7 أَيَّـام من اجتياح وحصار العدوّ لمستشفى الشفاء في غزة.. الدوافع والنتائج
متابعات| رصد:
170 يوماً من الحرب ولم يستطعِ الاحتلالُ الإسرائيلي تحقيقَ أهدافه في قطاع غزة، وأوّلُها القضاءُ على المقاومة الفلسطينية، أَو حتى إضعافها؛ إذ لا تزال المقاومة تواجه الاحتلال في أكثر من محور قتالي ومنطقة عمليات، فلجأ تغطيةً لفشله لمعاودة استهداف المنظومة الصحية غير أنهُ فشل في تحقيق أي هدف، رغم بذله أقصى جهده على مدار 7 أَيَّـام متواصلة، ولا تزال عمليات المقاومة مُستمرّة في التصدي له حتى اللحظة.
دوافعُ الاحتلال الإسرائيلي من استهداف مجمع الشفاء:
مطلع الشهر الجاري، تم تكليف شرطة غزة بتأسيس خلية إدارة أزمة تتولى عمليات تنسيق وإدارة وحماية جهود الإغاثة في شمال غزة وتم تحديد مستشفى الشفاء كمقر لعمليات الإغاثة في شمال غزة كما تم إنشاء ثلاث إدارات في مناطق الوسط والجنوب ورفح تتبع فنياً لإدارة الخلية في مستشفى الشفاء.
وبناءً على تصريحاتٍ سابقة لمسؤولين أمميين فقد تولت هذه الإدارة مهمة الإشراف على السلامة العامة فيما تبقّى من شمال غزة بعد انسحاب قوات الاحتلال شهر ديسمبر 2023، وتولت الإشراف على عمليات الدفاع المدني، وعلى عمل أجهزة البلديات، كما قامت بتأمين المناطق الخالية من السكان من عبث العابثين وعصابات السرقة المنظمة، والإشراف على انتشال الشهداء المدفونين منذ أشهر تحت الأنقاض والذين صنف 8000 منهم في خانة المفقودين، وعملت على تنسيق وإدارة عمليات الإغاثة في شمالي غزة.
وبناءً على ما تقدم فَــإنَّ المسؤولية الملقاة على عاتق المقاومة من خلال هذه الإدارة المدنية هو السعي بأقصى طاقة للحفاظ على مدنية هذا المرفق والابتعاد عنه ما أمكن لحماية هُــوِيَّته المدنية؛ إذ تشيرُ تقاريرُ أممية إلى أن هذه الإدارة استطاعت خلال أقلَّ من أسبوعَين فقط، إعداد خطة لاستيعاب أهم المشاكل الاجتماعية للأهالي والبدء بحلها، وكان لها نجاحات ميدانية غير مسبوقة.
هنا، يؤكّـد متابعون أن العدوان الإسرائيلي الأخير على مستشفى الشفاء هدف بدرجة رئيسية إلى تدمير هذه البنية التي نجحت في مهامها في فترة وجيزة جِـدًّا؛ وهو الأمر الذي لم يرق لكيان الاحتلال في سعيه إلى تقويض كُـلّ المؤسّسات الفاعلة في غزة أكانت تابعة لحكومة غزة أم كانت تابعة للمقاومة.
وبالتالي، فمخطّط الاحتلال المتمثل باجتياح مستشفى الشفاء كان هدفه الرئيسي هو القضاء على خلية الأزمة لإفساح المجال لإطار يخطط له العدوّ وهو تسليم “شِق الإدارة المدنية” لقطاع غزة لأفراد ومنظمات مجتمع مدني وعشائر وعائلات تقبل بالتعاون مع العدوّ، كما هو سعيه في استهداف المستشفيات الأُخرى.
الموقف الميداني في محيط مجمع الشفاء في اليوم الـ7 من الاجتياح:
بدايةً؛ أعلن جيش الكيان أنه وعند الساعة الثانية والنصف من فجر الاثنين، الـ18 من الشهر الجاري، وبناءً على ما ادعت قيادته أنها معلومات استخبارية وصفها بالذهبية، قيام تشكيل قتالي يعمل تحت قيادة الفرقة 162 مؤلف من (الفريق القتالي في اللواء 401 المدرع، وسرية من لواء الناحال، و3 فصائل من وحدة الشييطيت 13، وفصائل من وحدة دوفدفان، وقوات من الشاباك، ووحدة الـ 504 التابع لاستخبارات العسكرية، وفصائل من وحدات لوتار وروفائيم 888 وسييريت ماتكال).
وبحسب مصادر إعلامية عبرية فَــإنَّ مهمة هذا التشكيل، تمثلت بشن هجوم على مستشفى الشفاء، ونفذ استعداداً يوازي لواء من المشاة النخبوية والقوات الخَاصَّة عملية مداهمة للمستشفى بدأت بأحزمة من الغارات الجوية والقصف المدفعي من البر والبحر، فيما تم الزج بأسراب من الدرونات الصغيرة “الكواد كوبتر” المسلحة والمزودة بتقنية الرؤية الليلية وبدأت تطلق النار على كُـلّ كائن يتحَرّك.
وفيما تشير تقارير أممية إلى أن وجودَ خلية الأزمة التابعة لشرطة غزة والمكلفة بتنسيق المساعدات لشمال القطاع، جعل المقاومة الفلسطينية تكتفي بتنظيم عملية تواصل مع خلية الأزمة وتركها تعمل بوظيفتها المدنية التي بدأتها في أوائل مارس الحالي، بالتنسيق مع فرق الأونروا؛ الأمر الذي ينفي طبيعة الهدف المدني، (مستشفى الشفاء) كهدف عسكري.
إلى ذلك، أكّـدت المقاومة أَيْـضاً أنهُ ونتيجة للطابع المدني للمستشفى لم تطلب خلية الأزمة سوى فصيلٍ معزَّزٍ من شرطة غزة مزوداً بأسلحة رشاشات فردية لحماية المستشفى.
وأكّـدت أنهُ وفي اللحظات الأولى لاقتحام أبواب المستشفى الخارجي قاد العميد فائق المبحوح مع 25 إلى 30 عنصراً بأسلحتهم المتواضعة معركة لا متكافئة ضد سريتين من اللواء 401 ولواء الناحال؛ أي ما يفوقهم بعشرة أضعاف، وفي الاشتباك الأول قتل قائد القوة المهاجمة الرائد “سيباستيان أيون”، برصاص الشهيد العميد فائق المبحوح، و”أيون” القتيل كان يشغل أَيْـضاً مسؤولية قائد التشكيل القتالي في اللواء 401 واحد ضباط عمليات اللواء.
وأفَادت، بأن عناصر شرطة غزة تمكّنوا من منع العدوّ من الاقتحام لساعتين، إلا أنه وبعد ارتفاع عدد القوة الصهيونية المشاركة إلى ما يفوق 1000 عنصر، استطاع جنود العدوّ اقتحام المستشفى على جثامين العميد مبحوح و29 من أفراد شرطة غزة.
المصادر الإسرائيلية أشَارَت بدورها، إلى أنهُ وفي الدقائق الأولى لاقتحام المستشفى “تولت عناصر من وحدة الكوماندوس البحري الشيطيت 13 مداهمة الطابقين الأخيرين من المستشفى وتوزع أفراد باقي الوحدات الأُخرى على الطوابق الأُخرى”، وقد كشف تقرير إسرائيلي بأن الأوامر المعطاة كانت “أقتلوا كُـلّ من في المستشفى”، وقبيل الظهيرة ارتفع عدد الشهداء إلى 60 جُلُّهم من الأطباء والمرضى والجرحى الذين كانوا يعالجون في المستشفى.
وفورَ السيطرة على المستشفى الأعزل وخلال ثلاثة أَيَّـام من احتلال المستشفى نفذ جنود العدوّ عمليات اعتقال لكُلِّ من كان في المستشفى وخارجها في الباحات من لاجئين، وبحسب تقاريَر عبرية فقد أنهى جيش الاحتلال مهمة قواته فجر 21-3-2024م، وأبقى 250 جندياً وضابطاً في محيط المستشفى من لوائي ناحال و401 وقوات من وحدة الكوماندوس البحري الشييطيت 13؛ بغرض دفع الأهالي للنزوح من ناحية، والاشتغال على بث حرب نفسية ودعائية كجرائم التعذيب والاغتصاب والقتل، لطمس ما لحقه من عار في الـ7 من أُكتوبر.
جريمة الاستهداف الممنهج للقطاع الصحي والموقف الأممي:
في هذا الإطار، فَــإنَّ توسيع الاحتلال الصهيوني حربه الفاشية ضد القطاع الصحي والمستشفيات في قطاع غزة، يؤكّـد إصراره على المُضِيّ في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، ومحاولات تهجيره عن أرضه، عبر تدمير كُـلّ سبل الحياة في قطاع غزة وعلى رأسها المستشفيات.
ويرى الكثير من المحللين أن عدم تتدخل المقاومة الفلسطينية في العمليات التي جرت داخل حرم مستشفى الشفاء، يمكن أخذها من تصرفها في أول عملية استباحة نفذها جيش الكيان لمجمع الشفاء الطبي في 13-11-2023م.
إذ تبين أن المستشفى في المرتين الأولى والثانية؛ أنه لا وجود للمقاومة فيه وأن المستشفى مركزٌ مدني صحي لا يجوز الاقتراب منه لوجود مرضى وجرحى وآلاف اللاجئين فيه، إلا أن الاجتياحَ الثاني الذي نُفِّذ هذه المرة على المستشفى، ميّزته أنه كان تحت حماية وزارة الداخلية الفلسطينية، أي تحت كنف المؤسّسة الشرعية للحكومة المعترف بها وفق اتّفاقات الأمم المتحدة واتّفاقات أوسلو و”واي بلانتاشيون”، وهو ما ترعاه كُـلُّ الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، سيما وأن الجهة التي تؤمِّنه هي جهاز يتولى منذ اجتياح شمال القطاع مهمات العمل الاجتماعي والمدني.
وفي السياق، أشَارَت المقاومةُ إلى اقتحام قوات الاحتلال ليلة السبت، مستشفى النصر بغزة، وحصاره مستشفى الأمل وتوغُّل آلياته باتّجاه مستشفى ناصر بخان يونس، وسط غارات جوية كثيفة، بالتوازي مع استمرار الجرائم الصهيونية في مجمع الشفاء الطبي، ضد المدنيين العزل من المرضى والجرحى.
وشدّدت على أن هذه “الجرائمَ والهجمات الهمجية، والتي تَنْتَهك كُـلّ الاتّفاقيات والمعاهدات الدولية، التي تجعل من المستشفيات أماكن محمية، وتشدّد على حماية المدنيين؛ تحدث أمام سمع وبصر العالم أجمع، دون أن يحرّك ساكناً، في الوقت الذي يجب أن تنتفض فيه المنظومة الدولية لردع هذا الكيان المارق، وتُوقِف جرائمه المُستمرّة بحق شعبنا الفلسطيني الأعزل، وتُفَعِّل ضده كافة أدوات المحاسبة والعقاب”.
وأكّـدت المقاومة الفلسطينية أن “هذه الجرائم الفاشية لن تزيد شعبنا إلا إصراراً على التمسّك بأرضه، ومقاومتنا إلا ثباتاً في وجه آلة الإرهاب والقتل الصهيونية، حتى دحر هذا العدوان، وتحقيق تطلعات شعبنا بالحرية”.
إجمالاً، في ظل الانهيار الكامل لمنظومة الحماية المدنية والاجتماعية؛ وبسبب انهيار القطاع الإغاثي والصحي في شمال قطاع غزة خُصُوصاً وفي القطاع عُمُـومًا وضعف إمْكَانيات الهلال الأحمر الفلسطيني الذي أطاح العدوان عمداً بكل أدواته وآلياته ومراكزه وهياكله وقضى على نسبة كبيرة من كوادره، وفاقم ذلك وزاده صعوبة الانهيار المتزامن للمؤسّسات الدولية المانحة وفراغ مستودعات الأُونروا والصليب الأحمر الدولي من أي شيء، يزيد من مسؤولية الأُمَّــة العربية والإسلامية وأحرار العالم، إلى التحَرّك العاجل لنصرة وإسناد أهل غزة ومقاومتها بل الطرق والوسائل.