خِبرةُ المقاومة تتكثّـفُ في «نتساريم».. من القناص الفردِ إلى جيش القنَّاصين
متابعات| تقرير*:
حينما كان يظهر القناصة في العروض العسكرية لفصائل المقاومة في قطاع غزة في سنوات ما قبل (طوفان الأقصى)، لم يكن ثمة ما يشير إلى أن هؤلاء الذين يحملون أسلحة يناهز طولها المترين، سيشكّلون فارقاً في المشهد الميداني في حرب بهذا الحجم.
لكن، أمس، أقرّت صحيفة «إسرائيل اليوم»، في صفحتها الرئيسية، بأن قناصة حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» يشكّلون الخطر الأكبر على القوات الإسرائيلية العاملة داخل القطاع.
منذ بداية «انتفاضة الأقصى» الثانية، حُصر سلاح القناصة في حالات فردية أثبتت براعتها في القنص.
وربما امتلكت كُـلّ من «سرايا القدس» و«كتائب القسام» عنصراً واحداً يمثّل طفرة أَو موهبة فريدة، بوسعه تنفيذ عمليات القنص، بما هو متوفر من أسلحة روسية، مثل بندقية «الدراغينوف» التي دخلت الخدمة في عام 1967، أَو بندقية «الناتو» الأميركية، علماً أنه لم تكن تلك البنادق ولا رصاصاتها حاضرة بوفرة.
ويذكر أحد المقاومين أن بندقية القنص الواحدة كانت تطوف عدداً من الفصائل في الشهر الواحد، وأن ثمن الرصاصة الواحدة كان يصل أحياناً إلى 70 دولاراً.
وقد أَدَّى هذا الشحّ اللوجستي إلى تحجيم الخبرات البشرية في حدود ما هو متوفّر.
وهكذا، بقيت مهمات القنص حتى عام 2008 تُوكل إلى ذلك الشخص/ الطفرة، الذي يُحسن استخدام نوع واحد من السلاح، لا يتجاوز مداه القاتل كيلومتراً واحداً، وعيار طلقته 7. 62 ملم.
أما نقطة التحوّل التي انتقلت بمهمات القنص الفردية، إلى تخصّص قتالي واسع، افتُتحت لأجله أكاديميات عسكرية، وخضع المقاتلون في إطاره لاختبارات عسكرية طويلة لانتقاء من يصلح للعمل فيه، فكانت وصول قطعة بندقية «شتاير إتش إس 50» النمسَوية التي دخلت الخدمة عام 2004، وفرضت عليها الولايات المتحدة حظر بيع في سوق السلاح الدولية، كي لا تصل نسخة منها إلى الجمهورية الإسلامية في إيران.
لكنّ الأخيرة، وفق ما يقوله مصدر في المقاومة، حصلت على قطعة منها بعد عام واحد من طرحها، واستنسختها بالهندسة العكسية، وطوّرتها، ثم أدخلتها مرحلة الإنتاج الوافر وحملت اسم «شاهر».
وهكذا، وصلت إلى غزة في صيف عام 2008.
وفيما كانت القطعة النمسَوية التي تطلق رصاصاً من عيار 12.
7 ملم بمدى قاتل يصل إلى 1500 متر، طُوّرت «شاهر» الإيرانية لتطلق رصاصاً بعيار 14.
5 ملم وبمدى قاتل يصل إلى 4000 متر.
أما النسخة القسّامية المحلية منها، فحملت اسم «الغول»، وهي تطلق رصاصاً بعيار 14.
5 ملم بمدى فعّال وقاتل يصل إلى 2000 متر.
سلاح القنّاصة في غزة ليس عرضة للاستنزاف، فالبندقية الإيرانية متوفّرة والرصاص يُصنع محلياً
بيت القصيد في كُـلّ ما سلف ذكره، أن أسلحة القنص لم تعد نادرة، ولم يعد رصاصها عزيزاً، بل أضحت متوفّرة لدى كُـلّ فصائل المقاومة، وصار بالإمْكَان إنشاء تخصّص عسكري كامل يجيد استخدام أفضل قطع السلاح في العالم، وأكثرها ملائِمة لبيئة القطاع، تلك التي يصنعها المقاتلون بأيديهم، ويجيدون التعامل معها باحتراف.
وظهرت هذه الوفرة البشرية في القناصين والسلاح خلال (طوفان الأقصى) كما لم تظهر من قبل، حَيثُ لم يخلُ أسبوع واحد من أسابيع الحرب الـ 44 من تنفيذ عملية قنص واحدة على الأقل، بل إن بداية عملية (طوفان الأقصى)، انطلقت من سلاح القنص الذي استهدفت رصاصاته الدقيقة كاميرات المراقبة وأبطلت عمل الرشاشات الإلكترونية على طول السياج الفاصل خلال دقائق.
ولعل أكثر ما يقلق جيش العدوّ من هذا السلاح، هو استحالة تعرّضه للاستنزاف، حَيثُ الرصاص يُصنع محليًّا، والقناصة الذين تخرّجوا من الأكاديميات العسكرية وأطلقوا طوال عشر سنين مئات الطلقات، جاهزون دائماً، كما أن عملية القنص ليست بحاجة إلى أكثر من رامٍ ماهر ورصاصة.
أما المدى، فَــإنَّ شعاع الإصابة الذي توفّره القطعة الإيرانية يبلغ 4 كيلومترات، هي عمق محور «نتساريم» من آخر احتكاك عمراني في حي الزيتون إلى الحاجز المستحدث، ما يعني أن جنود الاحتلال الذين ستقرّر عنهم القيادة السياسية البقاء في غزة، سيكونون بطاً في ميدان رماية لا ينفد رصاصه ولا يكلّ قنّاصته.
* الأخبار اللبنانية