السعوديّة تتملّص من «الاتّفاق الاقتصادي»: مفاوضات جانبيّة مع «الحضارمة»
متابعات| تقرير*:
بعيدًا عن مشاركة أي طرف سياسي يمني، تشهد الرياض، منذ يومين، مفاوضات بين وفد من قبائل حضرموت وبرنامج إعادة الإعمار السعوديّ برئاسة سفير المملكة لدى اليمن، محمد آل جابر، حول منح القبائل نصيب الأسد من عائدات نفط المحافظة الواقعة شرق اليمن، مقابل أن تسمح الأخيرة بإعادة تصدير النفط الخام من حقول المسيلة النفطية، كبرى الحقول اليمنية، والتي تنتج نحو 200 ألف برميل يوميًّا من الخام الثقيل.
وتجري هذه التحَرّكات السعوديّة، والتي يبدو أنها تأتي في إطار الالتفاف على مسار السلام، بالتنسيق مع الولايات المتحدة التي لا تغفل حضرموت من سياستها في اليمن.
وقالت مصادر ديبلوماسية، لـ«الأخبار»، إن السعوديّة جمعت معظم القيادات الحضرمية السياسية والقبلية للتفاوض معهم بشأن تقاسم حصص مبيعات النفط في المحافظة الواقعة على البحر الأحمر، وإن الحضارمة يطالبون بأكثر من 70 % من عائدات النفط.
واعتبرت أن هذا المطلب سيقود إلى حدوث تمرّد مماثل في المحافظات اليمنية النفطية الأُخرى كمحافظتَي شبوة ومأرب، بالإضافة إلى كون ما يجري في الرياض من تفاوض في ظل غياب الأطراف اليمنية المعنية بهذا الملف، وهو يخالف الدستور اليمني الذي يعتبر الثروة النفطية ثروة سيادية وملكاً لكل أبناء الشعب من دون استثناء.
وبالتزامن مع قيام قبائل حضرموت بالسيطرة على خمسة قطاعات نفطية، الخميس الماضي، هبطت طائرة سعوديّة في مطار سيئون لنقل عدد من مشايخ الهضبة النفطية.
وإذ جرى ذلك بمبرّر استكمال اتّفاق النفط، إلا أن صنعاء تعتقد أنه لا علاقة له بأيَّة تفاهمات بين الأطراف اليمنية برعاية أممية، وتعتبره أشبه بمسرحية مكشوفة الهدف، وهو إعاقة تنفيذ أية اتّفاقات سلام قادمة.
وأكّـدت مصادر قبلية، لـ«الأخبار»، أن الطائرة السعوديّة نقلت نحو 25 زعيماً قبلياً من وادي وصحراء حضرموت إلى الرياض، مشيرة إلى أن الوفد يضم أعضاء ما يعرف بـ«مجلس حضرموت الوطني» الذي أسّسته السعوديّة قبل أشهر لإدارة المحافظة، فضلاً عن قيادة «حلف قبائل حضرموت» و«مؤتمر حضرموت الجامع» وجميعها مكوّنات موالية للمملكة.
وبالتوازي مع ذلك، نقلت السعوديّة إليها عدداً من القيادات التي تنحدر من محافظة حضرموت من القاهرة، خلال اليومين الماضيين.
وجاء هذا الاستدعاء عقب خلافات مع رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، على خلفية رفض الأخير مطالب القبائل بخصوص تحاصص النفط بينها وبين الحكومة الموالية للتحالف السعوديّ – الإماراتي.
ردّ صنعاء على التحَرّكات السعوديّة سيكون في حينه وبالطرق التي تحمي الثروة النفطية
وخلال السنوات الماضية، كان هناك اتّفاق بين الحكومة الموالية للتحالف، والسلطات المحلية في محافظات حضرموت وشبوة ومأرب، يقضي بمنح الأخيرة 20 % من عائدات مبيعات النفط والغاز، إلا أن الاتّفاق نُفّذ في محافظتَي شبوة وحضرموت، ولم تنفّذه سلطات مأرب المحلية التابعة لحزب «الإصلاح» التي استحوذت على كامل عائدات النفط والغاز، وهو ما أثار حفيظة قبائل حضرموت التي رفعت أخيرًا شعار «نفط حضرموت لحضرموت»، ودعت إلى إقامة إدارة ذاتية في المحافظة.
وبعدها، أعلن العليمي، بضغط سعوديّ، أواخر الشهر الماضي، قبول مطالب مكوّنات حضرموت الموالية للرياض، ومنح المحافظة إدارة نفسها بنفسها إدارياً وأمنيًّا ومالياً، ولكن من خلال السلطة المحلية.
إلا أن تلك الاستجابة اعتُبرت مجتزأة، وقوبلت من قبل قبائل حضرموت بالتصعيد ومنع مرور ناقلات النفط الخام واحتجاز العشرات منها منتصف الأسبوع الجاري، والتهديد بفرض السلطة القبلية بالقوة، إذَا لم يتم الاعتراف بالقبائل كسلطة سياسية ومنحها حق التحكم الكلي بالنفط.
كما دعت الأخيرة إلى تجنيد نحو 20 ألف جندي ضمن قوات حضرمية خَاصَّة بها، واتجهت نحو التصعيد ومحاصرة قطاعات النفط الأهم في اليمن.
وتستحوذ حضرموت على نحو 70 % من مصادر النفط اليمني، ويحتل قطاع المسيلة النفطي المرتبة الأولى من بين القطاعات النفطية اليمنية.
ووفقاً لإحصائيات وزارة النفط، فإن عدد القطاعات النفطية الإنتاجية في حضرموت هو ثمانية، إضافة إلى 13 قطاعاً استكشافياً، وهي تعدّ من أغنى المحافظات اليمنية وأكبرها مساحة.
ولذلك يرى مراقبون أن منح حضرموت حق التصرف بالنفط وحق تمثيل نفسها يعدّ اعترافاً بالاستقلال السياسي والاقتصادي، وهو ما تعمل عليه السعوديّة منذ سنوات.
ومن خلال التحَرّكات التي تقوم بها مع قبائل حضرموت، فإن السعوديّة تعمل على إغلاق كُـلّ الأبواب أمام أي اتّفاق محتمل برعاية الأمم المتحدة ينهي معاناة موظفي الدولة من جراء توقف مرتّباتهم، كون عائدات النفط اليمني تعدّ المصدر الأَسَاسي لتمويل موازنة المرتّبات الخَاصَّة بموظفي الجهاز العام منذ تسعينيات القرن الماضي.
كما أن المملكة تنفّذ بذلك مخطّطاً يدفع نحو استقلال شكلي لحضرموت قبل أن يتمّ قضم المحافظة، ما يتيح للرياض مدّ خطوط أنابيب النفط إلى البحر العربي وإنشاء موانئ تصدير خَاصَّة بها.
ويقول أكثر من مصدر سياسي في صنعاء، لـ«الأخبار»، إن ردّ الأخيرة على التحَرّكات السعوديّة سيكون في حينه، وبالطرق التي «تحمي الثروة النفطية اليمنية من العبث وتصون مقدرات الشعب اليمني».
* الأخبار اللبنانية