جبهاتُ «محور المقاومة» تتكامل: المعلَنُ عسكرياً تعاوُنٌ يمني – عراقي متصاعِد
متابعات| تقرير*:
مثّل الإعلان اليمني الأخير عن فتح مكتب لحركة «أنصار الله» في بغداد، تمهيداً لما يبدو أنه تعاون لتوسيع المعركة، من مُجَـرّد مساندة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، عبر فتح جبهات ضد إسرائيل، لتطاول من يدعمون الأخيرة علناً، من مثل الولايات المتحدة، أَو خفاءً، من مثل دول التطبيع العربي التي وفّرت للعدو، البديل للحصار الجزئي المفروض على موانئه في البحار الأحمر والعربي والمتوسط، والمحيط الهندي، عبر الطريق البرّي الذي يمدّه بما يحتاج إليه، عبر الموانئ الإماراتية ثم براً إلى السعوديّة والأردن، ففلسطين المحتلّة.
عند هذا الحد، يقتضي الأمر تعاوناً يمنياً – عراقياً خاصاً، على هامش التنسيق بين كُـلّ فصائل محور المقاومة، إلا أن الباب يبقى مفتوحاً، بل إن ذلك التعاون الثنائي الخاص، قد يمهّد لآخر أوسع يشمل ساحات إضافية في حال دعت الضرورة.
والضرورة هنا، على سبيل المثال، قد تكون شنّ إسرائيل حرباً واسعة على لبنان، تفرض تدفقاً للمقاتلين إلى جنوب لبنان، إذَا احتاج «حزب الله»، وفقاً لما تقول مصادر في المقاومة العراقية، لـ«الأخبار». والواقع أن من جملة ما أظهرته عملية «طوفان الأقصى» والحرب على غزة التي أعقبتها، هو أن «محور المقاومة» صار يعمل كتحالف عسكري، بناءً على ضرورة فرضت ذلك، هي وجود تحالف كامل مقابل، يعمل لمصلحة إسرائيل، بعض أطرافه معلنة وبعضها الآخر غير معلن.
ومن شأن تعزيز التعاون داخل التحالف الأول أن يدفع من يخفون انضمامهم إلى التحالف الثاني، إلى الظهور، ويحرمهم من ميزة الاختباء وراء مواقف علنية تختلف تماماً، بل هي في الاتّجاه المضاد، لما يقومون به فعلياً.
وحتى قبل أن تعلن فصائل محور المقاومة عن أشكال التعاون بينها، كان الخصوم يلمسونها بالفعل.
وعلى سبيل المثال، عندما هوجمت منشآت «أرامكو» في بقيق وهجرة خريص في أيلول 2019، ظهرت حيرة لدى هؤلاء الخصوم، وهي ما زالت قائمة حتى الآن، في شأن مصدر الهجوم، الذي يقول بعضهم إنه جاء من العراق، فيما بعضهم الآخر يصدّق تبني حركة «أنصار الله»، وبعض ثالث يعتقد أن المصدر هو إيران نفسها.
وتقول مصادر المقاومة العراقية إنه «عندما تكون هناك عمليات للمقاومة في العراق مع اليمن بمعزل عن حزب الله، فقطعاً هناك استراتيجيات لمحور المقاومة تتطلّب الآن تنسيقاً ما بين المقاومة العراقية والأخوة المجاهدين والجيش في اليمن ضد أهداف حسّاسة في داخل الكيان الصهيوني».
وتضيف أنه «إذا قام العدوّ بهجوم على لبنان فسيشهد المحور انتفاضة، وسيكون هناك تدفّق للمقاتلين إلى لبنان.
فالمحور لا يعترف بالحدود أَو الجغرافيا الموجودة حالياً»، إلا أنها تستبعد أن يرتكب العدوّ هذا الخطأ.
والواقع أن التحالف الغربي لا يملك أن يفعل الكثير في مواجهة هذا التعاون القائم بين حركات شعبيّة، لأنه غير قادر على تقديم عنوان يستنهض عبره أي مقابل شعبي له كما فعل في سوريا، حين كان العنوان «الربيع العربي».
والآن، يعاني ذلك التحالف من مأزق أكبر، هو أن العداء لإسرائيل عاد ليتصدّر بعد الحرب على غزة، في ما يمثل تفوّقاً حاسماً لقوى المقاومة، يُضاف إلى تحسّن قدراتها التسليحية في مواجهة أسلحة تقليدية يمتلكها الغرب وثبت أنه لا يمكنها أن تحسم حروباً لمصلحته.
واشنطن تعملُ لعرقلة التعاون اليمني – العراقي من داخل العراق
وبدورها، تؤكّـد مصادر يمنية، لـ«الأخبار»، أن «هناك غرفة عمليات مشتركة بين محور المقاومة، وخَاصَّة القوات اليمنية والمقاومة العراقية وحزب الله في لبنان، والتنسيق يجري على مستوى عال في إطار وحدة الساحات».
وتعدّ تلك المصادر أن «الدور الذي يقوم به حزب الله ضد الكيان الإسرائيلي في الجبهة الشمالية يجري وفقاً لقواعد الاشتباك، بحكم القرب الجغرافي، بينما هناك مساحة واسعة للعمليات المشتركة التي تنفذها القوات اليمنية والمقاومة العراقية خارج قواعد الاشتباك».
وتشير إلى أن «التنسيق بين صنعاء وحزب الله في إطار محور المقاومة، سابق لعملية طوفان الأقصى، مع وجود تبادل للمعلومات، ولكن المعركة الحالية مع الكيان تطلّبت التدرّج في التصعيد، والاستمرار في حرب الاستنزاف التي يقوم بها حزب الله في شمال فلسطين، والتي عبرها يجري فرض معادلة رعب وردع على الكيان، تمهيداً لمعركة كبرى مع العدوّ، ستكون بمشاركة اليمن والعراق وحزب الله، وربما أطراف أُخرى في الجانب السوري».
ووفقاً للمصادر، فإن «الدور الذي يقوم به الحزب في شمال فلسطين المحتلّة، يهيئ لمعركة اجتياح برية مفتوحة للكيان كما هو مخطّط لها، يقودها حزب الله».
وبخصوص العمليات المشتركة، تقول المصادر إن «اليمن والمقاومة العراقية سوف يركزان عملياتهما ضد القواعد العسكرية الأجنبية والأميركية والبريطانية بشكل خاص، في المنطقة، إضافة إلى إطباق الحصار الكلي على الكيان ومنع وصول أية سفينة إلى الموانئ المحتلّة، وكذلك استهداف مواقع وأهداف حيوية في عمق العدو».
بالنتيجة، بعد «طوفان الأقصى»، تجلّى التعاون بين الحلفاء داخل «محور المقاومة» بصورة أوضح وأكبر.
وما الاجتماع الذي انعقد بين قادة فصائل المحور على هامش تشييع الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، سوى تتويج لتعاون على الأرض بدأ قبل ذلك بكثير.
ويمثّل فتح جبهات المساندة من كُـلّ من لبنان واليمن والعراق وسوريا وحتى إيران، بحد ذاته، وربطها مباشرة بالحرب على قطاع غزة، درجة عالية من التعاون.
لكن التعاون الذي أخذ إطاراً عملياتياً واضحًا حتى الآن، هو اليمني – العراقي الذي شمل عدداً من العمليات المشتركة لحركة «أنصار الله» وفصائل المقاومة العراقية، والتي استهدفت خُصُوصاً سفناً في ميناء حيفا أَو متجهة إليه، وإيلات، وأهدافاً أُخرى.
ولذا، فإن واشنطن تعمل لعرقلة هذا التعاون عبر ما يمكنها فعله من خلال علاقاتها داخل العراق، وَأَيْـضاً من طريق إصرارها على إبقاء قواتها هناك.
* الأخبار البيروتية