تداعياتُ إقالة غالانت: تزايدُ الانقسامات وغلبة الطابع اليميني
متابعات..| تقرير*:
أزمة داخلية جديدة يواجهها الكيان المؤقت، بعد إقدام نتنياهو على إقالة وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت وتعيين يسرائيل كاتس خلفًا له في أكثر المراحل الحسّاسة في البلاد في ظلّ الحرب التي تواجهها على عدّة جبهات.
فبعد ظهور قضايا عدّة باتت تشكّل أزمات متفجّرة لنتنياهو وتهدّد وجوده السياسي، توجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي نحو انتهاج سياسات وقرارات من شأنها تبديد كل أصوات المعارضة والحفاظ على استقراره السياسي خاصة في ظل التوتر الذي يحكم علاقته مع غالانت، وغياب الثقة بين الطرفين بصورة جعلت غالانت كالحجر الذي يعرقل بعض خيارات وقراراته. وبالتالي، أصبح رئيس الوزراء أمام خططه التصعيدية والتوسعية بحاجة لحكومة ذات وجه يميني موحّد لا مجال فيه للخلافات والمعارضة الفاعلة.
هناك عناوين عدّة حكمت هذا القرار كأزمة التجنيد التي تشكّل العنصر الأساس والمؤثر في زعزعة استقرار الائتلاف كونه موضوعًا مثيرًا للجدل تنقسم حوله التيارات السياسية والعسكرية، والتي يجسّدها الاختلاف في الموقف بين غالانت ونتنياهو، فمع اقتراب التصويت على قانون التجنيد الاجباري الذي كان من المقرر التصويت عليه في الكنيست بالقراءة الثالثة، وتم تأجيله نظرًا لعدم وجود أغلبية، كان غالانت قد وافق على أوامر تجنيد جديدة تشمل 7 آلاف من اليهود المتدينين “الحريديم”، وذلك في خضم ازدياد الضغط على جنود الاحتياط بعد عام من الحرب، حيث قال أن “الحرب والتحديات التي تواجهنا توضح حاجة الجيش الإسرائيلي لمزيد من الجنود، وهذه حاجة عملياتية حقيقية تتطلب تعبئة وطنية واسعة من كافة شرائح المجتمع”. وبالتالي، إقالة غالانت كان من بين أسبابها الرئيسية تسهيل تمرير قانون التجنيد للحريديم، فالمشكلة هي أن معارضة وزير الجيش المتوقعة لقانون التجنيد كانت ستجر أعضاء إضافيين في الائتلاف لمعارضته، ولم يكن من الممكن إقرار القانون مّما لا يصبّ في مصلحة نتنياهو. وعليه، هناك مجموعة من الدوافع والأبعاد التي دفعت بنيامين لاتخاذ هكذا قرار في هذا الوقت والتي سيكون لها تداعيات على مختلف المستويات داخل الكيان، خاصة أن هذه التغييرات جعلت الحكومة الإسرائيلية أكثر تطرفًا ويمينية وهو ما سيكون له انعكاساته على الداخل الإسرائيلي وفي المنطقة.
تداعيات الإقالة
– زيادة حدّة الانقسامات في الداخل الصهيوني على مختلف المستويات وعودة الاحتجاجات والإضرابات للظهور من جديد.
– ارتفاع عدد الجنود والضباط الذين سيمتنعون عن أداء الخدمة وبالتالي، انقسامات قد تضرب المؤسسة العسكرية.
– غلبة الطابع اليميني المتطرف على الكيان على المستويين السياسي والعسكري.
– تحكّم نتنياهو بكل القرارات المصيرية وبالتالي، تمكين سياساته القائمة من الحفاظ على وجوده السياسي والطموحات التوسعية.
– اتخاذ الحكومة قرارات أكثر حدّة وتصعيدًا.
– ستتبع هذه الخطوة سلسلة أخرى من الإقالات التي قد تطال المؤسستين الأمنية والعسكرية في ظل سعي نتنياهو لإسكات كل صوت معارض من التأثير على خياراته وقراراته، والتخلص من مسؤولية التحقيق في الفشل الذي أصاب الكيان في 7 أكتوبر، وبالتالي بداية مرحلة التغيير الاستراتيجي داخل منظومة الحكم.
– فوز الدولة الدينية في وجه العلمانية وسيكون لذلك تبعات على الجمهور الإسرائيلي في مختلف المجالات.
– يسرائيل كاتس، كوزير جديد للدفاع، والذي يفتقد للخبرة العسكرية سيكون بمثابة آلة يتحكّم بها نتنياهو بما يتوافق وطموحاته في المرحلة المقبلة.
– زيادة التوتر بين فئات الجمهور الإسرائيلي خاصة في ملف تجنيد الحريديم الذي سيثير مشاعر القلق وعدم المساواة بين الإسرائيليين.
– على الصعيد الفلسطيني فإن التعيينات الجديدة تنسجم مع القرارات المتطرفة تجاه الضفة وغزّة وبالتالي، ستأخذ القرارات المستقبلية طابع أكثر حدّة وتصعيدًا والمزيد من الضغوط على مختلف المستويات.
– توسيع دائرة التصعيد على مختلف الجبهات.
– إقالة غالانت لن تؤثر على الحرب على لبنان، بل سيسعى نتنياهو للاستمرار وتحقيق ما يستطيع من إنجازات ومكاسب يخرج بها بصورة “النصر الكامل”.
ها هو نتنياهو من جديد، يعمد لانتهاج سياسات واتخاذ القرارات التي من شأنها أن تخدم رؤيته ومصالحه الشخصية والسياسية، على حساب أمن كيانه واستقراره. فكغيرها من المرّات، ومع تصاعد الأزمات التي قد تنفجر وتهدّد حكومته، لا سيما في العناوين المتعلقة بقضية التجنيد والميزانية وتسريب الوثائق وعودة الأسرى، سارع نتنياهو إلى إقالة غالانت كخطوة استباقية تحميه من أي تهديد لإسقاط حكومته في هذه المرحلة الحساسة التي يمرّ بها الكيان والتي يواجه فيها حربًا على عدّة جبهات. وأمام هذا الخيار، يدخل الكيان المؤقت في دوامّة جديدة من الانقسامات والاحتجاجات على مختلف المستويات السياسية، الأمنية والعسكرية والمجتمعية، بالإضافة لزيادة التصعيد والضغط أكثر في غزّة والضفة الغربية، مقابل استمرار الوضع في لبنان وتحقيق ما يستطيع من إنجازات ومكاسب يخرج بها بصورة “النصر الكامل”. وبالتالي، هي مرحلة تنذر بالمزيد من تحكّم نتنياهو بالقرارات المصيرية وبداية التغيير الاستراتيجي داخل منظومة الحكم.
* الخنادق