حين يكونُ اليمنُ هدفاً لعدوانٍ ممتدّ: أمريكا تعمّقُ مأزِقَها
متابعات| تقرير*:
يشير العدوان الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن تحت اسم «بوسيدون آرتشر»، فجر أمس، إلى نهج أكثر تنظيماً وأطول أجَلاً للعمليات في هذا البلد. ويعترف مسؤولو البيت الأبيض بأن ذلك العدوان منفصل عن عملية «حارس الازدهار»، كما يقرّون بأنهم يتّجهون إلى التورّط في صراع شرق أوسطي آخر مفتوح، من دون استراتيجية خروج. وتعتبر الإدارة الأميركية أن ضربات الجولة الأولى التي استمرّت عشرة أيام، لم تحقّق الهدف الرئيسيّ منها، والمتمثّل في ردع اليمن، وتقرّ بأن صنعاء استمرت على إثر تلك الجولة في تنفيذ قرارها استهداف السفن الإسرائيلية. وفي أعقاب ذلك الفشل، دعا البيت الأبيض، الأربعاء، كبار المسؤولين إلى اجتماع، لمناقشة الطرق التي يمكن أن يطوّر بها ردّه لوقف عمليات «أنصار الله» في البحرَين: العربي والأحمر. وبدأت الولايات المتحدة تنفيذ الجولة الثانية من العملية فجر أمس، حين شنّ طيران العدوان الأميركي – البريطاني غارات طاولت خمس محافظات هي: صنعاء، الحديدة، تعز، البيضاء وحجة. ووفقاً للمتحدث باسم القوات المسلّحة اليمنية، العميد يحيى سريع، فإن الاعتداء الجديد شمل 18 غارة جوية، 12 منها استهدفت أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، و3 طاولت محافظة الحديدة، و2 تعز، وغارة واحدة على البيضاء. وتفصيلاً، طاولت الغارات قاعدة الديلمي الجوية الواقعة في حرم مطار صنعاء الدولي، بواقع غارتين نفذتهما طائرات بريطانية واستخدمت فيهما قنابل «بيفواي» دقيقة التوجيه، بحسب بيان لوزارة الدفاع البريطانية، فيما ألقى الطيران الأميركي قنابل شديدة الانفجار على معسكر السواد جنوب العاصمة ومعسكر الحفا شرقها، بالإضافة إلى شنّه غارة على مواقع غير مأهولة في منطقة رداع في محافظة البيضاء، وأخرى طاولت منطقة البرج في مديرية مقبنة في تعز، وثالثة في منطقة الجند شرق تعز.
وأكدت مصادر عسكرية في صنعاء، لـ«الأخبار»، عدم سقوط ضحايا نتيجة الغارات التي استهدفت معسكرات ومناطق خالية من أي وجود عسكري. ونفت الرواية الأميركية التي زعمت أن الغارات طاولت مخازن أسلحة ومستودعات للذخائر الحية، مؤكدة أن المناطق التي تعرضت للقصف سبق لقوات تحالف العدوان السعودي – الإماراتي استهدافها بمئات الغارات خلال السنوات الماضية، ووصفت العملية الأخيرة بأنها «عديمة الأهداف». وكانت واشنطن ولندن قد أعلنتا، في بيان مشترك في أعقاب الهجوم، استهدافهما ثمانية مواقع مرتبطة بالقدرات الصاروخية والمراقبة الجوية اليمنية، وقالتا إن العملية العسكرية المشتركة جاءت بدعم من البحرين وكندا وأستراليا وهولندا، وإنها تأتي في إطار الرد على هجمات «أنصار الله» في البحر الأحمر، ومن بينها التي أصابت سفينتين أميركيتين.
ثمّة رأي وازن يقول إن الهدف الأميركي في البحر الأحمر تعدّى حماية الممرّات المائية
وفي تعليق على تلك الغارات، أكد عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله»، علي القحوم، لـ«الأخبار»، أن ما جرى «إرهاب دولي ممنهج لن يوقف عمليات صنعاء ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل»، وحذّر دول العالم من «الخدع الأميركية ومحاولات واشنطن وحلفائها تشويه عمليات المناصرة اليمنية لفلسطين وشعبها المظلوم»، لافتاً إلى أن «التصعيد الأخير ضد اليمن يأتي فيما الشعب الفلسطيني في غزة يواجه أكبر كارثة إنسانية جراء الحصار الأميركي – الإسرائيلي». أما الخبير العسكري، اللواء طيار عبد الله الجفري، فأكد، لـ«الأخبار»، أن التصعيد العسكري يدفع نحو تعقيد الأوضاع في البحرَين: الأحمر والعربي بشكل أكبر، مشيراً إلى أن الهجمات الأخيرة، على رغم فشلها في تحقيق أي أهداف، تأتي في إطار محاولات واشنطن استعادة هيبتها البحرية في أهمّ الممرات المائية والمضائق العالمية.
وأثارت العملية التي أطلقت عليها واشنطن اسم «بوسيدون آرتشر» (وفق الميثولوجيا الإغريقية، فإنّ بوسيدون هو إله الزلازل والعواصف البحرية والماء، وهو باني طروادة برفقة ابن أخيه أبولو)، قلق النخبة الأميركية من عدم امتلاك إدارة بايدن استراتيجية واضحة بشأن مسار الهجمات وأمدها. ومنبع القلق هو أن مهاجمة اليمن قد دفعت الولايات المتحدة إلى صراع شرق أوسطي مع استراتيجية خروج ضعيفة، ودعم محدود من الحلفاء الرئيسيين، حيث امتنع أقوى شركاء أميركا في الخليج والدول المشاطئة للبحر الأحمر عن دعم العملية الأميركية. وكان المسؤولون الأميركيون قد ناقشوا العملية العسكرية، كلّ من زاويته، إذ إن بعضهم قاربها من حيث الكلفة والأمد الطويل، وهذا ما أشار إليه السيناتور جاك ريد، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، حين قال إن «بعض الصواريخ المستخدمة حتى الآن قد تكّلف مليونَي دولار للقطعة الواحدة. ثمة مشكلة ستبرز حول المدة التي يمكننا فيها الاستمرار في إطلاق الصواريخ الباهظة الثمن».
ويخشى العديد من المسؤولين الأميركيين من الغرق في المستنقع اليمني، ويمنّون أنفسهم بأن لا يطول الانخراط في الحرب، وأن لا تستمر العملية لسنوات مثل الحروب الأميركية السابقة في العراق أو أفغانستان أو سوريا. ولكن في الوقت نفسه، يعترفون بأنهم لا يستطيعون تحديد تاريخ نهائي أو تقديم تقدير للوقت الذي ستتضاءل فيه القدرة العسكرية لليمنيين بشكل كاف. ويقول السيناتور ريتشارد بلومنثال (وهو ديموقراطي من كونيتيكت) في هذا الإطار: «كان الحوثيون يعيدون البناء حتى عندما قصفهم السعوديون لسنوات، لذا فإن الأمر مثير للقلق». أما عضو الكونغرس، رو خانا، فكتب أن بايدن يحتاج إلى الذهاب إلى الكونغرس للحصول على إذن بشأن الهجوم على اليمن، وتوقّف عند لوحة إعلانية وضعتها حكومة صنعاء تصوّر المدمّرات البحرية للدول الأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مع عبارة «ستتمّ هزيمة التحالف البحري»، وذلك في أحد الشوارع في صنعاء.
وكانت الغارات قد بدأت في أعقاب إعلان صنعاء استهداف قواتها سفينة عسكرية تسمّى «أوشن جاز»، على رغم محاولات واشنطن إنكار استهداف السفينة العسكرية، التي زعمت أن قواتها البحرية وفّرت لها الحماية الكاملة في خليج عدن والبحر الأحمر. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن شركة الاستشارات الأمنية البريطانية «أمبري»، أنه في الساعات التي سبقت الضربات الأميركية الأخيرة، تم استهداف ناقلة «حمولات ثقيلة» مملوكة للولايات المتحدة وترفع علمها، أثناء إبحارها شرقاً في خليج عدن، وذلك بصاروخ انطلق من اليمن.
وغداة الغارات، كشفت مصادر ملاحية، عن تنفيذ قوات صنعاء، أمس، عملية عسكرية جديدة ضد سفن معادية في البحر الأحمر. وأفادت المصادر بأن انفجاراً جديداً هزّ باب المندب، مشيرة إلى أن العملية الجديدة قد تكون رسالة تحذيرية لدفع سفينة شحن على تغيير مسارها بينما كانت متّجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
* الأخبار البيروتية