متابعات..| تقرير*:

يصرّ التطبيعيون في لبنان والمنطقة على التشكيك في أي جدوى لما اندفعت نحوه المقاومة من فتح جبهة لبنان لدعم وإسناد غزة وشعبها المُقاوم. وأياً تكن نتيجة الصمود وما أنجزته المُقاومة من أهداف وما حققته من مُعادلات سياسية مُعطلة أو معوقة لوصول العدو إلى مراده ومقاصده من الحرب العدوانية التي قرر خوضها، فإن هؤلاء التطبيعيين سيتعمّدون التوهين والاستخفاف بها مُقابل ما سيعمدون إليه من تضخيم الكلفة التدميرية الهائلة والخسائر الكبيرة في الأرواح والاقتصاد. الأمر الذي يهدفون عبره إلى نشر مناخ الإحباط والإحساس بالهزيمة وسوق الرأي العام إلى ما يروّجون له من «تفكير بواقعية» يقود الناس في لبنان والمنطقة إلى إنهاء نهج المقاومة للعدو الصهيوني، وتسهيل الاتجاه والقبول بالحل السياسي التفاوضي الذي يتضمّن اعترافاً بشرعية الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، ومنحه شهادة ثقة بحرصه على إحلال الأمن الإقليمي والتعايش السلمي بين دول المنطقة وشعوبها وعدم التوجس من دوره في تهديد الأمن والسلم المأمولين.

وبناءً عليه، ليس من مُبرر لبقاء مقاومة، وليس من مصلحةٍ في بقاء لبنان مُنفرداً خارج منظومة الدول المطبعة لعلاقاتها مع الكيان، وليس من يعتب أو يلوم لخذلان فلسطين وقضيتها وشعبها، لأن على الجميع أن يُفكروا في مستقبلهم لا أن يبقوا أسارى ذاكراتهم عن الماضي.

إن الترويج لهذا المنحى من الفهم والتوجه السياسي هو الطبق الشهي الذي يُعدّه التطبيعيون لأهلنا الشُرفاء، المُنهكين المُضحين الصابرين، الذين فضلوا خسارة بيوتهم وأرزاقهم ومحالهم وقبلوا تحمّل أعباء الصُمود والنُزوح حتى لا يُسجلوا على أنفسهم في التاريخ أنهم أذعنوا للعدو وقبلوا السُكُوت عن ظلمه وخطره ورضوا منه بالقوة أن يبتزهم بحقهم وكرامتهم، وأن يمد يده بمُوافقة من بعض قصيري النظر ليشاركهم، لا بل ليفرض عليهم، سياسات بلدهم وخياراتهم، وليُحدد لهم مصالحهم الإستراتيجية الراهنة والمُقبلة في مُقابل هؤلاء.

ماذا أعد أهل المُقاومة وداعمو خيارها ونهجها من أجوبة وطروحات تلقف حبال التطبيعيين وسحرهم، وتعزز ثقة الناس بصحة التزامهم بنهج المُقاومة وخيارها، وبأن منطقهم هو الأكثر صوابية وجدوى من منطق المهزومين وفاقدي الحد الأدنى من الكرامة، فضلاً عن العمق والجدية وبُعد النظر، ناهيك بالموضوعية والواقعية؟ أول الكلام هو أن نُثبت الجواب الصحيح لكُل الأسئلة الواردة أدناه:

1- هل من حق الشعب الفلسطيني في غزة وغيرها أن يُقاوم الاحتلال ويتصدى لظلمه وتعسفه؟

2- هل من اعتراض على أصل دعم هذا الحق ومُساندته؟

3- هل من مانع إنساني وأخلاقي يُعيب إعلان موقف ضاغط لإدانة عدوان الاحتلال وانتهاكاته للقانون الدولي والأعراف الإنسانية؟

4- هل إن تفهم تقدير المقاومة في لبنان بأن العدو سيُواصل عدوانه باتجاهها حالما يتمكن من تحقيق أهدافه ضد غزة وشعبها ومقاومتها، هو جائز ومشروع وجدير بالتوقف عنده؟

5- هل تملك حق منع المقاومة من الاحتياط والجهوزية لمُلاقاة التحرك العدواني للاحتلال بإظهار جدية استعدادها من أجل التصدي لعدوان؟
إن المطلوب الإجابة عن هذه العينة من الأسئلة قبل أن ينبري أي صاحب رأي ليُدلي بمُرافعته الاتهامية حول المقاومة أو عنها أو ضدها.

في متطلبات حماية الوطن ليست مُعادلة القوة هي التي تتحكم في النتائج مُنفردة. فطالما غيّرت مُعادلة القيم كل مفاعيل مُعادلة القوة

قد يُقال إن المُقاومة في لبنان هي فريق لبناني ليس من حقه التفرد بأخذ البلاد وفقاً لخياره حتى في التصدي للعدوان دون مُوافقة بقية اللبنانيين. فسنُسارع إلى القول إن إعلان الحرب على العدو هو ما يحتاج إلى مُوافقة الجميع أو الأكثرية من اللبنانيين، لكن الدفاع عن عدوان حتمي الوقوع والاستهداف هو حق مُقدس للفرد وللجماعة وللمُجتمع وللأقلية والأكثرية ولكُل وجود مُستهدف أينما كان وفي ظل أي نظام يسود. وإن المُبادرة إلى قتال العدو الذي يتهيأ معلناً توجهه إليك في موعد يناسبه، هي ليست قرار حرب كما يُراد التلاعب بالوقائع والحقائق، وإنما هي فعل دفاعٍ استباقي لمُلاقاة حرب قررها عدو.

في ضوء ما تقدّم، يُصبح الحوار أو النقاش حول جدوى المُقاومة للعدوان شأناً محكوماً لضوابط وقواعد ومنطق، وليس أمراً مزاجياً توجهه أهواء خاصة ومنافع تبادلية مع الذمم.

أما البكائيات على الدمار والضحايا وتشويه مظاهر الحياة المدنية وتخريب الطبيعة وإلحاق الخسائر بالمصالح الفردية والمُجتمعية والوطنية، فيُمكننا، من موقعنا المُقاوم والمُضحي والشريف، أن نتشارك في ذلك مع فارق أننا في مُقابل كل ذلك وقفنا وقفة عز وبطولة وشرف دفاعاً عن المصالح العليا للبلد وعن كرامته وسيادته وموقعه الإستراتيجي، وصبرنا وضحينا بدمائنا وبشبابنا وبالنزوح لأهلنا من قرانا وبالخسائر التي تحملناها طوعاً لنمنع العدو من أن يتطاول على بلدنا ويفرض شروطه عليه تحت وطأة تهديده بالتدمير والإبادة، وهما جرائم ضد الإنسانية يُعاقب عليهما القانون إن وُجد عدل، وليسا فعل بطولة أو مسار حق نُدعى مع غيرنا إلى مُجاملة المُتورط بهما ومُسايرته على حساب الحق والعقل والمنطق والأعراف والقانون.

إن المقاومين الذين يستشهدون ضد العدو ولا يرفعون الراية البيضاء ولا يضعفون أو يستسلمون لطغيانه وعدوانيته، هم الذين يحفظون الأوطان ويُعيدون بناءها، أما الذين ينصاعون لمنطق العدوان وتحالفاته، فأولئك قد يستطيعون أن يكونوا جزءاً من سلطة لكن القرار الوطني سيكون حُكماً بيد غيرهم ممن أعان العدو ودعمه ليفرض شروط عدوانه على السلطة والبلاد.

في متطلبات حماية الوطن ليست مُعادلة القوة هي التي تتحكم في النتائج مُنفردة. فطالما غيّرت مُعادلة القيم كل مفاعيل مُعادلة القوة؛ أوليس هذا ما عشناه يوم واجهنا اتفاق 17 أيار؟ أوليس هذا ما عشناه في مُواجهة الاحتلال حتى طرده ذليلاً من أرضنا عام 2000؟

أوليست تجارب الشعوب الحرة عبر التاريخ في كل العالم تُؤكد هذه الحقيقة؟ فلماذا يتناسى التطبيعيون كل هذه الأمور ويُصرون على إثارة الغبار بوجه من عنده عيون مُبصرة وقلوب ذات بصيرة.

أم إنه الهروب من ذل العار الذي يتم استشعاره لدى كل من قصّر بحق شعبه فلم يصرخ بوجه عدوه، ولم يترفع عن الحسابات الصغيرة لمصلحة حسابات الوطن. أم إنه العقل الطائفي أو الكياني الوضيع الذي ينزع دوماً نحو احتساب أثر النتائج في معارك الوطن الكبرى، على حصص ومواقع أفرقاء السلطة في معارك تنافسهم الصغرى.

المُقاومة في لبنان أكبر من هذا العقل وأعقل من هذا المُستوى.

* الأخبار اللبنانية| شادي عبد الله