إسرائيلُ بلا استراتيجية.. و«حزب الله» يتكيّف.. وهذه هي النتيجة النهائية للمعركة
متابعات| تقرير*:
تتفاوت التقارير الغربية في مقاربة التطورات اللبنانية، بين من يرى، من باب المبالغة، أن الحملة الإسرائيلية على هذا البلد، قد أوقعت «حزب الله» في «حالة من الفوضى»، وبين من يؤكّـد احتفاظ الحزب حتى اللحظة بأوراق قوة مختلفة، سواء على المستوى التسليحي، وفي مقدّمها «مخزوناته الضخمة من الأسلحة»، أَو على المستويين التنظيمي والتكتيكي لناحية «تاريخه الطويل في التكيّف مع الضرورات التي تمليها محاربة الجيش الإسرائيلي الأكثر تقدّماً على الصعيد التكنولوجي».
تباين تقديرات:
يزعم أُستاذ العلوم السياسية في «الجامعة الأمريكية في بيروت»، هلال خشّان، في حديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، أنّ إسرائيل قد تمكّنت من «تعطيل قدرات التنظيم سواء لجهة التواصل أَو لجهة تنسيق (الهجمات) الانتقامية ضدها»، وأنّ الحزب «لم تعد لديه خيارات بعدما أصبح بلا رأس، وفي ظل حالة من البلبلة التنظيمية على صعيد الهيكلية القيادية، وتوزيع الملفات».
وفي المقابل، يستبعد المحاضر في «جامعة لوزان» السويسرية، جوزيف ضاهر، أن يوافق «حزب الله» على فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، أَو إبعاد قواته عن الحدود، وإن نجحت تل أبيب في «زيادة الضغوط بشكل كبير» عليه، مستدركاً أنه «حتى الآن على الأقل، لا يبدو أن حزب الله قد غيّر استراتيجيته، وذلك في إطار محاولته تجنب الحرب الشاملة التي قد تسبب أضراراً عميقة للتنظيم وللبنان على حَــدّ سواء، إذ يحافظ على نهجه المتمثل في شن ردود أفعال مدروسة، وذات وتيرة منضبطة إلى حَــدّ ما، على الرغم من تكثيف هجماته ضد إسرائيل خلال نهاية الأسبوع الفائت».
واشنطن وحسابات تل أبيب:
تعرج الصحيفة نفسها على التذبذب المزمن في سياسة واشنطن الإسرائيلية، بين جانب معلن لا يبخل في كيل عبارات الدعم لتل أبيب، وآخرها ما جاء على لسان المتحدّث باسم «البنتاغون»، باتريك رايدر، حين أكّـد، في مؤتمر صحافي أن بلاده سوف ترسل «عدداً صغيراً من العسكريين الأمريكيين الإضافيين» إلى الشرق الأوسط في ضوء ما سمّاه «التوترات المتزايدة» في المنطقة، وبين جانب خفيّ، يعبق بتعابير الانزعَـاج، بشكل أَو بآخر، من نهج رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو.
وتنقل «نيويورك تايمز» عن مساعدين للرئيس الأمريكي، جو بايدن، قولهم إنّ الأخير «بدأ، وبكل بساطة، يعترف بأن الوقت ينفد أمامه، مع بقاء أربعة أشهر فقط متبقية له في منصبه، فيما تبدو فرص التوصل إلى اتّفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى مع حماس أضعف من أي وقت مضى، بالتزامن مع تصاعد خطر اندلاع حرب أوسع نطاقاً أكبر من أي وقت مضى».
وتشير الصحيفة إلى أنّ بايدن يأمل في تلافي أي توسع للحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، إضافة إلى رغبته في التوصل إلى صفقة تعترف بموجبها السعوديّة بإسرائيل، على أن توافق الأخيرة بدورها على حَـلّ الدولتين، كاشفة أنّ «العديد من أعضاء فريق الأمن القومي للبيت الأبيض لا يتورعون عن إخفاء استيائهم من (سياسات) رئيس الوزراء (الإسرائيلي)، وعن الحديث عن المبارزات الهاتفية الصاخبة التي يخوضها بايدن مراراً مع نتنياهو، أَو عن الزيارات الخائبة التي لطالما قام بها وزير خارجيته، أنتوني بلينكن، إلى القدس والتي كان يحصل خلالها على ضمانات خَاصَّة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقط ليشاهد الأخير وهو ينقضها بعد ساعات قليلة».
في ضوء ما سبق، يتساءل هؤلاء عمّا إذَا كان إصرار نتنياهو على فرض شروط تعرقل فرص التوصل إلى اتّفاق مع «حماس»، يرجع إلى رغبته في «الحفاظ على ائتلافه الحكومي الهش»، أَو «البقاء على رأس الحكم لتلافي المحاكمة»، مؤكّـدين أن عدم إعلان البيت الأبيض في الآونة الأخيرة عن أي اتصال هاتفي مباشر بين بايدن ونتنياهو يُعتبر «بمثابة إشارة إلى قلة المواضيع التي يمكن أن يتحادثا بشأنها».
ويعتقد الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، دينيس روس، المفاوض المخضرم في الشرق الأوسط، أنّ «جزءاً من المشكلة يكمن في أنّ كلّاً من نتنياهو وبايدن لم يتفقا قط في شأن أهدافهما النهائية»، ذلك أنّ الأول يتمسك بقدرة قواته على القضاء على كُـلّ تهديد وجودي لإسرائيل، بينما يتمسك الثاني بتحقيق اتّفاق سلام بين العرب وإسرائيل.
ويعيب الباحث في «معهد واشنطن» على الاستراتيجية الإسرائيلية المتّبعة حَـاليًّا في لبنان، أنها تفتقر إلى عنصر «المواءمة بين الأهداف والوسائل»، مستبعداً أن تنجح تلك الاستراتيجية في إجبار «حزب الله» وداعميه الإيرانيين على التنازل، من خلال تدفيعهم «ثمناً باهظاً».
بين حزب الله وإسرائيل:
بدورها، تلفت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أنّ تصريحات قيادات كُـلّ من إسرائيل و«حزب الله» خلال الأيّام الماضية، على غرار توعّد نتنياهو بـ«تغيير ميزان القوى في الشمال»، وما قابلها من تعهّد نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، ببدء «معركة حساب مفتوح»، أوحت بأن «طبيعة الصراع بينهما قد تغيّرت».
وبحسب المحلل في «مجموعة الأزمات الدولية»، ديفيد وود، فهي عكست «استعدادهما، ولا سيما إسرائيل، لإيقاع خسائر في صفوف المدنيين».
وينبّه وود إلى أنّه «وعلى الرغم من أن توسع القتال على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، ليس أمراً جديدًا، فإن معدل التوسع الحاصل حَـاليًّا مثير للقلق بالفعل، وقد يستحيل حرباً واسعة النطاق إذَا ما استمرت الضربات بهذه الحدة».
أما مجلة «فورين بوليسي»، فتعتبر أنّ «مثل هذه الحرب سوف تكون مدمّـرة لكل من إسرائيل ولبنان، وقد لا تغيّر المعادلة الاستراتيجية جذرياً على الرغم من التكلفة العالية التي قد تفرضها»، ولا سيما من قبل «حزب الله» الذي يمتلك ترسانة صاروخية كبيرة، وقادرة على ضرب أهداف في مختلف أنحاء إسرائيل.
وتشرح المجلة أنّه «حتى في حال تكبّد حزب الله خسائر كبيرة، فإن الجماعة بما لديها من قاعدة واسعة من المناصرين في لبنان، ولما تحظى به من مساعدة من قبل إيران، قد تتمكّن من إعادة بناء قواتها في غضون بضعة أعوام، لتعود وتشكل تهديداً كَبيراً لإسرائيل».
وتتابع أنّ «الأمر الأكثر إثارة للقلق هو احتمال عدم تفكير القادة الإسرائيليين إطلاقاً في (التداعيات المحتملة) على المدى البعيد»، وأنّ «الضغط المُستمرّ على حزب الله قد يؤدي إلى دوامة تصعيدية، يندم عليها الإسرائيليون في نهاية المطاف».
* الأخبار البيروتية