كل ما يجري من حولك

تلويحٌ متجدّدٌ بـ«الردع النووي»: إيران.. عينٌ على الردّ وأُخرى على المفاوضات

169

متابعات| تقرير*:

مع مرور أكثر من أسبوعين على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في طهران، لا يزال الردّ الإيراني المرتقب على الحادثة، بشكله وزمانه، يشكّل موضوعاً أول في الأوساط السياسية والإعلامية في إيران، ومثاراً لتكهنات ووجهات نظر مختلفة، على رغم تصدّر التطوّرات المتعلّقة بتشكيل الحكومة الجديدة المشهد هناك. يأتي ذلك بينما يواصل المسؤولون الإيرانيون الحديث عن «حتمية» «الردّ القاسي» على “إسرائيل”، من دون الإشارة إلى موعده وكيفية تنفيذه. ودفع هذا الغموض، وسائل الإعلام إلى إطلاق تنبؤات عديدة، وضرب مواعيد مختلفة. وعندما تخطئ التوقعات، يجري الحديث عن احتمال حصول «تغيير» في القرار الإيراني، فيما يذهب بعض المراقبين إلى القول إن الوضع الحالي، الذي يكتنفه الغموض، يشكّل جزءاً من الردّ على “إسرائيل”، ويجعل الأخيرة في حالة ترقُّب وتأهُّب لأطول وقت ممكن. وفي إطار التكهنات أَيْـضاً، ثمّة مَن يعتقد بأن إيران لن تتّخذ إجراء واسعاً ضدّ “إسرائيل”، ولا سيما قبل معرفة النتائج التي ستتمخّض عنها الجولة الجديدة من محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والمزمع عقدها اليوم في الدوحة. ويعزو أصحاب هذا الرأي توقعاتهم إلى أن طهران أكّـدت في وقت سابق دعمها المحادثات، وقالت إن «أيّ اتّفاق تقبله حماس سيحظى بقبولنا أيضاً».

وممّا كتبه الديبلوماسي الإيراني السابق، عبد الرضا فرجي راد، في صحيفة «فرهيختكان»، فَــإنَّ «تأخير الردّ الإيراني، مردّه إلى المشاورات الديبلوماسية الخفيّة التي تجري بين إيران وأمريكا».

وَأَضَـافَ أن طهران، «ونظراً إلى الرسائل التي جرى تبادلها، تفكّر كيف يجب أن تتصرّف، بحيث تعيد الردع بما لا يؤدّي إلى توسيع رقعة الحرب»، مُشيراً أَيْـضاً إلى العلاقة بين تأخّر الردّ ومحادثات وقف إطلاق النار في غزة، قائلاً: «تأسيساً على المشاورات الديبلوماسية، ربّما رضيت إيران بأن يحصل اتّفاق لوقف إطلاق النار، وإنْ أرادت توجيه ضربة، فلْتكن ضربةً لا تتبعها ضربة، ولا تؤدي تالياً إلى اتّساع نطاق الحرب».

في المقابل، ثمة مَن يرى أن فكرة محادثات وقف إطلاق النار التي يطرحها الوسطاء (الولايات المتحدة وقطر ومصر)، هدفها «عرقلة الردّ الإيراني على إسرائيل»؛ إذ «لا تلوح في الأفق أي بوادر تؤشر إلى توصّل هذه المحادثات إلى النتيجة المرجوة». ووفق المحلّل السياسي سعد الله زارعي (قريب من «فيلق القدس»)، في صحيفة «كيهان» القريبة من التيار الأصولي، فَــإنَّه «في ذروة الحديث عن حتمية ردّ الفعل العسكري الإيراني على اغتيال الشهيد هنية في طهران، طفا على السطح مرّة أُخرى موضوع المحادثات السياسية من جانب تلك الحكومات التي وعدت مراراً بتحقيق وقفٍ لإطلاق النار لم يتحقّق أبداً على الأرض، فيما يقول الكيان الغاصب إنه أوفد ممثّليه إلى القاهرة. لكن خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، وعلى رغم أن الوفد الفلسطيني قدّم الحدّ الأقصى من التنازلات لتحقيق وقف النار، وحتى إنه تخلّى عن بعض خطوطه الحمر، بما فيها الوقف الدائم لإطلاق النار، فَــإنَّ الكيان الغاصب لم يرضخ لوقف الحرب، ووعد نتنياهو في كلمته أمام الكونغرس الأمريكي بأن بوسعه قلب الأمر الواقع.

وبعد ذلك، بدأ مسلسل الاغتيالات الأخيرة ضدّ قادة المقاومة». وتابع أن موضوع وقف الحرب أثير لمُجَـرّد «حشْر إيران وحزب الله في زاوية الانفعال، وتخليص الكيان من الأيدي القوية للمقاومة».

من جهتها، دافعت صحيفة «آرمان أمروز» القريبة من التيار الإصلاحي، في مقال بعنوان «ضرورة التحلّي بالحكمة وبُعد النظر في الحرب»، عن فكرة تجنّب الدخول في حرب مباشرة بين إيران و”إسرائيل”. وتساءلت: «لماذا يجب من خلال الدخول في حرب مباشرة إنقاذ “إسرائيل” من الاضمحلال الحتمي؟ لا يجب تفسير التصرّف الحكيم والمتّسم ببُعد النظر للجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه دقّ “إسرائيل” طبول الحرب، بأنه خوف؛ لأَنَّ إيران وجّهت خلال عملية الوعد الصادق رسالة استراتيجية لقادة الكيان الصهيوني بأنها قادرة على تجاوز منظومة القبة الحديدية الدفاعية، كما أنها قادرة على إيصال صواريخها إلى أي هدف داخل “إسرائيل”، بيد أن القضية الرئيسيّة تكمن في أن الجمهورية الإسلامية لا تريد اللعب في الأرض التي خطّطت لها “إسرائيل”، وهذا التدبير في الأمور هو الحكمة والشجاعة بعينهما».

وفي الاتّجاه نفسه، يذهب بعض الخبراء والمحلّلين في إيران إلى الاعتقاد بأن الأخيرة يجب أن تتعمق في حساباتها؛ لأَنَّ تداعيات الردّ الواسع قد تَخرج عن السيطرة، وتفضي إلى حرب من العيار الثقيل، في حين أن طهران لا تحتمل، في الظرف الحالي، الأضرار التي ستخلّفها حرب كهذه. ووفق مندوب إيران السابق لدى «منظمة التعاون الإسلامي»، محمد شريعتي دهاقان، في حوار مع صحيفة «هم ميهن»، فَــإنَّه «يجب أن نتذكّر أن أمامنا عدواً جريحاً تلقّى ضربة من حماس والفلسطينيين، ويقف على عتبة تبدّد أحلامه التي نسجها على مدى عقود، وطموحاته.

وهذا يجب أن يجعلنا نتحلّى بمزيد من اليقظة والذكاء، وأن نتصرفّ بمزيد من الطمأنينة والتأمّل في إبداء رد الفعل». وأضاف: «نظراً إلى الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، فَــإنَّنا نمشي على حافة رفيعة فوق السطح، ويجب أن نتخذ قراراً صائباً ودقيقاً. ونظراً إلى المشكلات التي يعانيها اقتصاد البلاد، فإن لحقت ضربة إضافية بنا فَــإنَّ مشاكلنا قد تبلغ مرحلة التأزم».

وعلى مدى الأيّام الأخيرة، وتزامناً مع تصاعد احتمالات اندلاع مواجهة بين إيران و”إسرائيل”، أثيرت مرّة أُخرى فكرة ضرورة اقتناء إيران سلاحاً نووياً، على اعتبار أنه سيشكّل عامل الردع في مقابل التهديدات الإسرائيلية. وقالت صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، في مقال بعنوان «نتنياهو يدفع إيران في اتّجاه السلاح النووي»: «بينما يستمرّ التصعيد الناجم عن اغتيال الزعيم السياسي لحماس في قلب طهران، تتزايد احتمالات أن تؤثر السيناريوات الذهنية على الوعي الذاتي الاستراتيجي لإيران. إن النخبة والرأي العام، وبعد اغتيال الـ 31 من تموز، يتساءلون ما إن كانت إيران دولة نووية بالمعنى الخاص للكلمة، فهل كانت ستحصل مغامرات من قَبيل اغتيال هنية في نطاق السيادة الإيرانية بهذه البساطة؟ وهل كانت “إسرائيل” ستضع قدمها بسهولة على طريق التصعيد مع إيران؟».

* الأخبار اللبنانية

You might also like