الخسائرُ الاستراتيجية للكيان على الجبهة اللبنانية
متابعات..| تقرير*:
أكّد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن “الحرب هي حرب من يصرخ أولًا ونحن لن نصرخ سنستمر وسنضحي وسنقدم وإن شاء الله تسمعون صراخ العدو..” معلنًا عن مرحلة “إيلام العدو”، حيث انتقلت المقاومة الإسلامية في لبنان مؤخراً من حرب الإسناد، والتي استمرت عامًا من الزمن، إلى حرب الاستنزاف في المرحلة الحالية بطريقة احترافية ومتقنة وفق مبادئ عسكرية، أبرزها “القدرة على المبادرة”، وتنفيذ العمليات المطلوبة لإيلام العدو.
في هذه المرحلة، استطاعت المقاومة إحداث الاختلالات البنيوية التي تؤثر على الوضعية الاستراتيجية العامة للكيان وتحوله من كيان قوي الى آخر ضعيف ومن لاعب قوي إلى هامشي، وذلك من خلال إنزال أكبر قدر من الخسائر وإلحاق أكبر قدر من الأضرار بجيش الاحتلال وقدراته العسكرية، القتالية واللوجستية، والعمل على زيادتها وزيادة أعبائها على الجيش، الحكومة، الاقتصاد وميزانية الكيان الصهيوني.
هذا بالإضافة إلى تكبيد الاقتصاد الإسرائيلي الخسائر والأضرار، المباشرة وغير المباشرة، والعمل على مضاعفتها ومضاعفة أعبائها على الحكومة الإسرائيلية والرأي العام الداخلي، من قبيل تراجع عائدات القطاعات الاقتصادية وهروب الاستثمارات والرساميل إلى خارج الكيان، كما واستهداف الجبهة الداخلية على وجه العموم، والجبهة المعنوية على وجه الخصوص، لإحداث الخلل المطلوب في الأمن القومي الإسرائيلي وفي عمقه الاستراتيجي.
ومن ناحية أخرى، يتم استهداف المستوطنين الإسرائيليين، لاسيما في الشمال والوسط، وربما في الجنوب، عبر الحرب النفسية كما والإعلامية، بصورة تؤدي إلى تثبيط وضرب الروح المعنوية والحالة النفسية، وإثارة وإشاعة الهلع والهستيريا بين الناس، كما وضرب البنية التحتية العسكرية، عبر استهدافها المتكرر والمتواصل، بما فيها الثكنات، المعسكرات، القواعد، المواقع، المنصات، المعدات والآليات.
وفي هذا التقرير، عرض لأبرز الخسائر الإسرائيلية الاستراتيجية، التي تتلخص بالتالي:
– تحوّل دور الجليل من مساحة تحصّن حدود “إسرائيل” إلى مساحة رخوة وضعيفة إستراتيجياً، إذ كان يعتبر بحدّ ذاته أشبه بدولة متكاملة المزايا تقريباً، رافداً اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً كبيراً لإسرائيل.
– كسر المقاومة اللبنانية للاعتبارات الأساسية لضمان الامتداد الجغرافي لـ “إسرائيل”، بالحفاظ على التسلسل الجغرافي لمساحات التوطين، وتثبيت هوية الأراضي، عبر تحويل الجليل لمنطقة قتال عسكرية، وإجبار المستوطنين على النزوح منه، أي خلق حزام أمنى في شمال فلسطين المحتلة، وتهجير أكثر من 80 ألف مستوطن.
– شلّ مساحة عسكرية استراتيجية كبيرة في الشمال بجعلها تحت نيران حزب الله منذ سنة، والتي تتضمن مرتفعات وجبالاً عالية تعطي أفضلية في السيطرة الميدانية والتكتيكية، وتسمح بإنشاء قواعد عسكرية ومراكز اتصالات ومراقبة على القمم، كما تقدّم أفضلية في السيطرة الميدانية والاستخباراتية والتكتيكية.
– ضرب التراث الإسرائيلي والوعي القومي من خلال إفراغ 25 مستوطنة من “سكانها”، والتي تتمتع بمكانة دينية ومركزية في تأسيس “إسرائيل”، باعتبارها موطن قدامى المحاربين والكيبوتسات القديمة التي كانت تعمل على تهريب المهاجرين اليهود من سوريا ولبنان.
– اختراق وتهديد الأمن القومي للكيان بعمق وصل إلى 145 كلم حتّى الضواحي الجنوبيّة لـ “تل أبيب”.
– ارتفاع احتمالية عدم عودة النازحين إلى الجليل مجدداً، إذ كلما طالت مدة النزوح، وجد النازحون مكاناً آخر للاستقرار، وأصبحوا أكثر قدرة على الانتقال والتكيف في مجتمع جديد. وتعززت هذه الفرضية مع عدم قدرة حكومة الاحتلال وأجهزتها على متابعة وتنسيق إقامات النازحين في الفنادق، ما عرّض كثيرين منهم لمشاكل مالية ونفسية واجتماعية، وللطرد من الفنادق التي خُصّصت لاستقبالهم.
– اختراق مثلث الصمود الحديدي (الشعب- الممثلين- قيادة الجبهة الداخلية) بعد من إعلان المقاومة “إنذارات الإخلاء” في الوقت الذي شجعت القيادات المستوطنين على العودة إلى هذه المستوطنات واستكمال التعليم، الأمر الذي يخلّف أزمة ثقة طويلة المدى.
– تحرير الكيان قيادةً وجيشاً وشعباً من عقيدة التفوّق، حيث أجبرتهم المقاومة بعد أيام من بدء العملية البريّة على الاعتراف بأنهم يواجهون عدّواً قوياً ليس فقط بالقدرة على الوقوف بوجه “أقوى جيش في المنطقة”، ولا حتى بالقدرة على تحقيق انتصارات تكتيكية واستراتيجية ضدّه، بل بالقدرة على مواجهة الجيش من نقطة صفر، بعد الضربات التي مني بها منذ تفجيرات البيجر حتى اليوم مروراً باغتيال قادته وعلى رأسهم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ومنعهم بعد 28 يوماً من المواجهات العنيفة من إحكام السيطرة أو احتلال أي قرية بشكل كامل من قرى الحافّة الأماميّة في جنوب لبنان.
– بعد سنوات من بناء الرقابة العسكرية، وخداع المستوطنين بالإنجازات الاسرائيلية المزيفة، أسقطت المقاومة مرجعية الأخبار الإسرائيلية، وجعلت المستوطنين يستبدلونها بالأدوات البينيّة، مقابل دخولهم بمثلث التشكيك، والتساؤل والشبهة حتى بعد نشر الجيش وتصوير إنجازاته الميدانية.
– تعميق الصدع في نظرية الردع الإسرائيلية، بعد فشل الكيان في تحقيق الحسم السريع في العملية البرية في جنوب لبنان بعد شهر من المواجهات العنيفة والدعم الأمريكي والاوروبي الاستخباراتي والعسكري.
– توسيع وترسيخ صورة الاجرام والإرهاب الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي، بعدما فتح جبهة جديدة من القتل العشوائي بحق المدنيين العزل في كافة المناطق اللبنانية، وخاصة استهداف الطواقم الطبية والدفاع المدني والهيئة الصحية، والبلديات، كما والتهديد باستهداف مستشفى الساحل.
– مواجهة الكيان نزيف استراتيجي طويل الأمد على خلفية أعداد القتلى والجرحى الإسرائيليين في الحرب، فبحسب بيانات الجيش الإسرائيلي على موقعه الرسمي، بلغت حصيلة اصاباته منذ بدء الهجوم البري على جنوب لبنان 900 وذلك حتى تاريخ 29-10-2024، فيما أعلن قسم إعادة التأهيل أنه استقبل 12 ألف جريح من الجيش وقوات الأمن منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023، منهم نحو 1500 عسكري جريح أصيبوا مرتين خلال الحرب.
– تغلغل عقدة التهديد الوجودي للكيان الصهيونية، وارتفاع ظاهرة قلق البقاء في العقلية والوعي اليهودي.
إن تداعيات “جبهة الشمال” وما تسببت فيه لا تقتصر على المدى اللحظوي الذي ينتهي بانتهاء الحرب ووقف القتال، ولا على الخسائر الاقتصادية على أهميتها. إن المعضلة الأساسية تكمن بالنزوح وما أحدثه من اختراق للوعي الجمعي لمستوطني الشمال، ولسكان الكيان. وبالتالي، إن تغيّرات استراتيجية على صعيد الديموغرافيا والقوة الاقتصادية والمناعة الوطنية والتركيبة المجتمعية بدأت بالتشكّل، سواء لجهة نظرة الإسرائيلي إلى قيمته الذاتية والوطنية أو ارتباطه بالأرض، أو حتى في جدوى التصدي والتضحية للدفاع عن “حدود إسرائيل”.
* الخنادق