كيف غيّر دونالد ترامب استراتيجية حملته الرئاسية والفوز بدورة رئاسية جديدة (معلومات خطيرة)
متابعات / تقرير
كيف غيّر دونالد ترامب استراتيجية حملته الرئاسية واستطاع إطاحة منافسته الديمقراطية كامالا هاريس والفوز برئاسة الجمهورية؟ وكيف استطاع كسب أصوات الناخبين من جديد؟ القصة الكاملة في هذا التقرير.
أخيراً، فعلها الرئيس الأسبق دونالد ترامب، وأصبح هو المنتصر بعدما أعاده الشعب الأميركي إلى السلطة مع كل علله وجرائمه بحق الشعوب. وبذلك، سيكون الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة وأول من يستعيد البيت الأبيض بعد هزيمته السابقة، منذ أن حصل الرئيس جروفر كليفلاند على فترة ولاية ثانية غير متتالية في عام 1892.
الطامة الكبرى أن فوز ترامب جاء على الرغم من إدارته حملة ارتدى خلالها ثوب المظلومية، وهدد باستخدام الجيش ضد المواطنين الأميركيين، وتفنن بخلق العديد من الأعداء السياسيين المتصورين له، ووعد ببرنامج ترحيل جماعي للمهاجرين، وألقى سلسلة من الإهانات العنصرية والجنسية تجاه النساء، وحضّ على كراهية الأجانب. ولا ننسى محاولات عزله مرتين، وتوجيه 91 تهمة جنائية و34 إدانة جنائية إليه، امتدت طوال السنوات الأربع الماضية. والمثير أن أداء ترامب لم يتحسن هذه الدورة فحسب مقارنة بالعام 2020، بل كان أيضاً في طريقه للفوز بالتصويت الشعبي لأول مرة.
كيف غيّر ترامب استراتيجية حملته واستطاع إطاحة هاريس؟
مع إطلاق حملته الانتخابية الثالثة للوصول إلى البيت الأبيض، ووسط رياح غضب وطني واسعة النطاق بشأن التضخم والهجرة، وجد ترامب نفسه لأول مرة أمام عملية سياسية متماسكة ومهنية. ولكي يستعيد البيت الأبيض، كان عليه أن يتعلّم كيف يثق بمن حوله من مستشارين ومساعدين وموظفين في حملته الانتخابية، وهؤلاء بدورهم تعلموا كيفية منحه المساحة للتحرك وإطلاق العنان لجنونه.
في تلك المرحلة، كانت الحياة السياسية لترامب على شفير الهاوية. لذا، مطلع عام 2021، طلب من حليفته الهادئة والجادة سوزي وايلز تولي إدارة حملته الانتخابية. حينها، لم يكن هناك كثيرون آخرون يرغبون في الوجود حوله، لأنه كان غاضباً بشأن نتائج انتخابات 2020، وفي مزاج سيئ إلى درجة أن العديد من أصدقائه وأعضاء ناديه بدأوا بتجنبه.
عملت وايلز بهدوء لمدة عامين، بينما كانت التحقيقات تدور حول ترامب (حول قضايا كثيرة) الذي تردد بشأن الترشح للبيت الأبيض مجدداً. لكن قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، تعاقدت وايلز مع كريس لاكيفيتا، المحارب السياسي الذي فعل كل شيء تقريباً باستثناء قيادة حملة رئاسية كبرى.
غداة إعلان ترامب ترشحه في أواخر عام 2022، كافح فريقه لإقناع الجمهوريين بحضور الحدث. لم يحضر سوى عدد قليل من أعضاء مجلس النواب من اليمين المتطرف. وما زاد الطين بلة هو تلقّيه موجة من الضربات شبه المميتة لطموحه الرئاسي، وأكبرها دهم مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزله في مارالاغو.
وفي مواجهة كل هذا، نجحت وايلز بفرض النظام. فلأول مرة منذ 3 حملات انتخابية، أصبح لدى ترامب قيادة موحدة تعمل نيابة عنه، وتنفذ الأساسيات بهدوء. أخبرت وايلز الموظفين بأنها تريد منهم جميعاً أن يقدموا رسالة واحدة إلى رئيسهم، ويظهروا التمسك ببعضهم البعض.
رأت وايلز أن أحد أهدافهم هي تغيير نظرة الناس إلى ترامب الذي صقل شخصيته السياسية، ولا سيما أثناء خطاباته في التجمعات والمهرجانات الانتخابية؛ رجل قوي يكسر الحدود مع لمسة من الكوميديا في أسلوب “بورشت بيلت” (مجموعة من المنتجعات الصيفية تقدّم مزيجًا من الترفيه التقليدي مع التركيز على الأداء الفكاهي والكوميديا الارتجالية)، لكن الحملة كانت بحاجة إلى شيء أكثر. لذا، نصحه مساعدوه بنشر صور لأحفاده.
في تلك الفترة، اتصل أليكس بروسويتيز (الشاب الموهوب بعمل وسائل التواصل الاجتماعي) بترامب ليعرض عليه الظهور في برنامج بودكاست “ثيو فون”، الكوميدي الشهير، مؤكداً للرئيس السابق، بأنه في حال وافق على الظهور بالبرنامج، سيحقق تأثيراً ضخماً من حيث عدد المشاهدين والمستمعين، مشابهاً للتأثير الذي قد تحققه قناة MSNBC من خلال أسبوع كامل من بثها. هنا، قال الرئيس السابق: “اسأل بارون”، في إشارة إلى ابنه الأصغر الذي أصبح الآن في سن الـ 18.
لاحقاً، قام جاريد كوشنر، صهر الرئيس، بربط بارون مع بروزويتز، وقال الابن الأصغر لترامب وفقاً لشخص مطلع على ما حدث: “أشاهده طوال الوقت، عليك أن تظهر كذلك في برنامج أيدن روس الذي يعتبر من الشخصيات التي تملك تأثيراً كبيراً بين جمهور الشباب على الإنترنت، وهو معروف بتقديم محتوى عفوي ومثير للجدل في بعض الأحيان”. اللافت أنه كلما جاء مستشارو ترامب ليقدموا له أي عرض، كان الأخير يسأل: “هل وافق بارون على هذا؟”
ترامب ومحو صورته النمطية السيئة
رأى القائمون على الحملة الانتخابية لترامب أنه يجب محو الصورة النمطية السيئة عن الرئيس السابق والراسخة في أذهان الكثير من الأميركيين. ولهذه الغاية، وضعوا ترامب في متجر بقالة صغير في حي هارلم في مدينة نيويورك، وفي صالون حلاقة في برونكس، كما شاهده الأميركيون وهو يطل من وراء نافذة الخدمة في مطعم ماكدونالدز، ورأوه أيضاً يرتدي سترة عمال برتقالية وهو يركب في المقعد الأمامي لشاحنة قمامة (رفضت خدمة السرية الأميركية طلب ترامب بالركوب في الشاحنة ضمن موكبه، وفقاً لما ذكره أحد الأشخاص الذين كانوا حاضرين).
وتعليقاً على ذلك، قال براد بارسكال، مدير حملة ترامب في 2020: “لقد جعلوه يبدو طبيعياً، شخصاً يعجبك، وليس الشخص الذي يصرخ في وجهك. كان ماكدونالدز أذكى شيء رأيته في حياته.. وهذا ساعده حقاً”.
هجوم ترامب المعاكس ودور مسعد بولس
عندما اجتمع فريق ترامب الكبير عبر الهاتف، توقع توني فابريزيو، مسؤول استطلاعات الرأي في الحملة، أن تتقدم هاريس عليهم، ما يجعل السباق أكثر صعوبة، لا سيما أن سقف تأييد الأخير كان ربما نحو 48%.
لذلك، كان عليهم أن يحافظوا على انخفاض نسبة التأييد لهاريس، خصوصاً بين الرجال السود والأميركيين العرب وآخرين، كما قال مستشاران للحملة. أوضح أحد هؤلاء الأشخاص لصحيفة “واشنطن بوست”: “يجب أن نجعلهم يشعرون بعدم الارتياح الشديد معها”. تبعاً لذلك، بدأوا العمل والإعداد للهجوم المضاد.
في أعقاب مناظرة أيلول/سبتمبر الماضي بين الطرفين، دفع فريق ترامب هاريس إلى فخ المقابلات الإعلامية التي تعد أبرز نقاط ضعفها. وحينما سُئلت في إحدى المقابلات، عما كانت ستفعله بشكل مختلف عن بايدن خلال السنوات الأربع الماضية، ترددت، وهناك حلت الكارثة بها، فسرعان ما تلقفت حملة ترامب الأمر، واستعملت كلماتها التي تؤكد ولاءها الأعمى لبايدن في الإعلانات.
لاحقًا، لجأ ترامب إلى والد زوج ابنته تيفاني، رجل الأعمال اللبناني الأميركي مسعد بولس، للتواصل مع الجالية العربية الأميركية في ولاية ميشيغين ليُظهر للمسلمين اهتمامه. وفي نهاية المطاف، عقد عمدة مدينة هامترامك، عامر غالب (من أصل يمني) الاجتماع، وأيد ترامب الذي فاز بتلك الولاية بنسبة 42.5% من الأصوات في مقابل 36% لمنافسته الديمقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس التي ساهمت محرقة غزة ولبنان بهذه الصفعة المدوية لها.
بموازاة ذلك، كانت الإعلانات سلاحاً كاسراً للتوازن للنيل من هاريس. وعليه، وفي غضون أيام، كانت لديهم خطة فعالة، بعدما أظهرت اختباراتهم أن الناخبين لا يرونها جدّية، لذا عرض ترامب مشاهد لها وهي ترقص في إعلاناته، مع شعار مذيل بكلمات: “فاشلة وضعيفة وليبرالية بشكل خطير”.
وبحلول يوم الانتخابات، أنفقت حملة ترامب نحو 12 مليون دولار أو أكثر على 8 إعلانات، وفقاً لتقارير شركة AdImpact. ثلاثة من هذه الإعلانات كانت تتعلق بالاقتصاد، واثنان حول تعثر هاريس في برنامج “ذا فيو”، فيما تناولت ثلاثة منها قضية المتحولين جنسياً. أدى الهجوم الإعلاني ضد هاريس إلى نتائج مذهلة. كان أقواها الإعلان (عن المتحولين) الذي عجزت حملة هاريس عن الرد عليه إلى حد كبير، والذي حمل الشعار التالي: “كامالا تدعم هم/هنّ، وترامب يدعمك”، حتى إنهم حاولوا ترجمة الإعلانات المتعلقة بالمتحولين إلى الإسبانية، لكنهم لم يتمكنوا من صياغة ترجمة مناسبة.
وفي الوقت نفسه، كان فريق ترامب يعمل على إعادة بناء آلية السياسة الجمهورية، إذ أبرم في كثير من الأحيان صفقات معاملات، وطمأن زعماء الشركات الذين كانوا متشككين بأنه سيخفض الضرائب المفروضة عليهم. كما وعد أصحاب المليارات النفطية بعدد كبير من الأشياء التي يريدونها، وحثهم على التبرع بمليار دولار لحملته. ووعد ترامب النادلات وآخرين بأنه لن تكون هناك ضرائب على الإكراميات في محاولة للحصول على الأصوات. والأهم من ذلك، قدم دعماً واسع النطاق لصناعة العملات المشفرة، والتي وصفها ذات مرة بأنها “عملية احتيال”، بعدما أصبحت من الجهات المانحة الرئيسية.
في المقابل، استفاد ترامب من الإحباط العميق إزاء التضخم والهجرة غير النظامية، على الرغم من أنه اقترح “حلولًا” ذات نتائج عكسية – رسوم جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات وعمليات ترحيل جماعية. وكانت هذه الخيبة واضحة لدى العديد من الأميركيين، لأنهم أدركوا أن الديمقراطيين فشلوا لفترة طويلة في معالجة المخاوف الحقيقية بشأن ارتفاع الأسعار والحدود التي يسهل اختراقها. واللافت أن 70% من الناخبين كانوا يعتقدون قبل الاقتراع أن البلاد تسير على المسار الخاطئ، وهو ما أعطى ترامب دفعاً كبيراً.
من هنا، تمكن الرئيس السابق من اقتحام معاقل الديمقراطيين التقليدية: المناطق الحضرية والضواحي ذات الدخل المرتفع في ولاية بنسلفانيا، والناخبين السود في ولاية ويسكونسن، والناخبين العرب في ميشيغين، وقام بتوسيع هوامشه بشكل كبير في المقاطعات الريفية في جورجيا وويسكونسن، وتغلب بسهولة على ميزة نائب الرئيس كامالا هاريس في المناطق الحضرية، بما في ذلك أتلانتا وميلووكي.
ومع نهاية الحملات الانتخابية، قال أحد المستشارين لترامب: “كان الجميع في الغرفة يعتقد أنه سيفوز، وهو ما تحقق عندما قلب الطاولة السياسية في البلاد، وحقق نصراً مفاجئاً في البيت الأبيض”.