كل ما يجري من حولك

صحيفة عربية: أمريكا لا تملكُ خياراً أمام اليمنيين فلتبتلِعِ «الهزيمةَ الصامتة»

«الهزيمةُ الصامتةُ» في اليمن [2/1]: أمريكا لا تملك خياراً في اليمن

140

متابعات| تقرير*:

يحتار الغرب في توصيف الحالة المزرية التي وصلت إليها مهام تحالف «حارس الازدهار» الأمريكي – البريطاني وبعثة «أسبيدس» الأُورُوبية، في البحر الأحمر، حَيثُ ينشغل أصحاب القرار العسكري والسياسي ووسائل الإعلام ومعاهد الدراسات بتقييم وضع قوات بلدانهم على ضوء فشل التحالفين. ويكاد الغرب كلّه ينكبّ حَـاليًّا على دراسة الوضع غير المسبوق منذ «مئات السنين»، والمتمثل في فقدان السيطرة على أهم المعابر البحرية في العالم، وأثر ذلك على بقية بؤر الصراع، وهو وضع يضع أكبر تحالف عسكري في التاريخ (الناتو) على المحك، في ظل الأفق المسدود للمعركة وندرة الخيارات المتوفرة وكلفتها المرهقة. على أنه ليس أمام الإدارة الأمريكية الحالية وحلفائها في الغرب وفي منطقة غرب آسيا، سوى تكرار البرامج السابقة مع علمها بعدم جدواها، بعدما جرّبت كُـلّ ما هو متاح لها. وإزاء العجز عن تحقيق الأهداف المعلنة، ردّ متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي على الانتقادات الداخلية للإخفاق الأمريكي في البحر الأحمر، بالقول إن الولايات المتحدة فعّلت نهجاً حكومياً كاملاً رداً على حركة «أنصار الله»، بما في ذلك العقوبات وإدراجها كمنظمة «إرهابية» عالمية محدّدة بشكل خاص. وهذا إن دلّ على شيء، فَــإنَّما يدلّ على أن ما تبقّى من وقت للإدارة الحالية لا يتّسع سوى للحفاظ على الوضعية الراهنة وترك معالجة الأمر للإدارة المقبلة، بحسب ما ذكرته وكالة «بلومبرغ»، التي رأت أن «من يتولّى الرئاسة الأمريكية عام 2025 سوف يضطر إلى مواجهة حقيقة مفادها أن أمريكا خسرت في البحر الأحمر، مع كُـلّ العواقب العالمية التي قد تترتب على ذلك».

وعليه، يقف الغرب مذهولاً أمام «الهزيمة الصامتة»، وفق توصيف الإعلام الغربي نفسه لما تتعرض له الولايات المتحدة وحلف «الناتو». ولعلّ ما يفاقم ذلك الذهول، هوية الخصم غير المتوقع، والذي لم تخطر مواجهته في يوم من الأيّام في بال أي من الدول «العظمى» أَو القادة السياسيين لديها، أَو أجهزة استخباراتها التي تتفوّق بالنفوذ والمعلومات والاختراق والتجنيد، ولديها قدرة على التقدير والاستشراف والتخطيط لمديات طويلة. كما أن العدوّ يأتي هذه المرة من خارج التهديدات الجيوسياسية، وفي وقت حسّاس يخوض الغرب فيه حروبه ضد روسيا والصين وإيران وفي أماكن أُخرى في العالم. والمفارقة هنا، كون هذا العدوّ جماعة مسلحة محاصرة من جميع الجهات في أقصى الشمال اليمني، تحوّلت إلى دولة قوية في وقت قياسي لم يمكّن أجهزة الاستخبارات من اللحاق بها، ففاجأت الغرب المهيمن على المعابر المائية في العالم، مشكّلةً تهديداً للأمن العالمي، وهو ما عبّرت عنه وكالة «بلومبرغ» بالقول إن «العام الماضي كان مليئاً بالمفاجآت، وأكبرها نجاح الحوثيين، الذين لم يسمع بهم معظم الأمريكيين من قبل، في هزيمة قوة عظمى، في أخطر تحدٍّ لحرية الملاحة البحرية منذ عقود». ولعل أكثر ما يغيظ الغرب، التكلفة الزهيدة للمعدات اليمنية المصنّعة محلياً مقابل التكلفة الباهظة جِـدًّا للمضادات الجوية، ولا سيما أن «البنتاغون» أعلن أن «تكلفة الدفاعات الجوية في البحر الأحمر مليار وستة عشر مليون دولار».

اعتراف غربي بأن الهجمات في البحر الأحمر تؤسّس لعالم ما بعد الهيمية الأمريكية

والأخطر أن ذلك الفشل ستكون له تداعيات على الدور الأمريكي في العالم، وخُصُوصاً لدى حلفاء واشنطن الذين بدأوا يتطلّعون إلى أخذ مسافة منها، ولا سيما في منطقة غرب آسيا والقرن الأفريقي، في ظل استبعاد أن تتمكّن البحرية الأمريكية والحلفاء الأُورُوبيون من التوصل إلى حَـلّ عسكري حاسم للقضاء على هجمات الصواريخ والمسيّرات اليمنية. وهذا ما عبر عنه موقع «هماكوم» الإخباري الإسرائيلي، حين قال إن «الولايات المتحدة لم تتمكّن من هزيمة الحوثيين، وفشلها في البحر الأحمر يكشف حدود الهيمنة الأمريكية في عالم اليوم، والأداء الضعيف للأساطيل الغربية». والواقع أن الغرب يخرج، في الوقت الراهن، من حالة الإنكار إلى الاعتراف بالفشل، واعتبار الهجمات في البحر الأحمر أحداثاً تاريخية مؤسّسة لعالم ما بعد الهيمنة الأمريكية.

يأتي ذلك فيما لا يزال المسؤولون الأمريكيون يتوافدون لزيارة حاملة الطائرات «آيزنهاور» في محطة نورفولك في فيرجينيا، حَيثُ يروي الضباط والجنود قصصاً وحكايات عن أَيَّـام الرعب وليالي الخوف، وشدّ الأعصاب. وكتب موقع «ذا وور زون» العسكري الأمريكي أن «آيزنهاور عادت أخيرًا من عملية البحر الأحمر، والتي انتهى بها الأمر إلى أن تكون واحدة من أخطر وأكثر العمليات إرهاقاً التي شهدتها الخدمة البحرية الأمريكية منذ الحرب الكورية». ونقل الموقع عن قائد «آيزنهاور» القول إن «مواجهة الصواريخ الباليستية المضادة للسفن من اليمن، ستكون من ضمن الدروس للبحرية الأمريكية للعمل على تطبيقها على المعارك المستقبلية».

وفي سياق معاينة وقائع «المعاناة» نفسها، زار وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، القاعدة البحرية في بورتسموث منذ أَيَّـام قليلة، بعد مرور شهرين على عودة المدمّـرة الدفاعية الجوية «دايموند» بعد الإبحار لمسافة 44 ألف ميل تقريبًا، وقضاء 151 يوماً في البحر لحماية ممرات الشحن الدولية الحيوية ومواجهة تهديدات «أنصار الله». ووصف هيلي ما حقّقته المدمّـرة بأنه «تاريخي بإسقاطها سبع مسيّرات يمنية»؛ لكن «البطولة»، حسب تعبير الوزير، ادِّعاء فارغ، إذ إن ثمن الطائرة اليمنية الواحدة 2000 دولار. وفي الوقت نفسه، أقرّ هيلي بأن ما حدث للمدمّـرة في البحر الأحمر شكّل أكبر تهديد جوي في العصر الحديث.

* الأخبار البيروتية

You might also like