كل ما يجري من حولك

المساعداتُ “الإنسانية” الأممية في اليمنيين.. مَن يدعَـــمْ غـــزةَ يُحــرَمْ!

278

استمرارُ نشاط برنامج الأغذية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعيّنة سعودياً والمناطق الجنوبية وتوقّفها في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، جعل الكثير يربط بين موقف حكومة صنعاء من العدوان على غزة، واستمرار أنشطة برنامج الأغذية في تلك المناطق.

متابعات| تقرير*:

عجزت الثلاثينية سامية العبسي عن دفع إيجار شقتها للشهر الثاني على التوالي، بعد توقّف صرف المساعدات الغذائية التي كان يقدّمها برنامج الغذاء العالمي للمستفيدين في معظم المحافظات اليمنية.

لقد اضطرّت العبسي التي تعمل في مكتب خدمات إعلانية مقابل 50 ألف ريال (ما يقارب 100$ شهرياً) لتخصيص هذا المبلغ لشراء المواد الغذائية الأساسية بدلاً من دفع إيجار السكن.

وتقول في تصريح لـلميادين نت: “لقد وقعت بين نارين، إما الجوع مقابل السكن، أو الغذاء مقابل التشرّد في الشوارع”، مؤكدة أن إيقاف صرف المساعدات الغذائية جعلها أكثر قلقاً على عائلتها المكوّنة من ثلاثة أطفال، إضافة إلى والدتها المسنّة.

العبسي واحدة من ضمن 6 ملايين مستفيد موزّعين على المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء، كانت تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الغذائية “السلة الغذائية” التي كان يقدّمها برنامج الغذاء العالمي، قبل أن يعلن إيقاف توزيع المساعدات ابتداء من شهر كانون الأول/ديسمبر 2023.

وأوضح برنامج الأغذية العالمي في اليمن أن قرار إيقاف المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء “تمّ اتخاذه بالتشاور مع الجهات المانحة”، مبرّراً اتخاذه لهذا القرار بـ”محدودية التمويل”، لكنه أكد في البيان نفسه الذي نشره البرنامج في موقعه الإلكتروني، استمرار توزيع المساعدات الغذائية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعيّنة سعودياً.

المساعدات وموقف اليمن من غزة:

استمرار نشاط برنامج الأغذية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعيّنة سعودياً والمناطق الجنوبية وتوقّفها في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، جعل الكثير من العاملين في معالجة الوضع الإنساني يربطون بين موقف حكومة صنعاء من العدوان الإسرائيلي على غزة، واستمرار أنشطة برنامج الأغذية في تلك المناطق.

وفي هذا السياق، يؤكد المسؤول الإعلامي للمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية والتعاون الدولي في اليمن جمال الأشول، أن قرار إيقاف المساعدات الغذائية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء له تداعيات كبيرة، وتضاعف المعاناة الإنسانية الأسوأ في العالم التي يعيشها الشعب اليمني من جراء العدوان والحصار، مؤكداً أنّ أميركا تستخدم الورقة الإنسانية للضغط على الشعب اليمني من أجل تحقيق أهداف سياسية، واصفاً هذا السلوك بأنه “جريمة حرب تنتهك كلّ القوانين الدولية”.

وقال الأشول في حديثه للميادين نت: “إيقاف المساعدات من قبل برنامج الأغذية العالمي، في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء جاء بتوجيه أميركي، كوسيلة ضغط بسبب موقف اليمن المساند لفلسطين”.

واتهم المنظمات العاملة في المجال الإنساني بالانصياع للضغوط الأميركية، وهذا ما أدى إلى تفاقم المأساة خاصة للمستفيدين الأشد فقراً، مؤكداً أن هذا السلوك لن ينجح في تغيير موقف الشعب اليمني حيال القضية الفلسطينية التي يعتبرها قضيته الأساسية.

تعميق جراح النازحين:

وقع الأربعيني فؤاد المساوى بين خيارين أحلاهما بطعم العلقم، نتيجة توقّف المساعدات الغذائية والنقدية التي كان يحصل عليها شهرياً من المنظمات العاملة في المجال الإنساني طوال 6 سنوات من النزوح.

يفكّر المساوى الذي نزح مع عائلته، من منطقة تهامة غرب اليمن، بالعودة إلى قريته رغم المخاطر الأمنية التي قد يتعرّض لها وحرمان ابنتيه من إكمال تعليمهما الجامعي، ويقول لـلميادين نت: “توقّف صرف المساعدات وضعني بين نارين، إما العودة إلى القرية وحرمان بناتي من التعليم أو البقاء في صنعاء ومواجهة المجهول”.

المساوى واحد من بين أكثر من 5 ملايين و126 ألف نازح ‏يتوزّعون على 15 محافظة يمنية يواجهون المصير ذاته، نتيجة إيقاف صرف المساعدات، ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، فإنّ إيقاف أنشطة الأغذية العالمية حرم أيضاً 46 ألفاً و629 مستفيداً من المساعدات النقدية.

الإجراءات الأخيرة للمنظمات الإنسانية في اليمن شملت أيضاً توقّف أنشطة التدخّلات المتعلّقة بالحد من انتشار سوء التغذية، في ظل ارتفاع عدد حالات الإصابة بسوء التغذية الحاد والعام، متجاوزة 4 ملايين و500 ألف حالة حتى نهاية 2023، معظمهم من الأطفال والنساء.

وضع كارثي:

يستقبل مشروع التغذية المدرسية في صنعاء عشرات المكالمات يومياً، يستفسر فيها المواطنون عن موعد صرف المساعدات، وفقاً للمسؤول الإعلامي لمشروع التغذية نبيل القدسي، عوضاً عن عشرات المستفيدين الذين يذهبون يومياً إلى مقرّ المشروع للسبب نفسه.

يقول القدسي لـلميادين نت: “الكثير من الرسائل نستقبلها بشكل يومي حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمشروع حول موعد الصرف، لكن -مع الأسف- لا نعرف ماذا نردّ على استفسارات المستفيدين”، واصفاً آثار إيقاف توزيع المساعدات بأنها ستكون “كارثية” على مئات الآلاف من الأسر اليمنية.

وكان مشروع التغذية المدرسية في صنعاء، وهو أكبر شريك محلي لبرنامج الأغذية العالمي، يستهدف أكثر من ثلاثة ملايين شخص من خلال صرف سلة غذائية شهرياً، ووفقاً للقدسي كانت تلك المساعدات هي المصدر الوحيد لتأمين لقمة العيش في ظل استمرار أزمة انقطاع الرواتب وارتفاع معدلات البطالة واتساع رقعة الفقر والجوع.

وخلال أكثر من ثماني سنوات كانت مئات الآلاف من الأسر اليمنية تعتمد بشكل أساسي على تلك المساعدات التي ساهمت في نجاتهم من المجاعة، وتحتوي السلة الغذائية الشهرية على “75 كغ دقيق، 10 ليترات زيت طعام، 5 غرامات ملح و2 كيلو بقوليات” قبل أن يتمّ تقليص كمية الدقيق قبل عامين إلى 50 كغ.

وأكد القدسي أن انعدام الأمن الغذائي يعرّض حياة ثلثي سكان اليمن للخطر، موضحاً أن القائمين على الوضع الإنساني في اليمن مدركون حجم المساعي المبذولة من قبل البرنامج لاستئناف توزيع المساعدات، وهناك تواصل مستمر ومساعٍ حثيثة لاستئناف النشاط، وفق قوله.

وإلى أن تصل حكومة صنعاء إلى اتفاق مع المنظمات الدولية -وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي- ستظل سامية العبسي وفؤاد المساوى ومعهم ملايين اليمنيين يواجهون مخاطر الإصابة بسوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي.

* الميادين| معين النجري

You might also like