«الدفاع السلبي» يحصِّنُ اليمن: الردعُ الغربي لا يزال مهشّماً
متابعات| تقرير*:
كان من الطبيعي، منذ اللحظة التي انفجرت فيها الطائرة المسيّرة اليمنية «يافا» في تل أبيب، أن تنتقل القوى والقيادات العسكرية اليمنية إلى خطة طوارئ استثنائية مصمّمة للتعامل مع مثل هذه الحالات، بهدف تفويت الفرصة على العدو الإسرائيلي. ولهذا، جاء الرد الإسرائيلي على الضربة اليمنية باستهداف منشآت اقتصادية ومدنية في مدينة الحديدة غرب اليمن، ولم يمسّ بالقدرات العسكرية اليمنية. ويأتي الاستهداف الإسرائيلي بعد العجز الأميركي – البريطاني، وقبله السعودي – الإماراتي، عن الوصول إلى تلك القدرات، وفشل هذه الدول، متحالفة ومنفردة، في تدميرها أو حتى إضعافها وفق الاعترافات الأميركية المتواترة. فقد أدّت خطة «الدفاع السلبي» التي تعتمدها حركة «أنصار الله» في مواجهة الحروب السعودية والأميركية – الأوروبية والإسرائيلية، إلى اعتماد آليات عمل تلبّي الاحتياجات المتعدّدة للجيش اليمني، وتمكّنه من تفعيل إمكاناته في مختلف الظروف في مواجهة التطور التقني الهائل في سلاح الاستطلاع والتعقّب والأقمار الاصطناعية، لدى «التحالف العربي» سابقاً، وتحالف «حارس الازدهار» وبعثة «أسبيدس» والجيش الإسرائيلي حالياً، من دون النجاح في الوصول إلى مقدراته وضربها.أراد العدو الإسرائيلي، المثخن بالجراح في غزة وجبهات الإسناد المختلفة، بواسطة العدوان على الحديدة، البحث عن صورة يستطيع من خلالها ترميم الردع المهشّم، واستعادة شيء من هيبة جيشه المفقودة، فقام بتنفيذ عملية استعراضية، كشف فيها عن عمد، وفي وضح النهار، عن مسار طائراته، وصولاً إلى وجهتها. وهذا ما أكده وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، بالقول إن «النار المشتعلة الآن في اليمن تظهر في جميع أنحاء الشرق الأوسط». على أن إصابة تل أبيب أثارت نقاشاً استراتيجياً لا يزال مستمراً حول كيفية التعامل مع الاستهدافات اليمنية من قبل الجانبين الأميركي والإسرائيلي، إذ إن الترقي اليمني يصيب الردع الأميركي في مقتل، كما أنه يشكّل خطراً استراتيجياً على الكيان. وفي هذا الإطار، نقل الإعلام الإسرائيلي، بعد عملية تل أبيب، أن المستويَين السياسي والعسكري أجريا نقاشاً حول كيفية الرد على اليمن، لكنه تكتّم عن نشر أي تفاصيل، حتى إن بعض أعضاء المجلس الأمني الذين جرى استدعاؤهم أثناء تنفيذ العدوان، رفضوا التصويت عليه، لأنه كان قد حصل بالفعل وقت الاجتماع.
الترقّي اليمني يصيب الردع الأميركي في مقتل، ويشكّل خطراً استراتيجياً على إسرائيل
وعلى رغم الضرر الاقتصادي على اليمن، إلا أن كلّ المسؤولين المعنيّين بالعدوان، سواء الإسرائيليون أو الأميركيون، يعلمون جيداً أنه لن يكون له أيّ تأثير على قراره في الاستمرار في جبهة إسناد فلسطين، لا بل إن العمليات العسكرية ضده ستزيد من حافزيّته في الاستمرار والتصعيد حتى بلوغ الأهداف، وهذا ما أكده، قبل العدوان على الحديدة، «معهد أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي بالقول إن «من الواضح أنه من دون وقف إطلاق نار في غزة، فإن الحوثيّين سيواصلون مهاجمة إسرائيل»، معترفاً بأن «هناك صعوبات تعوق إيجاد حل عسكري لتهديدات أنصار الله في اليمن». في المقابل، مهما كان حجم الخسائر المدنية، فإن العدوان الإسرائيلي على اليمن لن يُصلِح الخلل المميت في فعالية منظومات الدرع الأميركية – الإسرائيلية المولجة بحماية الكيان. وأهمية الخرق هذه المرة، أنه جاء من اليمن الذي يُصنّف إسرائيلياً مع العراق على أنه يشكّل تهديداً ضمن الدائرة الثانية (البعيدة)، بعدما اقتصر التهديد سابقاً على الدائرة الأولى، أي دول الطوق غير المطبّعة، وبالتحديد لبنان وسوريا.
وطوال فترة الحرب على غزة، حرصت إدارة البيت الأبيض على إبقاء الصراع بشكل لا يخرج عن السيطرة، ولم تكن في وارد تفضيل الحرب الواسعة، وهذا ما أكده رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال تشارلز براون، بالقول إن «الأزمة في البحر الأحمر لا يمكن حلّها من خلال استخدام الضربات الجوية وحدها ضد الحوثيين»، مضيفاً خلال كلمة في المنتدى الأمني السنوي الذي ينظّمه «معهد أسبن» في كولورادو، أن «الأمر سيتطلّب أكثر من مجرد ضربات عسكرية وأكثر من مجرد جهود مشتركة بين الوكالات (الحكومية الأميركية). هناك حاجة إلى المزيد من الجهد الدولي للضغط على الحوثيين لوقف ما يفعلونه».
على أنه قبل عملية تل أبيب، لم تفض نقاشات استراتيجية جرت في واشنطن حول البحرين الأحمر والعربي، إلى أيّ جديد لمعالجة الإخفاقات المتتالية، سوى إبقاء الوضع على ما هو عليه راهناً، حتى لو أدى ذلك إلى استنزاف الأساطيل والبحارة، إذ إن الخيارات الأخرى أسوأ. وبناءً عليه، عمد الأسطول الأميركي إلى الانكفاء عن مناطق الاشتباك مع إبقاء مدمّرتين تجوبان المياه الدولية. أما حاملة الطائرات «روزفلت»، التي كان من المفترض أن تحلّ محلّ «آيزنهاور»، فإنها عملياً أقرب إلى منطقة الخليج، ولم تشارك حتى الآن في الفعاليات العسكرية ضد اليمن.
وكانت القيادات المسؤولة عن العمليات العسكرية في البحرَين الأحمر والعربي، قد رفعت تقارير إلى وزارة الدفاع الأميركية عن فشل المهمة في اليمن، وأن الهامش المسموح به في تحالف «حارس الازدهار» غير قادر على تعديل الموازين لمصلحة واشنطن وتل أبيب، مع نصح بأن الخيار العسكري وحده، مهما كان مفتوحاً، لا ينفع في الحالة اليمنية ما لم يقترن بفتح قنوات ديبلوماسية. حتى إن بعض القادة صرّحوا علناً بأن أزمة البحر الأحمر تنتهي بانتهاء الحرب في غزة. ولعل الوضع المستجد جراء استهداف تل أبيب، دفع إلى المطالبة بتعديلات ولو بسيطة في الخطط الأميركية والإسرائيلية، من قبيل تعزيز القدرات الفنية والتكنولوجية ووضعها في دول عربية حليفة لواشنطن لتوريطها في الصراع القائم لمصلحة إسرائيل. وفي هذا الإطار، أعلنت «القيادة المركزية الأميركية»، نهاية الأسبوع، عن نصب رادار متخصّص في مطار لم يُكشف عنه، يتبع الرادار جناح الاستطلاع الجوي الرقم 380 في القوات الجوية الأميركية، وستوفّر محطة المراقبة التي جرى نصبه فيها بيانات مهمة، ما يضمن حصول القادة العسكريين على المعلومات التي يحتاجون إليها لتنفيذ مهمة حماية الملاحة من هجمات وكلاء إيران في المنطقة بفعالية.
مع ذلك، كثُرت في الآونة الأخيرة المطالبات من قوى متطرّفة في الإدارة الأميركية ومراكز الدراسات المحسوبة على اللوبي اليهودي في واشنطن، بضرورة استهداف القيادات اليمنية وضرب المواقع السرية «تحت الأرض» للبنى العسكرية، والمقصود هنا المنشآت الصاروخية والمسيّرة. وعلى هذا الأساس، نشرت وسائل إعلام أميركية أن إدارة الرئيس جو بايدن، طلبت من «القيادة المركزية» إعداد قائمة أوسع لاستهداف قادة «أنصار الله».
* الأخبار البيروتية