كل ما يجري من حولك

انهيارُ خطة “تنوفا” في مستنقع قطاع غزة

250

متابعات| تقرير*:

تمثّل معركة غزة الاختبار الكامل لخطة “تنوفا” التي دخلت حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني 2020، تعتمد الخطة على استراتيجية رباعية الأبعاد للقوات البرية المبنية على المشاركة في القتال فوق الأرض وتحتها والحرب الالكترونية، وإنشاء شبكة استخبارية “غير مرئية” في ساحة المعركة بهدف جمع المعلومات معتمدة “على طائرات استطلاع قادرة على رصد أي شيء يصدر عنه إشارة”، ما يؤدي على الفور إلى تحديد موقع الهدف بشكل آلي، وتشغيل نظام عسكري مضاد يستخدم قذائف ذكية يمكن التحكم بها أثناء طيرانها بهامش خطأ لا يتعدى الخمسة أمتار، وتحويل سلاح المدفعية بالكامل إلى استخدام القذائف “ذكية التوجيه”.

كانت الخطة محل إجماع بين المستويين العسكري والسياسي وكانت شهادة المستوى الأمني حينها بأنها الخطة الأكمل لعودة جيش الاحتلال إلى المستوى الذي كان عليه في السبعينيات، بل ثمة من اعتبر أن “تنوفا” تلبي متطلبات الانتقال بالقوة العسكرية الصهيونية إلى المستقبل. وعليه فإن اختبارها كخطة تشغيلية شاملة كانت فرصة لتطبيق المبدأ القتالي والتشغيلي والعقيدة القتالية “لجيش اسرائيل القادم” والتي تلبي الاستراتيجية العسكرية للكيان المؤقت.

بموجب خطة “تنوفا” اعتبر صنّاع القرار في الكيان المؤقت أن الجيش سوف يتجه في المرحلة القادمة إلى الحفاظ على حجمه وتفوقه البشري والنوعي والتسليحي والتقني، ليصبح أكثر ذكاءً، في حين ترمي خطة تطوير جيش الاحتلال إلى تحديثه وتحسين نوعيته وتعزيز تفوقه من خلال توظيف الطاقات العلمية الإسرائيلية، وتشغيلها في مشروعات تطوير الأسلحة، وتوسيع دائرة الاكتفاء الذاتي من حاجة الجيش إلى الأسلحة والعتاد بمختلف أنواعه. كما ان تكيّف الجيش وفق العصر السيبراني الجديد هو تحدٍ لا يمكن التقليل من أهميته ومن تعقيده.

كان المنتظر ان تشهد القوات البرية الإسرائيلية تحولاً كبيراً في السنوات التي ينفذ فيها مبدأ التشغيل الجديد مع تعزيز الكتائب وفق استراتيجية القتال رباعي الأبعاد في مواجهة الخبرات التي راكمها أعداؤه كحزب الله و كتائب القسام وسرايا القدس بنسختها الحديثة السريعة والمتنقلة والضاربة، والثقة والقدرة التشغيلية العالية التي تم اكتسابها طوال السنوات الماضية. حيث استطاعت هذه القوى تطوير ترسانة جديدة من الأسلحة تتضمن أجهزة رؤية ليلية عالية الجودة، أجهزة الكترونية قتالية، مئات الطائرات من دون طيار، قذائف ثقيلة وصواريخ قادرة على حمل نصف طن من المتفجرات، بالإضافة إلى القدرات الجديدة المكتسبة كالمناورة في أرض العدو وإعادة تشكيل القوات بسرعة كبيرة.

تطبيق خطة “تنوفا” في الدفاع

اعتمدت كتائب القسام على استراتيجية تشتيت وسائل الرصد الإسرائيلية المختلفة، وكسر دائرة اتخاذ القرار (عبر الخداع)، مما ساهم في تحقيق المفاجأة للوحدات الإسرائيلية ميدانيًا وعزلها وإسكاتها سريعاً. لتنفيذ هذه الاستراتيجية فقد تم تنفيذ هجوم ابتدائي متعدد الجهات وبعدة طرق: بحرية-جوية-برية، ومن ثم تنفيذ هجمات لإحباط الدعم الإسرائيلي القادم من خلف الخطوط الأمامية.

تعتبر خطة الدفاع “تنوفا” فاشلة ومحدودة بجميع المعايير. في مراحل التخطيط الأولية، لوحظ أنه تم تخصيص نسبة 30٪ فقط للدفاع مقارنة بنسبة 70٪ للهجوم في الخطة. تم استدعاء الاحتياط بموجب التدبير رقم (8) واندلعت حالة الحرب، وأصبح واضحًا لجميع الخبراء العسكريين أن “إسرائيل” دخلت في الحرب على الرغم من معارضتها.

تشمل هذه الاستراتيجية، وفقًا لخطة “تنوفا”، تجهيز وحدات من القوات الخاصة المتخصصة في حروب المدن، والتي تكون عادةً خفيفة التسليح وتمتلك وسائل نقل سريعة. تستخدم هذه الوحدات لتمهيد الميدان لوحدات الجيش الثقيلة التي تتحرك من الخلف، وتفضل استخدام المدرعات إلى جانب قوات المشاة في تلك المعارك.

ومن الملاحظ أن المقاومة نجحت في حرمان العدو من استخدام المدرعات الخفيفة منذ اليوم الأول للمناورة البرية. كما استغلت المقاومة فشل قوات العدو المتوغلة في العمل بمنطق مناورة الأسلحة المشتركة التي تعتبر لب وفلسفة “خطة تنوفا” وتتطلب تكاملًا ما بين قوات المشاة والمدرعات، لتفتك بالأفراد والمدرعات.

تبيَّن من خلال معارك قطاع غزة أن خطة “تنوفا”، التي تم تنفيذها بالكامل هذه المرة، قد فشلت بشكل فاضح في إنقاذ جيش العدو. وفي الميدان، ظهر بوضوح عدم ملاءمة خطة “تنوفا” وغيرها من الاستراتيجيات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المطلوبة من قبل جيش الكيان المؤقت.

* الخنادق

You might also like