متابعات| تقرير*:

انقلب المشهد الميداني، أمس، في مناطق قطاع غزة كافة؛ إذ بدأ جيش العدو عمليات تقدّم برّي متزامنة في شرق مدينة رفح، حيث توغّلت الدبابات في الأحياء الطرفية المأهولة، وفي شرق مخيم النصيرات، كما في عمق الأحياء الجنوبية لمدينة غزة، وتحديداً الزيتون والصبرة والشيخ عجلين. وفي محافظة شمال القطاع، سُجل توغّل محدود في المناطق الحدودية الطرفية لأحياء بيت لاهيا وبيت حانون ومخيم جباليا. في المقابل، عاش جيش الاحتلال يوماً صعباً للغاية، متلقّياً ضربات محقّقة وموثّقة بالكاميرا في محورَي القتال الرئيسيين، في رفح جنوبي القطاع، وحي الزيتون جنوبي مدينة غزة، فيما تعيد الصور والمشاهد التي وزّعها كلّ من الإعلام الحربي لـ»سرايا القدس» والإعلام العسكري لـ»كتائب القسام»، المشهد إلى مربع القتال الأول قبل سبعة أشهر من اليوم، حيث تجدّدت مظاهر الالتحام المباشر، وإطلاق القذائف المضادة للدروع من المسافة صفر، وعمليات قتل الجنود بالقنص والقذائف المضادة للتحصينات.
محور رفح
في محور القتال في مدينة رفح، شهد أمس عمليات ميدانية دسمة، أُولاها كانت كميناً مركّباً تمكّن مقاومو «القسام» من تنفيذه، وفرضت عليه الرقابة العسكرية قراراً بمنع النشر، فيما تداعت صفحات المستوطنين لطلب الدعاء للجنود. وفي التفاصيل، أعلنت «القسام» أنها نفّذت عملاً عسكرياً مركّباً ومتزامناً بالقرب من مسجد الدعوة شرقي مدينة رفح، مستهدفةً بقذيفة «تي بي جي» المضادة للتحصينات مبنًى تحصّن فيه عدد من الجنود، ثم استهدفت ناقلة جند كانت أسفل المبنى بقذيفة «الياسين 105». وفي مسرح الحدث نفسه، استهدف المقاومون مجموعة جنود كانوا يحتمون بناقلة الجند المشتعلة، وأكّدوا أنهم أوقعوا كلّ أفراد القوة بين قتيل وجريح، علماً أنه تمّ رصد هبوط عدد من المروحيات التي تتبع لـ»وحدة الإنقاذ 669» لإجلاء الجرحى والقتلى من المكان. كذلك، أعلنت «القسام» أن مقاتليها تمكّنوا من تنفيذ كمين محكم في ثكنة سعد صايل، حيث فجّروا حقل ألغام معدّاً سلفاً بمجموعة من الجنود، موقعين إياهم بين قتيل وجريح. وحتى ساعات ظهر أمس، كانت «الكتائب» تمكّنت من تفجير ثلاث دبابات وناقلة جند في محور القتال شرقي مدينة رفح، فيما أعلنت «كتائب شهداء الأقصى» أنها استهدفت دبابة بقذيفة «آر بي جي»، وتمكّنت قوات «الشهيد عمر القاسم» التابعة لـ»الجبهة الديموقراطية» من تفجير عبوة ناسفة بآلية عسكرية قرب مبنى بلدية الشوكة شرقي رفح.
وعصراً، عادت «القسام» لتعلن مجدّداً أنها تمكّنت من تنفيذ كمين ثالث، حيث فجّر مقاتلوها عين نفق بقوة إسرائيلية من سلاح الهندسة في محيط ثكنة سعد صايل شرقي المدينة، موقعةً أفرادها بين قتيل وجريح، كما استطاعت السيطرة على جزء من أسلحتها. وفي رفح أيضاً، نفّذ مقاومو «سرايا القدس» و»كتائب القسام»، خلال النهار، العشرات من عمليات إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون التكتيكية؛ أولاها، في ساعات الصباح الباكر، حيث أعلنت «الكتائب» أنها قصفت موقع كرم أبو سالم برشقة صاروخية من طراز «رجوم 114 ملم»، ودكّت موقع إسناد صوفا العسكري بمنظومة «رجوم». كذلك، قالت «السرايا» إن مقاوميها نفّذوا عمليات استحكام مدفعي مركّزة طاولت القوات المتوغّلة في حي السلام شرقي رفح. وظهر مقاوموها في مقطع مصوّر وزّعه الإعلام الحربي، وهم يستهدفون القوات المتوغّلة من عدة مدافع من مناطق متنوعة في وقت متزامن، إذ استخدموا قذائف من العيار الثقيل. وفي ساعات المساء، أعلن الفصيلان المقاومان أنهما قصفا بشكل مشترك القوات المتوغّلة في ثكنة سعد صايل بقذائف الهاون النظامية. وأكدت «السرايا» بشكل منفرد، أنها دكّت الموقع نفسه بوابل من قذائف الهاون النظامية الثقيلة، بالإضافة إلى استهداف القوات المتمركزة برشقة من صواريخ الـ»107».

توّجت المقاومة يومها بإطلاق رشقات صاروخية استهدفت فيها قاعدة «حتسريم» بعمق 40 كيلومتراً

وفي تحليل معطيات المشهد الميداني في رفح التي أعلن مجلس الحرب الإسرائيلي نيّته توسيع رقعة العمليات فيها، تتّضح جملة من الإشارات:
– بخلاف ما أعلنه جيش الاحتلال، لم تكن مدينة رفح، خلال أشهر الحرب الماضية، منطقة آمنة، إذ نفّذ العدو فيها مئات الغارات، واغتال العشرات من قيادات المقاومة، لكن ذلك لم يمسّ بالبناء الهيكلي لفصائل المقاومة التي لا تزال بكامل إمكاناتها.
– راكمت الفصائل خبرةً ميدانية كبيرة، حيث حلّلت المعارك التي شهدتها كلّ مناطق القطاع، وتشرّبت الطريقة التي يتحرّك بها جيش العدو، وأعدّت خطوطاً دفاعية خارج الأحياء الآمنة، قوامها الكمائن النوعية، التي تساهم في الوقت الحالي في مضاعفة الخسائر البشرية حتى قبل البدء الفعلي في التوغّل في الحواضر العمرانية العميقة للمدينة.
– توظّف المقاومة سلاح المدفعية على نحو شديد الفعالية، حيث سُجّل، أمس، حضور لسلاح الهاون والصواريخ القصيرة المدى على مدار الساعة، ما تسبّب بحالة من الإرباك والإشغال وعدم الاستقرار للقوات المتوغّلة، فضلاً عن ما يحقّقه من خسائر بشرية.
– تعطي معركة رفح فرصةً للمقاومة لإعادة إحياء صورة الاقتدار التي ثبّتتها في الأشهر الأولى من الحرب، ولا سيما أن يوم أمس سجّل مشاهد قوية جدّاً، ظهر فيها جنود العدو وهم يُقتلون من المسافة صفر، علماً أن تلك المشاهد كانت قد غابت بسبب انتهاء العمليات البرية الكبرى في كل مناطق القطاع.

محور القتال وسط غزة
سجّل محور القتال في مدينة غزة زخماً ميدانياً منافساً لمدينة رفح، حيث تقدّمت الدبابات الإسرائيلية، أول من أمس، من خطوط التمركز في موقع نتساريم وشارع 10، في اتجاه أحياء تل الهوا والزيتون والشيخ عجلين والصبرة، علماً أن الهجوم الذي تنفّذه القوات المتوغّلة في الزيتون، هو الثالث من نوعه منذ بداية الحرب، غير أن العدو حشد هذه المرة قوات مضاعفة عن المرّتَين السابقتَين. وتشير المساحة التي تتحرّك فيها الدبابات الإسرائيلية إلى أن العدو يحاول توسيع المساحة الآمنة المكشوفة حول المواقع المستحدثة في حاجز نتساريم، والتي تعرّضت، طوال الأسبوعين الماضيين، لعمليات قصف مركّز بالقذائف والصواريخ التكتيكية. لكنّ العملية البرية التي ظنّ أنها ستكون أسهل من سابقاتها على اعتبار أن المقاومة منيت بضربات مركّزة وعمليات استنزاف للمخزون البشري واللوجستي، امتدّت طوال أشهر القتال الطويلة، فوجئ العدو فيها بمقاومة شرسة للغاية، إذ وقع، في ساعات صباح أمس، في كمين محكم، نفّذته «سرايا القدس»، التي أوضحت، في بيانات، أن مقاوميها فجّروا حقل ألغام بقوة إسرائيلية كانت تتقدّم في الحيّ، وأردت أفرادها بين قتيل وجريح. وأعلنت فصائل المقاومة، طوال النهار، تنفيذ عدد كبير من المهمّات القتالية، حيث تمكّنت «القسام» من تفجير جرافة «دي ناين» بقذيفة «الياسين 105» كانت توغّلت في حي الصبرة. وفي حي الزيتون، دمّر مقاومو «القسام» دبابة «ميركافا 4» بقذيفة «الياسين». ومن جهتها، أعلنت «سرايا القدس» أنها استهدفت دبابة في محيط مستوصف الزيتون بقذيفة «آر بي جي». وعصراً، قالت «السرايا» إن مقاوميها تمكّنوا من استهداف مجموعة من الجنود الذين يعتلون برج دبابة بقذيفة «تاندوم»، وحقّقوا فيهم إصابات مباشرة. أيضاً، أكّدت «القسام» أن مقاوميها قنصوا ضابطاً إسرائيلياً جنوبي حي الزيتون.
كذلك، وظّفت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، سلاح المدفعية على نحو شديد الزخم، إذ أعلنت كل من «السرايا» و»الكتائب» و»كتائب المجاهدين» و»شهداء الأقصى»، دكّ القوات المتوغّلة في أحياء الزيتون والصبرة بالعشرات من قذائف الهاون. وعلى رغم أن العملية البرية تهدف، وفق ما هو ظاهر، إلى زيادة قطر الأمان في محيط القوات التي تعسكر في حاجز نتساريم، فقد أعلنت «القسام» أنها تمكّنت من استهداف جنود العدو في تلك النقطة بالعشرات من قذائف الهاون والصواريخ التكتيكية القصيرة المدى. وفي ختام اليوم العملياتي الدسم، الذي اعترف فيه العدو بمقتل نحو 5 جنود في حي الزيتون، وواصل فرض الرقابة العسكرية على مجريات الميدان في مدينة رفح، توّجت المقاومة يومها بإطلاق رشقات صاروخية استهدفت بها قاعدة «حتسريم» بعمق 40 كيلومتراً، ومدينة بئر السبع بأكثر من 15 صاروخاً، فيما قال جيش العدو إن تسعة من الصواريخ انطلقت من مدينة رفح، وستة أخرى من وسط القطاع.
في محصّلة الأمر، سجَّلت المقاومة لنفسها يوم قتال ميداني ناجحاً ودسماً للغاية، تمكّنت فيه من تفجير نحو 10 دبابات وآليات في محورَي القتال في رفح والزيتون، ونفّذت فيه نحو 5 كمائن ناجحة، وأطلقت على مدار ساعات الالتحام العشرات من قذائف الهاون والصواريخ القصيرة المدى، بل واستهدفت مدن العمق للمرّة الأولى منذ كانون الأول الماضي، برشقة صاروخية لم تستطع منظومة «القبة الحديدية» التصدّي لها. وفضلاً عن كل ذلك، تحوّل إعلان العدو عن إصابة 11 من جنوده بلسعات عنيفة من «دبابير رفح»، بعدما داست دبابتهم «عش» شرقي المدينة، إلى أكثر الأخبار الطريفة والمثيرة للسخرية، فيما أجمعت وسائل إعلام إسرائيلية على أن ما يحدث في حي الزيتون الذي تم احتلاله مرتين، يظهر الوضع المعقّد الذي تعيشه إسرائيل بعد سبعة أشهر من الحرب.

* الأخبار البيروتي