خسارة حزبها الديمقراطي، ومُرشّحته كامالا هاريس الانتخابات، وباتت “الدّولة العميقة” هي التي تُدير دفّة الحُكم في الشّهرين المُتبقّين من عُمرها في السّلطة، وهي مشغولةٌ الآن بالحرب العالميّة، وربّما النوويّة ضدّ روسيا.

الاستقبال الحافل الذي أعدّه أبطال المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة للمبعوث الأمريكي ليلة أمس الأوّل بإطلاق صاروخ ثقيل ودقيق (فاتح) على قاعدة عسكريّة في قلب مدينة تل أبيب الكُبرى (بني براك)، أدّى إلى مقتل وإصابة 6 أشخاص، وأشعل حرائق ضخمة، وأغلق مطار اللد (بن غوريون)، وأرسل مليونيّ مُستوطن إلى الملاجئ، هذا الاستقبال كان في رأينا هو الرّد العمليّ الحاسم على هذه الزّيارة التي تهدف إلى خلق فتنة، وفكّ الارتباط بين السّاحة اللبنانيّة وتوأمِها ساحة غزة.

نتنياهو كان يتعاطى دائمًا باحتقارٍ شديد مع بايدن، ولا يأبه مُطلقًا بمطالبه، عندما كانَ في قمّة سُلطته، فهل سيهابه ويرضخ لشُروطه، ويلتزم باتّفاقاته في لبنان أو الدوحة أو القاهرة، بعد أن أُهين مرّتين، الأولى: بإبعاده عن السّلطة والترشّح، والثّانية: عندما طرده الشّعب الأمريكي وحزبه وأسقطه ومُرشّحته في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، وهل نتنياهو على هذه الدّرجة من الغباء ليُقَدّم هذا الاتّفاق لرئيسٍ راحل، وليس إلى رئيسٍ قادم يدّعي صداقته.

والدّليل الأبرز على ما ذكرناه سابقًا، تصريح أدلى به نتنياهو اليوم، وقال فيه بالحرف “هدّدنا الرئيس بايدن بأنّه سيُوقف عنّا كُل إمدادات السّلاح والذّخائر إذا أقدمنا على اجتياح رفح، ولم نُصغِ له، ونفّذنا خططنا بالاجتِياح كاملة، ولم تتوقّف إمدادات الأسلحة”.

***

لا يفهم أحد إسرائيل ومبعوثيها أكثر من رجال المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة، الذين أطلقوا 75 صاروخًا صباح اليوم (الثلاثاء) على مدينة صفد شرق الجليل، وقاعدة غليلوت العسكريّة، “تحيّة” لوصول هوكشتاين إلى مطار بيروت، وكأنّ لسان حالهم يقول: “لا أهلًا ولا سهلًا بك”، وأنت ذهبت إلى الجهات الخطأ، فالميدان الذي نقوده، ونُحقّق الانتصارات فيه هو صاحب قرار السّلام والحرب ووقف إطلاق النّار، ووفق شُروطنا، وإملاءات صواريخنا ومُسيّراتنا.

هوكشتاين يسير على نهج دولة الاحتلال ويُنفّذ مُخطّطاتها العُدوانيّة بقفّازاتٍ ناعمة، أمّا أُسود “حزب الله” فيسيرون على نهج السيّد الشّهيد حسن نصر الله، ويهتدون بوصيّته التي وردت في خطابه الأخير قبل استِشهاده، وعمودها الفقري “لا فصل مُطلقًا بين السّاحتين اللبنانيّة والفِلسطينيّة، ولن نسمح بهزيمة المُقاومة في القطاع وكُل فِلسطين، ومن يُريد وقف إطلاق النّار في لبنان عليه أن يُوقفها في غزة أوّلًا..”

هل قرأ أو سمع هوكشتاين هذه الوصيّة؟ لا نعتقد ذلك، ولهذا أخطأ العُنوان.. والأيّام بيننا.

You might also like