متابعات..| تقرير*:

خلْف الصور التي أظهرت نزوح الآلاف من سكان مخيم جباليا وأحياء محافظة شمال قطاع غزة، ثمة تفاصيل لم تروَ بعد. فأكثر الذين أُخرجوا خلال عملية التوغّل الإسرائيلية المستمرة منذ شهر ونيف، لم يستجيبوا طوعاً لأوامر الإخلاء، ولا حتى لتهديدات جيش العدو بارتكاب مجازر جماعية، تلك التي ظل يكّررها على مسامع السكان عبر طائرات «الكواد كابتر» تحمل مكبّرات صوت، بدليل أن 15% فقط من النازحين خرجوا في يوم العملية الأول، وهم من سكان خط النار الأمامي. أما البقية، فقد أُخرجوا بعد 15 يوماً من التوغّل العدواني.

ويُتّخذ قرار الخروج من شمال القطاع، عندما تتهاوى أسقف المنازل وجدرانها على رؤوس سكانها. وتقول الحاجة أم عماد، لـ«الأخبار»، إنها لم تخرج إلا «عندما قصفوا المربع كله. جدران البيت سقطت على رؤوسنا، ولم يعد لدينا خيار سوى الخروج. ومع ذلك كان شعورنا بالحزن أكبر من شعورنا بالخوف، لكننا مستأمنون على حياة أطفال وعائلات. والقرار ليس شخصياً». ووفقاً للمرأة التي تجاوز عمرها 60 عاماً، فإن «جيش الاحتلال يمطر المناطق التي يريد إخلاءها بالمئات من القذائف والقنابل المتفجّرة، ويعمد إلى إطلاق الرصاص داخل المنازل والغرف التي تؤوي السكان». وتستدرك بالقول إن «كل ذلك كان يمكن أن يمر، إلا أن سياسة حرق المنازل والناس بداخلها، هي المرعبة».

السكان لا يخرجون إلا عندما تتهاوى أسقف المنازل وجدرانها على رؤوسهم

وبدوره، يوضح أبو أحمد المصري، وهو أحد النازحين من مشروع بيت لاهيا، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المناطق التي يعمل جيش الاحتلال على إخلائها من سكانها، يعمد إلى قتل أي فرصة للحياة فيها». ويتابع: «في المربع الذي أسكن فيه، هناك آلاف العائلات والأسر التي قررت البقاء، لكن البقاء بحاجة إلى مياه وطعام وتحرّك يومي لتأمين الحطب والطعام. بعدما نفد الماء تحديداً، تعمّد العدو إطلاق النار على كل من يتحرّك عبر طائرات «الكواد كابتر»، ولم نحصل على المياه لأسبوع كامل. هذا غير القصف العشوائي المستمر. لم يكن الخروج خياراً، إنما كان قهراً وإجباراً».
أمام تلك الوقائع، تحضر فرضية تطبيق سيناريو التهجير في مناطق أخرى، ليس حصراً في شمال القطاع أو في غزة عموماً، إنما أيضاً في الضفة الغربية التي تمثّل قلب المشروع الاستيطاني، خصوصاً أن جيش العدو تباهى، أمس، بتمكّنه من تهجير 55 ألف مدني من مخيم جباليا، حيث يمرّ مخطط التهجير في ظل تعمية على أهداف العملية المستمرة. ففيما يزعم جيش العدو أنه لا يطبق «خطة الجنرالات»، فإن صحيفة «يسرائيل هيوم» أكدت، في تقرير نشرته أمس، أن «ما يفعله الجيش في الميدان هو تطبيق فعلي للخطة، وأن الأهداف العسكرية في مخيم جباليا قد تحقّقت، وبقي انتهاء العملية رهناً بالقرار السياسي».
جدير بالذكر أن جيش العدو أخطر أحياء في مدينة بيت لاهيا، أمس، بالإخلاء، لينزح الآلاف من المواطنين تحت القصف المدفعي العنيف إلى غرب المدينة، فيما تؤكد مصادر ميدانية أن عشرات الآلاف من المواطنين يرفضون النزوح.

* الأخبار اللبنانية