محاولاتٌ «ذاتية» لاستعادة الحياة.. شمالُ غزة يرفُضُ الموت
متابعات| تقرير*:
فُرضت على أكثر من نصف مليون إنسان، من الذين صمدوا في شمال قطاع غزة في وجه محاولات التهجير والاقتلاع، أقسى الظروف المعيشية الطاردة لإمكانية البقاء، بدءاً من المجازر الجماعية التي كان غرضها الترويع، ثم التجويع المتعمّد وتدمير كل المستشفيات الحكومية والخاصة، ثم هدم وحرق مراكز الإيواء وتدمير كامل البنية التحتية. ورغم كل تلك الظروف، لم تتوانَ العائلات والعشائر ولجان الأحياء وحتى البلديات التي دمّر جيش العدو أكثر إمكاناتها، عن محاولة استعادة الحياة. ورغم أن هذه الجهود تصطدم بحجم الخراب الكبير الذي يحتاج إلى تدخل شركات دولية، إلا أنها استطاعت على الأقل فتح الشوارع وتوصيل المياه، وإن بالطرق البدائية، إلى الأحياء المدمّرة، وأيضاً إعادة ترميم عدد من مراكز الإيواء والمستشفيات الحكومية. ويمثل مركز عيادة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» الذي أعيد افتتاحه أمس، واحداً من نماذج تلك المحاولات؛ فقد كانت العيادة الطبية التي تحولت إلى أكبر مركز إيواء في مخيم جباليا، تعرّضت في خلال العدوان الأخير على المخيم، لعملية تخريب وحرق أتت على كامل المبنى والغرف التي كانت تتخذها 300 عائلة سكناً لها. وأمام ذلك، «وجد نحو 400 نازح أنفسهم من دون أي مأوى»، بحسب ما يقول أبو عبدالله، وهو عضو لجنة إدارة المركز، متابعاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «منذ انسحاب الاحتلال، بدأنا بجهود شبابية في عمليات تنظيف المركز وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي فيه، وقررنا استعادة الحياة لأن العيادة تمثّل قلب المخيم، لكن صُدمنا بحجم التكلفة الهائل الذي تحتاج إليه إعادة الترميم». ووفقاً له، فإن فرقة شبابية إغاثية تكفّلت بتغطية التكاليف، وبعد جهد استمر 28 يوماً، تمكّنوا من إعادة الحياة إلى المبنى. وبحسب غسان معين، وهو مدير فريق «مضيف السيد هاشم»، القائم على إعادة ترميم المبنى، فإن العقبات لا تقتصر على جمع المال فحسب، إنما تمتد إلى «توفير المواد الخام اللازمة للصيانة، مثل الطلاء ومعدات السباكة والإسمنت وشبكات المياه». ويلفت معين إلى أن «كل ذلك ارتفع ثمنه إلى 50 ضعفاً، وشحّ وجوده في الأسواق بسبب توقف حركة دخول البضائع التجارية».
في شوارع شمال القطاع، تصادف حفراً كبيرة تسبّب بها القصف الجوي، تمتلئ بكميات كبيرة من مياه الصرف الصحي، بينما تبذل فرق شبابية جهوداً في حلها. يقول براء السيد، وهو أحد المشرفين على عمليات الإصلاح، إن العقبة الرئيسية هي «عدم توفر الآليات المخصصة للإصلاح، من حفارات وبواجر وجرافات، حيث دمّر الاحتلال 90% من مقدرات البلديات والشركات الخاصة»، كما «لا يتوفر الوقود اللازم لتشغيل العدد القليل المتوفّر من الآليات». ويتابع، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الشبكات الأرضية تضررت كثيراً، وفي كل يوم تتضح مشكلات أكبر من قدرتنا على الحل، لكننا نواصل المحاولة»، لافتاً إلى أنه «من المهم أن نقدر تضحيات وصمود الأهالي هنا، وأن نعمل على تهيئة الظروف لبقائهم».
وفي خلال الشهر الماضي، بدأت شركة الاتصالات في إصلاح شبكات الاتصال والإنترنت، لكن الدمار الهائل الذي تعرّضت له تلك المقدرات، حال دون الوصول إلى الحد الأدنى من خطوط الإنترنت للمنازل؛ فمن بين أكثر من 800 ألف اشتراك، لم تصل الخدمة إلا إلى 400 منزل في مناطق شمال وادي غزة. ويقول المتابعون لهذه الجهود، إن كل المحاولات الحالية «تهدف إلى تخفيف حدة الأزمات التي ليست هناك أي إمكانات لحلها، فيما نجحت على الأقل في استعادة الحياة في مناطق ظن العدو أنها ستتحول بعد خروجه منها إلى مدن أشباح»، ومن بينها مخيم جباليا الذي يشكل شاهداً حياً على ما تقدّم.