حممٌ من جحيم الطوفان تدك قوات العدوّ في غزة وتهُـــزُّ أركانَ نظامه المتهالك.. تفاصيل ما حدث في اليوم الأُسطوري
متابعات| تقرير*:
تواصلُ فصائلُ الجهاد والمقاومة الفلسطينية، ولليوم الـ235 من ملحمة (طوفان الأقصى) البطولية، تكبيدَ قوات الاحتلال الصهيوني المتوغلة في قطاع غزة خسائرَ كبيرةً، وذلك بتنفيذها عملياتٍ استهدفت جنوده وآلياته، خُصُوصاً شمالي القطاع محور “جباليا”، وجنوبي القطاع، محور شرقي “رفح”.
المقاومة تجبر قوات العدوّ الدخول إلى مناطق قتلها: “جباليا حرام عليكم”
يسعى العدوّ الصهيوني بشكلٍ هستيري ومنذ 72 ساعة، إلى اختراق مخيم “جباليا”، حَيثُ تدور معارك طاحنة على قشرته الخارجية، يدفع فيها العدوّ بالتتابع بفصيلٍ تلو الآخر لتحقيق أي إنجاز أَو خرق للدفاع الصُّلب الذي بنته المقاومةُ في جميع نقاط التقرب، ويتركز الضغطُ على نقطتَين رئيسيتين هما: منطقة مشروع “بيت لاهيا” شمال غرب “جباليا” ومنطقة معسكر “جباليا” من جهة الشمال الشرقي وشرقي منطقة عمليات “جباليا” الكبرى، ونشرت “القسّام”، الثلاثاء، مقطع فيديو يُظهر مجاهديها وهم يدكون مبانيَ يتحصن داخلها جنود الاحتلال، كما نادى أحد المجاهدين متوجّـهاً إلى جنود الاحتلال بالقول: إنّ “جباليا حرام عليكم”.
في السياق، كانت قوات العدوّ الخَاصَّة ووحدات الكوماندوس قد جربت أكثر من 8 محاولات اختراق من ناحية “تل الزعتر” والمقبرة الشرقية وضغطت باتّجاه “تل الريس” وحاولت من الجهة الغربية وباءت كُـلّ هذه المحاولات بالفشل، وتسعى قوات العدوّ بكامل طاقتها باستعداد يقارب الكتيبتين للضغط على منافذ وخطوط دفاع مخيم “جباليا” وتحديداً في “بلوك رقم 2” وحي “الداخلية”، لتأمين مرتكز تتمكّن من خلاله إدخَال الدروع في هذه المعركة.
غير أن المعطيات الميدانية أكّـدت أن التعرض الذكي والمخطّط له مسبقًا، وفي الساعات الـ 48 الماضية، وارتجالياً فرض على قوات العدوّ عند دخولها الوقوع في مناطق قتل معدة جيِّدًا؛ ما يجعلها في حالة تطويق دائم في البقع الصغيرة التي يناور بها أبطال المقاومة بشراسة؛ وهو الأمر الذي أشرنا إليه على صحيفة “المسيرة” في أكثرَ من تقرير سابق أن أُسلُـوب استدراج المقاومة لجنود العدوّ إلى متاهات في جباليا ينذر بإمْكَانية وقوع جنود العدوّ في الأسر، بل وإمْكَانية إبادة مجموعات كبيرة تتعدى الفصيل في ضربة واحدة، وهو ما حدث بالفعل.
إذ نفذت فصائل الجهاد والمقاومة إحدى تلك العمليات في “جباليا” قبيل غروب السبت الفائت، بقوة نخبوية صهيونية يتجاوز استعدادها الفصيل المعزز (18 إلى 25 فرداً)، واستطاع مجاهدو المقاومة بكمينٍ مركّب ومعد جيِّدًا على ثلاث مراحل، الاطباق على القوة بكاملها وابادتها، حَيثُ وقع جميع أفرادها قتلى وجرحى وأسرى واعترف العدوّ حتى الآن بـ 3 قتلى، وإذ لم يعترف بالأسرى؛ فبقية التفاصيل سيتحدث عنها المجاهد “أبو عبيدة” ناطق القسام، خلال الساعات القادمة.
عُمُـومًا، وبحسب مصادر في المقاومة، كان مجاهدو المقاومة قد طبّقوا نفس التكتيكات في “بيت حانون” قبل 36 ساعة من كمين “بيت لاهيا” وأوقعوا قوة من لواء “كفير” عددها 30 فرداً بكمين ثلاثي وقع ضحيته 3 قتلى آخرين، وتجاوز عدد جرحى العدوّ 15 جريحاً بين جراح متوسطة وخطيرة، بحسب اعترافات العدوّ.
قيادة العدوّ تصرف لواء “جفعاتي” نهائيًّا من رفح إلى البيت:
وفقاً لتقارير إعلامية عبرية، حاولت قيادة الكيان العسكرية معرفة واستطلاع القوة والإمْكَانات التي تمتلكها المقاومة، وبعد تجربةٍ هجوميةٍ لم تتعدَّ الـ 48 الساعة منتصف الأسبوع، ومعاينة ما حضّرته المقاومة من إعدادات ميدانية ومفاجآت، وبعد اختبار عينة من قتال وحدات الدفاع الفلسطينية عن رفح، عطّلت قيادة العدوّ هجومها وحوّلته إلى إنشاء “حيز دفاعي” عن المنطقة التي يتجحفلون فيها على الطريق الحدودي الممتد من معبر “أبو سالم” إلى شارع “فيلاديلفيا”.
ومن خلال دراسة طبيعة جغرافيا انتشار العدوّ يظهر أن الحيز الدفاعي الذي سعت قيادة العدوّ لبنائه والذي يأتي بشكلٍ نصف دائرة شطرها طريق المعابر وشعاعها لا يتعدى الـ 800 متر في بعض المناطق و400 متر في مناطق أُخرى، وهذا بحسب التقارير العبرية، يعني أن اختبار القتال الأول للمقاومة فرض على قيادته فورًا إعداد خطة مستعجلة لقطع الاشتباك وفتح ما يشبه محوراً مع المقاومة يتعرض فيهما الطرفان للآخر بالمدفعية الثقيلة والوسائط الجوية وبعض محاولات التسلل لضرب نقاط ثقل على الجانبين، وقد نفذت المقاومة عمليتَي التحام بقوات العدوّ عند خط المعابر أَدَّت -حسب اعتراف العدوّ- إلى مقتل 4 جنود وجرح العشرات.
ونتيجة للاستعصاء الحاصل في شرقي “رفح” وحاجة العدوّ إلى حماية قواته والقتال بأقل استعدادات ممكنة، ناهيك عن الانهيار التام لمعنويات جنوده، سحبت قيادة العدوّ نهائيًّا لواء “جفعاتي” من “رفح” وصرفته إلى البيت، بعد 7 أشهر من القتال المتواصل في معظم محاور غزة؛ بذريعة ما أسمته “ضعف الحافزية القتالية”، وقامت قيادة العدوّ أَيْـضاً بإبقاء استعداد لا يتعدى الـ 5 كتائب “مشاة ومدرعة”، داخل رفح وسحب أكثر من 7 كتائب إلى خارج قطاع غزة.
العودةُ إلى النقطة صفر:
في إجراءٍ عسكريِّ يعبِّرُ عن التحدي والاستهزاء بالعدوّ، أطلقت المقاومة ظهر الأحد، الـ26 من مايو الجاري، رشقة صاروخية من العيار الثقيل على العمق الصهيوني في “تل أبيب” و”غوش دان” ومدن الوسط المركزية.
والجديد في الرشقة الصاروخية تلك؛ أنها جاءت بعد عدة أشهر من وقف استهداف العمق الصهيوني، وقد أطلقت الصواريخ من على بُعد عشرات الأمتار من القوات الصهيونية التي دخلت رفح؛ وهو ما قضى نهائيًّا على ادِّعاء العدوّ تدميره لصواريخ المقاومة.
وفي هذا الإطار يؤكّـد مراقبون أن المجزرة التي ارتكبها العدوّ في مخيم للاجئين غرب رفح لا تتصل بالقتال في رفح، بل تتصل بالضغط على قيادة المقاومة لإعادتها إلى طاولةِ المفاوضات غير المباشرة في مصر، حتى لا تتكشف للداخل الإسرائيلي الكثير من الحقائق التي تخفيها الحكومة عنهم.
التكتيكاتُ الرئيسية التي تعتمدُها المقاومة في المواجهة:
هناك العديد من التكتيكات التي تعتمدها المقاومة، أبرزها الكمائن المُحكمة، وهو استخدام الأنفاق والعبوات الناسفة في استدراج القوات الخَاصَّة وآليات العدوّ إلى مناطق قتل تم إعدادها مسبقًا شمال مخيم جباليا؛ مما يظهر تخطيطاً استباقياً ودراية بتحَرّكات العدوّ، كما تنوع الوسائل القتالية؛ إذ لم تعتمد المقاومة على أُسلُـوب واحد بل نوعت بين قذائف “الياسين 105″ و”التاندوم” و”الهاون” و”صواريخ الرجوم” والعبوات الناسفة “شواظ” و”أبابيل” والبنادق القناصة مثل “الغول”؛ ما يربك العدوّ ويصعِّبُ عليه من مهمة التعامل مع الهجمات.
كما نجحت المقاومةُ من خلال الضربات المؤثرة في تدمير عدد من الدبابات “ميركافا” والجرافات العسكرية “دي9” وناقلات الجند “113”؛ ما الحق خسائر فادحة بقدرات العدوّ العسكرية، وهذا ثمرة من ثمار التنسيق العسكري، حَيثُ تُظهر العمليات المُشتركة بين كتائب القسام وسرايا القدس مستوى جيِّدًا من التنسيق والتخطيط المُشترك، مما يعزز من فاعلية الضربات ويشتت جهود العدوّ.
وفي السياق، أعطى التنوع في التكتيكات دفعة قوية لصالح المقاومة التي استخدمت مجموعة واسعة من التكتيكات شملت الكمائن، والعبوات الناسفة، والقصف الموجه وقنص الأفراد؛ وهو ما يظهر مرونة تكتيكية وقدرة على مباغتة العدوّ.
إلى جانب السيطرة على الطائرات المسيرة؛ فخلال الـ24 الساعة الماضية فقط، تمكّنت القسام من إسقاط طائرات “درون” و”سكاي لارك” والسيطرة عليها؛ ما يظهر تطوراً ملفتاً في القدرات التقنية، بدورها سرايا القدس أسقطت طائرة “كواد كابتر” صهيونية من نوع “مافيك برو” في سماء مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وعرضت، الثلاثاء، مشاهد من استهدافها.
كما استهدفت المقاومة طائرات الإسناد القريب من نوع “أباتشي” لمنعها من الدعم المعلوماتي والقتالي لقوات العدوّ التي تقاتل على الأرض، ونفّذت المقاومة مناوراتٍ واسعةً بالنار وبالحركة لتشتيت القوات الخَاصَّة العاملة في جباليا وكأولوية تعاملت مع أية دبابة متوغلة لدعم المشاة بشكل فوري لتدميرها أَو اعطابها.
وبالتالي فَــإنَّ الفاعليةَ في استهداف الآليات، والتي نجحت المقاومةُ في تنفيذها، أضعفت من قُدرة العدوّ على التقدم وكبَّدته خسائرَ فادحةً، كما حافظت على الروح المعنوية لديها، وأظهرت المقاومة تصميماً عاليًا على مواصلة القتال وتكبيد العدوّ أكبر الخسائر؛ وهذا ما عزز من معنويات الشعب الفلسطيني.
الحرب النفسية.. العصا الغليظة لضرب كيان الاحتلال وتمزيقه من الداخل:
في الإطار، باتت الحربُ النفسية التي تنتهجُها كتائبُ الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وسائر الفصائل؛ سلاحاً قوياً تملكه وتستخدمه في الوقت والزمان المناسبين ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتحمل معه رسائلَ متعددة لجنوده وضباطه، للشارع الإسرائيلي عامة، وحكومة بنيامين نتنياهو على وجهه الخصوص.
جديدُ ما نشرته كتائب القسام فيديو لم يتجاوز الدقيقة إلا بثانيةٍ واحدة، استخدام كوسيلة ضغط على العدوّ ومحاولة إضعاف معنوياته، ووجهت خلاله هذه الرسالة: “جنود لواء أعقاب الفولاذ 401 المجرمين.. علامات أحذية جنود القسام لا تزال بارزة في وجوهكم”.
وسجلت معركةُ (طوفان الأقصى) بداية وانطلاقة قوية لاستخدام القسام للفيديوهات والرسائل الصوتية في إيصال رسائل عدة؛ إذ بدأ في تقديم محتوىً مدروسٍ دقيقٍ، أحدث نقلة نوعية في إعلام القسام الذي يدير الحرب النفسية الأبرز مع كيان الاحتلال، ورغم الضغوط الكبيرة على المقاومة إلا أنها نجحت في إدارة حرب نفسية فعّالة ضد “إسرائيل”.
التوقُّعات المستقبلية للعدو للمرحلة القادمة:
في هذا السياق، يرى مراقبون أنه ومن المتوقع أن تنعكس آثار المجازر وخُصُوصاً المجزرة الأخيرة في رفح وبالاً على العدوّ في جميع ساحات الإسناد داخل فلسطين وخارجها “اليمن، لبنان، العراق”، وبدءًا من الضفة الغربية المتوقع أن تنفجر فيها احتجاجات كبيرة تتخللها عمليات مسلحة مع أرجحية كبيرة لدخول فلسطينيي الأراضي المحتلّة عام 1948م، لأول مرة في حركات ونشاطات عنيفة احتجاجاً على مجزرة رفح.
كما أنه من المتوقع، وبعد سحب لواء “جفعاتي” من منطقة عمليات غزة وإرساله إلى البيت؛ وبسبب عدم وجود قوة مشاة كافية لدى العدوّ، أن يسعى بكل قوته للمحافظة على المنطقة التي قطع فيها الاشتباك شرقي رفح مع المقاومة، خَاصَّة بعدما تحولت قواته إلى وضع الانتشار الدفاعي، وبالتالي فالاستعدادُ المتبقي للعدو شرقيَّ رفح يمنعُه من القيام بخطوات هجومية مستقبلاً، إلا أنه لا يمنعه من تنفيذ هجمات صغيرة لا تتعدى مدتها الـ24 ساعة.
وعليه؛ سيُبقِي العدوّ على استخدامه المكثّـف للطائرات المروحية والمقاتلة لتأمين الاستطلاع الفوري وللاشتباك مع أي جهد للمقاومة يحاول التقرب أَو إيذاء القوى الصهيونية المنتشرة شرق رفح، ونفس التكتيك سيستمر باستخدامه لحماية قواته الراجلة التي غرقت في متاهات “جباليا”، غير أن هذا لن يستمر، بحسب ما أكّـدته القناة “الـ13” العبرية، بأن “نتنياهو يستعدُّ لحلِّ مجلس الحرب بعد الإنذار الذي وجهه الوزير بيني غانتس”.
لكن لا يستبعد مراقبون أن يغامرَ العدوَّ بطريقةِ قتاله المعتمدة في “جباليا” والمرتكزة على الضغط بالقوات الخَاصَّة لتحقيق اختراقات الدروع في مناطقَ رخوة ومحاولة تشويش وتشتيت دفاعات المقاومة عن “جباليا”، وبالتالي من المتوقع ارتفاع عدد وحجم المجازر ضد المدنيين بنسبة كبيرة بعد استمرار الفشل والإخفاق في الهجمات على أكثر من محور، واتساع الشرخ المجتمعي داخل الكيان.
* صحيفة المسيرة | عبد القوي السباعي