الحرُّ يفاقمُ معاناةَ الغزيين: «بيوتٌ» من نار
متابعات| تقرير*:
ملأت خيام النازحين جلّ الأراضي التي تقع في وسط قطاع غزة وجنوبه، حيث تبدو متراصةً ولا تفصل بينها إلا أزقّة ضيقة لعبور المارّة، وتجلس أمامها العائلات الفلسطينية الهاربة من «الصوبا الملتهبة»، على أمل التخفيف من حدّة الحرّ. في أرض زراعية في منطقة دير البلح وسط القطاع، تجلس منار أبو بكر (34 عاماً) في ظلّ شجرة زيتون، وتقول: «كما ترين، الجدار نار والفراش نار ومن فوقك نار ومن حولك نار واللهم أجرنا من نار جهنم». وتضيف، في حديثها إلى «الأخبار»: «من شدّة الحرّ الذي انعكس على جسدي، لم أقوَ على أداء الصلاة واقفة. تعبت وأصبح جسدي هزيلاً، وبالكاد أقوم بالواجبات العائلية من خبز وطبخ وغسل للملابس»، ولكنها تؤكد مع ذلك أن حالها أفضل من حال غيرها، كونها تجد شجرة تستظلّ بها، «بينما لا يجد غيري سوى السماء وحرّ الشمس». أمّا والدة زوجها، الحاجة أم دياب (70 عاماً)، فتقول، لـ«الأخبار»، إنها تخرج بعد شروق الشمس من الخيمة وتتنقل من شجرة إلى أخرى ومن فيء حائط إلى آخر حتى يأتي الليل وتعود إلى الخيمة، إذ إن «الجوّ هنا حار جداً، حتى أنني لم أستطع إكمال الصيام يوم عرفة من شدّة الحر والعطش الشديد، وحسبنا الله ونعم الوكيل في مَن ظلمنا وتركنا وحدنا».ومن أمام إحدى الخيام في منطقة الزوايدة، تصف سوزان مهدي (30 عاماً) معيشتها في الخيمة، بـ«المأساوية، نظراً إلى قلّة الإمكانات، وخاصة الكهرباء التي حرمتنا من المراوح لتلطيف الجو وتبريد مياه الشرب وحفظ الطعام الذي سرعان ما يفسد بسبب غياب أجهزة التبريد، كما أن ارتفاع الحرارة ساعد في انتشار الحشرات والأمراض (…) بالإضافة إلى تراكم القمامة وعدم توافر أماكن لتجميعها، وصعوبة التخلّص منها يزيد من المشكلة البيئية والصحية لدينا». وتضيف مهدي، لـ«الأخبار»: «تنتشر الحرارة في أجساد أطفالي لعدم قدرتهم على تحمُّل حرارة الخيمة التي لا ملاذ لنا غيرها، وتزداد أكثر بسبب قلّة المياه التي يتمّ نقلها من أماكن بعيدة، ما يصعّب من الاهتمام بالنظافة الشخصية والاستحمام».
«لا نجد سوى المياه الساخنة التي نحضرها من مسافات بعيدة، وبدلاً من أن تروينا تحرقنا»
ومن جهتها، تلفت نور مشتهى (13 عاماً)، من خيمتها في محافظة خانيونس، إلى أن أمها لم تَعُد بحاجة إلى إشعال النار وتسخين المياه لصنع الخبز أو إعداد كأس الشاي، ذلك أن «حرارة الجو هنا تغلي المياه». وتتابع: «عندما ندخل إلى الخيمة، نشعر وكأننا ندخل في كتلة من اللهب، تلسعنا إذا ما وضعنا أقدامنا على أرضها وفراشها من شدّة حرارتها، ويزداد العذاب عندما نعطش ولا نجد سوى المياه الساخنة التي نحضرها من مسافات بعيدة، وبدلاً من أن تروينا تحرقنا، ولكن لا بديل عنها». وفي حديثها إلى «الأخبار»، تتذكّر زينب السر (24 عاماً)، بدورها، أجمل أيامها يوم كانت تخرج مع عائلتها إلى الأراضي الزراعية «كي نشوي اللحم والدجاج، بينما أصبحنا اليوم نقيم في خيام على هذه الأراضي ونُشوى نحن من شدة الحر»، فيما تصف إسلام العالول على صفحتها في «فايسبوك» حالها في الخيمة، بالقول: «إنها دفيئة زراعية، وبحمد الله نضجنا فيها سريعاً فهرمنا في أقل تقدير 10 سنوات».
ووفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي، فإن «ما يقرب من مليون نازح ومقيم في وسط قطاع غزة، يعاني بعضهم من أمراض معدية، مثل الكبد الوبائي والنزلة المعوية والأمراض الجلدية، نتيجة شربهم المياه الجوفية من دون معقّمات أو فلاتر، فضلاً عن انتشار الحشرات والعقارب والنفايات في محيط الخيام». وكان الدفاع المدني في قطاع غزة، قد حذّر، مراراً، من انتشار الأوبئة والأمراض في مخيمات النزوح في محافظات الجنوب، مع اشتداد موجات الحرّ، وطالب «منظمة الصحة العالمية» بـ«الإسراع في إنقاذ حياة مئات آلاف النازحين الفلسطينيين، والتدخّل لإيجاد أماكن بديلة من الخيام، ولا سيما أنّنا مقبلون على موجات حرّ شديدة متتالية خلال الأيام المقبلة».
* الأخبار