كل ما يجري من حولك

«لا مكانَ آمناً في غزة»: موسمُ مجازر المدارس

60

متابعات| تقرير*:

«لا أمان لكم في هذه الأرض، نحن لكم بالمرصاد أينما ذهبتم وحَلَلتم»؛ قد تكون هذه هي رسالة العدوّ الإسرائيلي إلى أهالي قطاع غزة، بعدما استهدف، في الأيّام العشرة الماضية، ما يقرب من عشر مدارس تُستخدم كمراكز لإيواء النازحين، في مجازر أسفرت عن استشهاد وإصابة مئات المدنيين.

وغصّت ساحة مستشفى «المعمداني»، فجر، أمس، بجثث الشهداء وأجساد الجرحى، في أعقاب أحدث المجازر التي ارتكبها الاحتلال في مدرسة التابعين في حي الدرج وسط مدينة غزة.

وفي تلك الساحة نفسها، تجلس أم أحمد وأمامها أشلاء ابنها الموضوعة في الكفن: «بدّي عامر، بدّي أشوفه، بدّي أودعه، ورجوني إياه»، تقول قبل أن تسقط فاقدة الوعي، فيما تتساءل سمية أبو عجوة عن الذنب الذي ارتكبته طفلتاها، اللتان ارتقيتا شهيدتين في المجزرة نفسها.

وتقول، فيما تودّع طفلتها ريتاج: دوالله، كانت نائمة بجانبي، كيف راحت مني وتركتني، ما الذي يريده الاحتلال منّا؟ ألم يشبع من دمائنا؟».

أمّا أبو عثمان مهاني فمُسحت عائلته بأكملها من السجل المدني، في مجازر مراكز الإيواء.

يقول: «استشهد 13 شخصاً من أفراد عائلتي، فيما أُصيب 5 آخرون بحروق عميقة في مناطق مختلفة من الجسد بعدما أُخرجوا بمعجزة من تحت الركام»، مُشيراً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي سبق وأن قتل 14 فرداً من العائلة في شهر كانون الأول الماضي، وهم الجد والجدة وعدد من الأبناء والأحفاد، و«في مجزرة الزهراء، استشهد مَن تبقّى منهم على قيد الحياة».

ويلفت مهاني إلى أنه لجأ وعائلته إلى مركز إيواء «الزهراء»، بعدما دمّـر الاحتلال الإسرائيلي بيوتهم في حي الشجاعية، مؤكّـداً أن جميع مَن تواجدوا في المركز مدنيون، ولا يوجد أي أثر للمقاومين في المكان، «وحسبنا الله ونعم الوكيل في مَن خذلنا ولم يساندنا».

وفي طوارئ «المعمداني» أَيْـضاً، تمسك أمل الحسنات بمحلول، فيما تجري متابعة حالة طفلتها ذات السبعة أعوام، على إثر إصابتها في استهداف مركز إيواء «عبد الفتاح حمودة».

تقول الأم، في حديث إلى «الأخبار»: «تعبنا والله تعبنا، شو اللي بدهم إياه منّا؟ بنزله الصواريخ على رؤوسنا من دون أي سابق إنذار، ما ضلَّلنا لا ولد ولا بنت ولا دار، والآن طفلتي في حالة خطر»، فيما تقول أم لؤي الغرة التي يجري تطبيب جروحها إثر إصابتها في يديها: «قبل يومين، سمعنا عن تحذير للمركز الذي نزحنا إليه، عبد الفتاح حمودة، فخرجنا بسرعة وبقينا يومين نجلس في الشارع لنكتشف أنها إشاعة وليست حقيقة، فعدنا إلى المركز بعد يومين لتسقط علينا الصواريخ الحربية.

انفجر أحدها ولم ينفجر الآخر؛ ما أَدَّى إلى استشهاد ابنتي التي ذهبت لتحضر لنا المياه، فيما أصبت وطفلتيّ الصغيرتان».

وتضيف: «نسف الاحتلال بيتي وبيت أهلي، ولا مكان آخر نأوي إليه سوى هذه المدرسة، التي نجونا من استهداف سابق لها».

استهداف المدارس ومراكز الإيواء أصبح منهجية واضحة لدى الاحتلال الإسرائيلي

أما ابتهال سمور (30 عاماً)، فترقد في مستشفى «المعمداني»، بعدما تعرّضت لكسور في يدها وقدمها اليمنى إثر استهداف الاحتلال مدرسة «النصر» شمالي غزة.

وتوضح، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «سبق وأن تعرّضت لاستهداف في منزل نزحتُ إليه الشهر الماضي، وقدّر لي أن أخرج منه بمعجزة وألا أصاب وأطفالي الصغار بأيّ أذى، فيما استشهد ابن عم زوجي وأُصيب آخرون».

وتتابع: «قرّرنا التوجّـه إلى مراكز الإيواء ظنّاً منّا أنه المكان الأكثر أماناً.

وبالفعل هو الأكثر أماناً لطفلَيّ سارة ذات السبعة أعوام، وآدم ذي الثلاثة أعوام، اللذين ارتقيا وتركانا نتجرّع الويلات من بعدهما».

على سرير مجاور لها، لا تتوقف ريتال الدلو (10 أعوام) عن الصراخ من شدّة الألم، وهي المصابة بحروق في وجهها وجسدها، إضافة إلى كسور في قدمها.

وعمَّا حدث لها، توضح أمها، لـ«الأخبار»، أن طفلتها كانت تلعب في ساحة مركز إيواء «حسن سلامة»، و«فجأة، ومن دون سابق إنذار، دمّـر المكان وامتلأ بالغبار الأسود، فأخذت أصرخ وأبحث عن أولادي، وَإذَا بتالة تحتضن عموداً من الخرسانة والحديد ملتصق بجسدها».

وتضيف الأم: «بصعوبة بالغة أخرجناها من تحت العمود ورجلها معلّقة، فأخذت تصرخ وتتوسّل ألا يقطعوا قدمها».

وتؤكّـد الأم أن «المركز عبارة عن مبنى واحد ولا يوجد فيه سوى العائلات التي دمّـرت منازلها ولا مأوى آخر لها.

بعدما حوّل الاحتلال بيتنا إلى كومة من الركام، اضطررنا إلى اللجوء إلى ذلك المكان».

إزاء ذلك، يؤكّـد الناطق باسم مديرية الدفاع المدني، محمود بصل، أن استهداف المدارس ومراكز الإيواء أصبح منهجية واضحة لدى الاحتلال الإسرائيلي، مُشيراً إلى أن العدوّ، وخلال 10 أَيَّـام، استهدف 6 مدارس في مدينة غزة؛ ما أَدَّى إلى استشهاد ما يزيد عن 150 شخصاً، وإصابة المئات.

ويشير إلى أن الدفاع المدني، وأثناء عملية الإنقاذ، لا يشاهد سوى الأطفال والنساء والشيوخ الذين قتلتهم صواريخ الاحتلال الإسرائيلي، معتبرًا أن رسالة العدوّ من ذلك الاستهداف، هو أنه «لا أمان لكم في غزة، لا بيوتكم ولا شوارعكم ولا مراكز إيوائكم، وعليكم أن تخرجوا من القطاع».

وكان أكّـد «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» أن تحقيقاته الأولية تشير إلى تعمُّد الاحتلال تدمير ما تبقى من أماكن قليلة تؤوي الفلسطينيين، بعد التدمير الممنهج للمنازل ومراكز الإيواء، بما فيها المدارس والمنشآت العامة.

وقال، في بيان، إن «تكرار قصف مراكز النزوح والإيواء، بما فيها المقامة في مدارس الأونروا، على رؤوس النازحين داخلها، واستهداف المناطق المعلنة كمناطق إنسانية، هو إصرار على فرض التهجير القسري وتدمير كُـلّ مقومات الحياة الأَسَاسية لأهالي قطاع غزة».

وطالب المرصد جميع الدول بفرض العقوبات الفعالة على إسرائيل، ووقف كُـلّ أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها، بما يشمل الوقف الفوري لعمليات نقل السلاح إلى الكيان.

* الأخبار البيروتية

You might also like