كل ما يجري من حولك

توسيعُ رقعة الموت العشوائي: العدوّ يبتزّ المقاومة بأهلها

75

متابعات| تقرير*:

يمارس الاحتلال، في هذه المرحلة من عمر الحرب على قطاع غزة، أعلى مستويات الضغط العسكري والسياسي والنفسي، والذي لا يستثني أحداً.

أول من، أمس، حاصرت الدبابات وطائرات الـ«كوادكابتر» تجمّعاً بشرياً كَبيراً في منطقة أصداء، شمال غرب مدينة خانيونس، التي تؤوي أكثر من 300 ألف فلسطيني، وشرعت في إطلاق الرصاص والقذائف بشكل جنوني.

خلّف ذلك مشهداً هوليودياً لا يمكن وصفه بالكلمات: الآلاف من الأطفال والنساء دأسوأ على رؤوس بعضهم البعض، وهم يحاولون النجاة بأنفسهم من النار التي لاحقتهم من كُـلّ جانب؛ والأسر الغزاوية، المعروفة بتماسكها، نسيت كبار سنّ لا يستطيعون إعالة أنفسهم في الخيام التي كان يخترقها الرصاص، ولم يجد البعض مفرّاً من العودة إلى حملهم على الأكتاف، ولكن إلى المجهول.

من استطاع الهرب، أدرك بعدما أصبح بعيدًا عن مسرح الموت العشوائي، أنه ترك هناك خيمته وأمواله وملابسه، وأن لا شيء أمامه سوى الشوارع والعراء.

وفي منتصف الليل، كرّر جيش الاحتلال الفعلة ذاتها في منطقة القرارة شرق خانيونس، حَيثُ أضرم بالقذائف والرصاص النار في الخيام التي كان النازحون فيها نياماً، ليهرب الناس من خيامهم المشتعلة بينما النار تلتهم أجسادهم.

وفي المنطقة الوسطى، وسّع العدوّ إنذاره بالإخلاء المتزامن ليشمل مناطق واسعة، وكثّـف قصفه الجوي والمدفعي على مدينة دير البلح التي تزدحم بأكثر من مليون نازح.

وتزامن كُـلّ ما تقدم، مع إطلاق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، النار على «جثة» المفاوضات التي انطلقت ميتة، إذ أعلن أنه لن ينسحب من محورَي «فيلادلفيا» و«نتساريم»، واعتبرهما «أصولاً سياسية وأمنية» لدولة الاحتلال لا يمكن التنازل عنها مهما بلغ حجم الضغوط، وذلك بعدما أعلن جيش الاحتلال نجاحه في استعادة جثامين ستة من مستوطنيه الأسرى، خلال عملية أمنية في منطقة خانيونس.

وأثارت تلك الخطوات المتزامنة، والتي وضعت المقاومة والأهالي النازحين، في مقابل أشد مراحل الضغط منذ بداية الحرب، تساؤلات عن الأهداف الإسرائيلية من ورائها، ربما تحتمل الإجابات الآتية:

– تريد دولة الاحتلال من خلال تلك القفزات المتتالية دفع حركة «حماس» إلى رفع الراية البيضاء، إذ تبنّى نتنياهو من إخلال إعلانه أنه أبلغ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بأنه سيواصل الحرب حتى القضاء على «حماس»، ما عبّر عنه في وقت سابق وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي قال: «سنواصل الحرب حتى تركيع حماس».

يراهن نتنياهو على صناعة رأي فلسطيني غزاوي يطالب بواقعية أكبر إزاء مرحلة الاستعصاء التفاوضي الحالي

– تسعى دولة الاحتلال إلى القفز على مرحلة انتظار الرد الحتمي من قبل إيران ومحور المقاومة على اغتيال القائدين الشهيدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر وقصف ميناء الحديدة، إلى إخفاء هواجسها وخوفها، من خلال نقل الإحباط إلى بيئة الطرف الخصم.

وهذا البعد النفسي مهمٌّ لأبطال مفاعيل الترهيب الذي تمارسه إيران ومعها «حزب الله»، بما يبديانه من نفَس طويل.

– يراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي على صناعة رأي فلسطيني غزاوي يطالب بواقعية أكبر إزاء مرحلة الاستعصاء التفاوضي الحالية، مِن مثل: «وافِق على أي صفقة تعيد النازحين إلى شمال القطاع، ثم اترك النقاط الخلافية إلى مرحلة أُخرى»، فيما ترى المقاومة أن «أيّ تنازل يمكن أن يُقدّم في هذا المرحلة هو إذعان لوقائع مستدامة، لن يتخلّص الغزاويون من تبعاتها لعشرات السنين».

بأيّ حال، يمكن القول إن الحرب التي تقترب من إنهاء عام كامل، وهي وصلت إلى مرحلة الحصاد، حَيثُ يلقي جيش الاحتلال بكل أوراق الضغط التي يمتلكها في غزة، آملاً الوصول إلى الحسم الناجز، قبل أن ينتقل الصراع إلى مستوى إقليمي، ستصبح غزة هامشاً على متنه.

وهنا، تدرك المقاومة أن أي تنازل على طاولة المفاوضات، وبضغط الأمر الواقع، لن يكون سوى الهزيمة، وإن اختلفت طريقة عرضها ومبرّرات القبول بها.

* الأخبار البيروتية

You might also like