كل ما يجري من حولك

الاحتلال الإسرائيلي جزء من منظومة الاستعمار ’’الأمريكي _ الغربي’’ .. حزب الله يكشف حقائق المواجهات في ميدان المعركة (تفاصيل خطيرة)

26

متابعات /

تُعدّ “إسرائيل” جزءاً من نظرية الاستعمار الحديث للدول الغربية، ليس فقط عبر زرعها جسماً دخيلاً في المنطقة، بل من خلال استغلالها لتحقيق الهيمنة عليها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، بما يتماشى ويتماهى مع أهدافها.

“لو لم تكن هناك إسرائيل، لكنّا عملنا على خلق واحدة”. لم يكن هذا تصريحاً عشوائياً أو غير مدروسٍ للرئيس الأميركي، جو بايدن، في أول تصريحاته بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فهو يحمل بين طيّاته رسالة واضحة إلى العالم بشأن ما تمثّله “إسرائيل” من كيان موجود بالضرورة في منطقة الشرق الأوسط، من أجل المحافظة على مصالح الدول الإمبريالية، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة.

بالعودة إلى أكثر من مئة عام إلى الوراء، لم يكن هناك “دولة” تُدعى “إسرائيل” في الخريطة الجغرافية فعلياً، في حين أنّها أُنشئت بقرار بريطاني – غربي، سعت له لندن، لأسباب استراتيجية، عبر وعد “بلفور” عام 1917، ثمّ من خلال احتلالها الأراضي الفلسطينية عام 1922، برعاية “عصبة الأمم”، التي أوكلت إليها مهمة ما يُسمّى “انتداب” فلسطين.

سهّلت بريطانيا، عبر ذلك، هجرة اليهود وتسليح العصابات الصهيونية ورعايتها حتى تتمكن من ارتكاب المجازر بحق السكان الأصليين وتهجيرهم من أجل الاستيطان فيها، وبعدها إعلان قيام “إسرائيل”، من خلال إضفاء الشرعية على سرقة الأراضي الفلسطينية، عبر اعتراف الأمم المتحدة – المُسيطَر عليها من دول الغرب – بها، في تشرين الثاني/نوفمبر 1947.

هل انتهى الاستعمار الغربي عبر ذلك؟ كلا، بل تغيّر في الشكل فقط لا غير. فبدلاً من أن تكون بريطانيا دولةً مستعمِرةً لفلسطين، عبر احتلال أراضيها ضمن ما كان يُدعى “انتداباً”، تحوّل الأمر إلى استعمار استيطاني – عسكري، عبر كيانٍ يرضخ لإملاءاتها ويحقق مصالحها ويحميها في المنطقة.

بناءً على ذلك، تُعَدّ “إسرائيل” جزءاً من نظرية الاستعمار الحديث للدول الغربية، ليس فقط عبر زرعها جسماً دخيلاً في المنطقة، بل أيضاً من خلال تجيير وجودها لتحقيق الهيمنة عليها، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، على نحو يتماشى ويتماهى مع أهدافها. كيف ذلك؟

تحقيق المصالح.. الولايات المتحدة وبريطانيا مثالاً  
1-  اقتصادياً:
هل فكّرت يوماً لماذا تُسمى دولُ المنطقة دولَ العالم الثالث؟ ولماذا تفتقر إلى أدنى مقوّمات الحياة التي تتمتّع بها دول الغرب؟ من غير المخفي أبداً أنّ هذه الدول تنعم بالراحة والاستقرار، اقتصادياً وأمنياً، على حساب انعدام الراحة والاستقرار في منطقتنا، واستغلال مواردها الطبيعية والسيطرة على الأنظمة الاقتصادية والسياسية، وهذا وجهٌ من وجوه الاستعمار الحديث.

من أبرز أسباب إنشاء كيان الاحتلال عام 1948، هو المحافظة على المصالح الاقتصادية الغربية في المنطقة، عبر الضغط والسيطرة. فقبل 76 عاماً، كُلّفت “إسرائيلُ” المساعدةَ على حماية قناة السويس، وعلى نفط الشرق الأوسط، لمصلحة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. في حين لا يتباين الأمر الآن، بل تطور في الشكل، وامتدّ في العلاقات.

فبعد مرور 76 عاماً، لا تزال “إسرائيل” شريكةً رئيسةً في حماية المصالح الاقتصادية للدول الغربية في المنطقة، ولا تزال تتبادل معها الأرباح والمنافع، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا.

وبدليل الأرقام والوقائع، فإنّ العلاقة الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” ممتدّة وواسعة، بحيث تشمل تكنولوجيا المعلومات، والتكنولوجيا الحيوية، وعلوم الحياة، وحلول الرعاية الصحية، والطاقة، والأدوية، والأغذية والمشروبات، والصناعات الدفاعية، والأمن السيبراني، والطيران، بحسب ما تؤكّد “ورقة وقائع العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة وإسرائيل”، والمنشورة في موقع السفارة الأميركية في كيان الاحتلال.

ليس ذلك فحسب، بل تضم “إسرائيل” أيضاً أكثر من 2500 شركة أميركية توظف نحو 72 ألف إسرائيلي، وفقاً لتقديرات غرفة التجارة الأميركية، بالإضافة إلى أنّه يتمّ الاختراع والتصميم للمكونات الحيوية للمنتوجات الأميركية الرائدة ذات التقنية العالية في “إسرائيل”، الأمر الذي يجعل هذه الشركات أكثر قدرة على المنافسة، وأكثر ربحية على مستوى العالم، بحيث تعدّ “Cisco” و”Intel” و”Motorola” و”Applie” “Materials و”HP” مجرد أمثلة قليلة على ذلك.

من ناحية بريطانيا، حققت العلاقة التجارية بين المملكة المتحدة و”إسرائيل” عوائد لكِلا الاقتصادين، تبلغ قيمتها نحو 7 مليارات جنيه إسترليني (31 مليار شيكل) سنوياً، بحيث يوحد عدد هائل من الشركات البريطانية، التي لديها عمليات كبيرة في “إسرائيل”، في حين أن هناك أكثر من 400 شركة تكنولوجيا إسرائيلية تعمل في المملكة المتحدة، وفق تقرير نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عام 2023.

غير أنّ خريطة الطريق الاقتصادية لعام 2030 مع “إسرائيل” تحتوي على “التزامات مفصلة لتعميق التعاون، بما في ذلك التجارة والإنترنت والعلوم والتكنولوجيا والبحث والتطوير والأمن والصحة والمناخ”، وفقاً للحكومة البريطانية.

2- سياسياً

نظراً إلى هذه المصالح الاقتصادية الهائلة، فإنّ من البديهي، بالنسبة إلى الدول الغربية، تأمين الغطاء السياسي الكامل لـ “إسرائيل”، والتغطية على جرائمها، والسعي لحمايتها، عبر كل الأشكال، منذ نشأتها حتى الآن.

فالحقيقة أنّ “إسرائيل” هي الوحيدة في العالم التي تمتعت بأكبر قدر من قرارات “الفيتو” لتعطيل الإجراءات الدولية، التي صدرت بحقها في الأمم المتحدة، التي يظهر انحيازها الواضح وازدواجية معاييرها حينما تكون القضية متعلقة بمنطقتناـ فهي (الأمم المتحدة)، تُعَدّ أداةً في أيدي الدول الغربية المتسعمِرة من أجل سلب حقوقنا وحرياتنا وسرقتها عبر كذبة القوانين والمواثيق الدولية، التي وضعتها هي.

ولتأمين استقرارها أيضاً، سعت الدول الغربية لإبرام اتفاقيات تطبيع بين “إسرائيل” والدول العربية في مقابل محافظة هذه الأنظمة على عروشها، وبالتالي درء الخطر عن “إسرائيل”، بل حتى باتت هذه الدول تساعد على حماية الكيان ومصالحه، بدءاً باتفاقية “كامب ديفيد” مع مصر، مروراً باتفاقية “وادي عربة” مع الأردن، واتفاقية “أوسلو”، وصولاً إلى ما يُسمّى اتفاقيات “أبراهام” في عام 2020.

3- عسكرياً
وبالتوازي مع ذلك، تلتزم الدول الغربية تقديم مساعدات عسكرية وتمويل سنوي إلى “إسرائيل”، بحيث ترتكز العلاقات الأميركية الإسرائيلية وحدها، على سبيل المثال، على ما يزيد على 3 مليارات دولار من التمويل العسكري سنوياً.

وبالإضافة إلى الدعم المالي، تشارك الولايات المتحدة في مستوى عالٍ من التبادلات مع “إسرائيل”، بما في ذلك التدريبات العسكرية المشتركة والأبحاث العسكرية وتطوير الأسلحة.

وتُعَدّ “إسرائيل” بين قائمة قصيرة من “الحلفاء الرئيسين من خارج الناتو”، والتي تتمتع بامتياز الوصول إلى المنصات والتقنيات العسكرية الأميركية الأكثر تقدماً.

وعلى مدى أعوام أيضاً، قامت المملكة المتحدة و”إسرائيل” بتعزيز التعاون العسكري في عدة مجالات، بما في ذلك تكنولوجيا الطائرات من دون طيار، والدفاع الصاروخي، والأمن السيبراني، والتدريب العسكري المشترك، وتعزيز العلاقات الاستخبارية

وبحسب وثيقة مُسرّبة كشفها موقع “ديكلاسيفايد”، مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، فإنّ المملكة المتحدة طورت سراً خطة دفاعية مع “إسرائيل”، أُطلق عليها اسم “HEZUK”، لمواجهة “النشاط الإقليمي المزعزع للاستقرار لإيران وحزب الله”.

تضم “HEZUK” مجالات رئيسة للتعاون، من أبرزها زيادة التبادلات الإستراتيجية والتعاون في صناعة الدفاع والتخطيط العسكري المشترك والوصول إلى أذونات التحليق، إذ يوضح العرض المسرب كيفية تعاون المملكة المتحدة و”إسرائيل” في إدارة المجال الجوي، الأمر الذي يسمح للطائرات البريطانية والإسرائيلية بالعمل عبر المناطق الرئيسة للقيام بمهمّات مشتركة وعمليات استخبارية.

وأظهرت هذه الاكتشافات، وفق الموقع، أنّ “العلاقة الدفاعية بين المملكة المتحدة وإسرائيل أعمق مما كان مفهوماً في السابق”، إذ تقدّم الوثيقة دليلاً على الاهتمام المشترك بالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والذخائر، وأنظمة الدفاع الفضائية، وتقنيات الحرب المستقلة، والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وتشير أيضاً إلى أنّ هذه الأنظمة “تم اختبارها في سيناريوهات الصراع في العالم الحقيقي”، ولاسيما في العدوان على قطاع غزة.

اقرأ أيضاً: التعاون الاستخباري بين “إسرائيل” والدول الغربية.. من المسيّرة إلى تحليل البيانات
4- إعلامياً
وكي يكتمل الطوق الاستعماري، أرفق الغرب كل خطواته هذه بـ”بروباغندا” مدروسة لطمس القضية الفلسطينية وشرعنة وجود “إسرائيل” وكل ما تقوم به من جرائم، عبر الدعايات الإعلامية التي تروج الرؤية الغربية – الإسرائيلية.

وبحسب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فإنّ هذه “البروباغندا” ترتكز على عدة أمور، منها “نزع الشرعية عن الفلسطينيين ومعاملتهم كشعب خيالي لم يشكل قطُّ مجموعة قومية متميزة، أو كانت له دولته الخاصة في التاريخ”، بالإضافة إلى “تشويه سمعة الفلسطينيين وعدّهم إرهابيين عنيفين ومثيري كراهية معادين للسامية”.

يُضاف إلى ذلك “جعلُ الديمقراطية عنصراً مركزياً في تصور إسرائيل لنفسها كونها المجتمع التعددي الوحيد في الشرق الأوسط، والحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في المنطقة، وحامي المصالح الغربية، وشريكها في مكافحة الإرهاب”.

طوفان يهز أركان الاستعمار
كان كل ذلك يحدث لأكثر من 7 عقود على مرأى ومسمع من العالم، وخصوصاً دول المنطقة، التي رضخت للاستعمار والهيمنة وسرقة مواردها ومصادرة قراراتها – ما خلا حركات المقاومة – إلى أن أتى “طوفان الأقصى”، وما بعده من فتح جبهات الإسناد من لبنان حتى إيران والعراق وسوريا واليمن، وهزّ العرش الغربي – الأميركي المتمثل بـ”إسرائيل”، التي أصبحت مُحاصرة من مختلف الجهات.

ما جرى في الـ7 من أكتوبر، من نسف لصورة “إسرائيل” في المنطقة، والتي عملت على تشكيلها الدول الغربية على مدى أعوام خلت، لم يهدّد وجود كيان الاحتلال فحسب، بل هدّد أيضاً مصالح الدول الغربية الاستراتيجية، كما هدد وجودها ومكمن قوتها في المنطقة، بحيث تعرّضت القواعد الأميركية وانتشار جنودها، ولا تزال تتعرض، لاستهدافات متكررة.

وهذا ما أكّده بنيامين نتنياهو أمام “الكونغرس” الأميركي، في تموز/يوليو الفائت، بحيث قال إنّ “الولايات المتحدة وإسرائيل في حاجة إلى الوقوف معاً في مكافحة العدوان الإيراني”، وإنّ “إسرائيل تحمي المصالح الأميركية”، معلناً، بصوت عالٍ: “امنحونا الأدوات بصورة أسرع وسننجز المهمة”.

تبعاً لذلك، رأينا ونرى، منذ أكثر من عام، الدعم، سياسياً وعسكرياً ومالياً، والتغطية الإعلامية والشراكة مع ـ”إسرائيل”، من جانب الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا.

لقد أمّنت الولايات المتحدة وبريطانيا لـ”إسرائيل”، بمساعدة قواعدهما الموجودة في المنطقة، كل ما تحتاج إليه من أسلحة ومعلومات استخبارية وغطاء سياسي في المحافل الدولية، من أجل استكمال حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، والآن في لبنان، بمشاركة غيرها من الدول الغربية، بالتوازي مع دعاية إعلامية – غربية ضخمة، على نحو يؤكّد مسؤولية واشنطن عن سفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، بأداةٍ تُدعى “إسرائيل”.

كما شكّلت واشنطن تحالفاً دولياً في البحر الأحمر، أطلقت عليه اسم “حارس الازدهار”، دخلت فيه المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا وبلجيكا والدنمارك وإيطاليا، من أجل مواجهة إغلاق القوات المسلحة اليمنية البحرين الأحمر والعربي أمام السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال، ضمن جبهة الإسناد لقطاع غزة. وتم ذلك لأنّ مصالح هذه الدول، عبر الممرات البحرية، تعرضت للخطر الفعلي، فما يقرب من 40% من تجارة الاتحاد الأوروبي مع دول آسيا والشرق الأوسط تمر عبر البحر الأحمر، مع العلم بأنّ هذا التحالف فشل في منع اليمن من استهداف السفن الأميركية والبريطانية.

كل ذلك إن دلّ على شيء، فهو يدل على أنّ المعركة التي يخوضها محور المقاومة حالياً هي ليست معركة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي منفرداً، بل أيضاً ضد الولايات المتحدة وبريطانيا وأتباعهما، وضد السياسات الاستعمارية الإمبريالية، ضمن مشروع دحر الاحتلال والتحرر والاستقلال الحقيقي، وليس الصوري. وكما قال شهيدنا الأسمى والأقدس، السيد حسن نصر الله، في أوّل خطاب له بعد الطوفان، للأميركيين: “ستكون مصالحكم وجنودكم الضحية والخاسر الأكبر في حال أي حرب إقليمية”.

المصدر / الميادين

You might also like