كل ما يجري من حولك

مطلقو النارِ على أقدامِهم والطاعنون لظهورِهم

361

د. حمود عبدالله الأهنومي

لقد حشرتنا وجميعَ أحرار أمتنا الأحداثُ المؤلمة في غزة في زاوية، وحُقّ لكثير منا أن يتساءل: (متى نصرُ الله؟)، وَ(أين محور الجـِـهاد والمقاْومة؟)، وَ(أين صوارِيخ اليمن ومسيراته؟)، وهذا التساؤل طبيعي إذَا ما أتى في إطار التهيئة النفسية والتربوية للمجتمع؛ ليكون بمستوى التحدي القائم، ومن هنا يفترض أن نتحَرّك في هذا التوجّـه الذي يوضح طبيعة الصراع، ويعرّي العدوّ، ويستنهض الأُمَّــة المغلوبة على أمرها؛ لتكون جزءا من عملية المواجهة القادمة والحتمية والحاسمة أَيْـضاً.

في نفس الوقت دأبَ أولياء إسرائيل على التحَرّك في اتّجاهينِ: اتّجاه تأييدها بشكل علني، وهذا ما أظهرته جولات الصراع الماضية، وهذه الجولة أَيْـضاً بشكل واضح، ورأينا كُتًّابا وسياسيين وإعلاميين عربًا ومسلمين ويمنيين يصطفون اصطفافًا واضحًا مع إسرائيل، ويلعنون كُـلّ من يواجهها، ويصارعها، بينما يتوارى الاتّجاه الثاني خلف إدانته الظاهرية لجرائم إسرائيل؛ ليوجه حملة شعواء ضد كُـلّ من يواجهها؛ باعتبَارهم عملاءَ إيران، وأدواتها، سُنةً وشيعةً، ولا يفتأ هؤلاء الأولياء عن توجيه اللوم والتوبيخ والتشكيك والتقريع لدول وشعوب وحركات محور الجِهاد والمقاْومة، فهم يلعنون إسرائيل مرة، ولكنهم يوجهون عشرات اللعنات لكل من يقف في وجهها، وهذه طريقة كثير من السياسيين والإعلاميين التابعين لهم.

لا أنزعج من هؤلاء ولا من أُولئك؛ لأن هذا هو دورهم المرسوم لهم من أسيادهم، بل أنزعج من إخوتي الأحرار والشرفاء، وأبناء محور الجِهاد والمقاومة الذين قد ينجرون بفعل ضغوط عاطفية، أَو شعورٍ ديني متسرّع، أَو ابتغاء الحفاظ على الصورة المثالية التي يرسمها أحدنا لنفسه أمام متابعيه في مواقع التواصل، أَو في الواقع، الذين نجحوا في تأطيره وتأطير انفعالاته، فينطلق ليصوب بندقية كلماته في بعض الأحيان نحو أرجل المقاومين، ويطعن في ظهورهم، من خلال التهكم، والسخرية، وإصدار الأحكام، ضد المحور نفسه وقياداته، ووصل الحال ببعضهم إلى أن بات يلعن الجميع، يلعن إسرائيل، ويلعن حركات المقاومة ومن يقف داعما لهم، ويشكك في مصداقيتهم، وباتت كُـلّ كلماته وتغريداته تتشابه تماماً مع تغريدات إيدي كوهين، وكامل الخوداني، أَو تصريحات أفيخاي أدرعي، أَو محمد جُميح، أَو غيرهم.

مثلنا مثل مجموعة ذهبت للجهاْد في سبيل الله تحت قائد، نعتقد صدقه، وأهليته، وقد جرّبناه حكيما شجاعا خائفا من الله متقيا، ولكننا نتحَرّك معه في ظروف معينة، فلدينا بنادق وأسلحة خفيفة، بينما عدوُّنا لديه طائرات ودبابات، وبنية عسكرية متطورة، فيحاول قائدنا أن يتخذ القرارات التي تتناسب مع وضعيتنا في حرب عصابات، ويحاول أن يتحين الفرص التي يمكن من خلالها أن يشن الهجمات المؤلمة للعدو، ويتجنب العمليات المتهورة التي قد تقضي على تحَرّكنا من أول يوم، وقد يتطلب الموقف التأخير في الرد؛ لكي تتحقّق بعض الأهداف التكتيكية كاستنزاف العدوّ، وغير ذلك؛ ولهذا قد يتأخر في شن العملية أسبوعا أَو أسبوعين، وعنده من المعلومات والحيثيات التي ليست عندنا، ولكننا نرى في نفس الوقت أن هذا العدوّ يشن عمليات مدمّـرة على أهلنا، وقد يستشهد بعض مجاهدينا.

في هذه الظروف قد يرى أحدُنا رأيًا غير رأي القائد فيه سرعة اتِّخاذ القرار، ونرى أن القائد بإمْكَانه أن يسرِّع بعمليته، وأن يخرجنا من الوضع المحرج لنا أمام أصدقائنا الذين أكثروا من لومنا وتقريعنا، وأمام أعدائنا الذين يتحدّوننا ويستفزوننا، وهنا يخرج بعضنا ليُعْلِيَ صوته ضد قائدنا، وأنه مفرِّط فينا، ولا يتحَرّك، وأنه يُفْتَرَضُ أن نرد بسرعة، وأن نذهب سريعا للمواجهة حتى ولو استلزم الأمر أن تنتهي حركتنا تماماً، ثم يتطور موقف هذا البعض إلى درجة أن يشكِّكَ ويسخَرَ من قرارات قائدنا، ثم يصل به الأمر إلى أن يظن أن قائدنا بات متآمرا مع العدوّ، أَو أنه ضعيف، وجبان، ثم تصل به القناعة إلى أن يترك المعركة ضد العدوّ والاستمرار فيها، ويوجه بندقيته إلى رفاق سلاحه، ويرى فيهم العدوّ القريب الذي يجب أن يواجه أولا؛ الأمر الذي سيمكن العدوّ من أن يبيدنا جميعاً.

يا قومنا.. لقد أهلك (التنطُّطُ) كَثيراً من المجاهدين قبلكم، لمّا انطلقوا مجاهدِين بغير تسليم لقائدهم، فانتهوا في نهاية المطاف في الجانب الآخر من التاريخ، وفي هذا المقام يمكن استحضار كيف أغرق (المتنطّطون) (المجتهدون) الإمام عليا عليه السلام في بحر من المشكلات، والتعلات، والخذلان، ثم لما جاء الإمام الحسن عليه السلام حاول تلافي الموضوع بأن أمرهم أن يبايعوه على أن يكونوا (سِلمًا لمن سالم، وحربًا لمن حارب)؛ لكي يعلمهم هذا المبدأ العظيم الذي أُتُوا من قِبَله، ومع ذلك لم يصل إلى نتيجة معهم، فنطّ بعضهم إلى معاوية، وآخرون بقوا معه ثم جاؤوا إليه بعد أن عقد الصلح المؤقت مع معاوية ليقولوا له: (السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين)؛ لأنهم كانوا ينظرون في أكمام قمصانهم ليجدوا من بداخلها أرفع من أن ينتظر التوجيهات من القائد، فضلوا وأضلوا، وأورثوا الأُمَّــة بوارا وخسارا.

أخي المتنطط.. لا أظنك أكثر دهاء من الإمام الخامنئي، ولا أكثر حكمة من السيد نَصر الله، ولا أكثر شجاعة من الشيخ الخز>علي، ولا أكثر تقوى وخشية لله من السيد عبدالملك الحوثي، فهون عليك نفسك، وأعد نفسك لتكون لبنة بناء وجهاد، خيرا من أن تجدها مثقاب فتنة، وسيفا يطعن أهله في ظهورهم.

هنا أنا لست من أنصار الجمود، وعدم إبداء الآراء المفيدة، ولكني من أنصار طرح الآراء والمقترحات بطريقة النصيحة والتذكير وإبداء الاستعداد التام ورفع وتيرة المعنويات، التي على ضوئها القائد يتخذ قراره السليم، أما أن يتحوَّل أحدُنا إلى قنّاص لأرجله بدلاً عن أرجل العدوّ، وطاعن لظهره، بدلا من طعن ظهر العدوّ، فهذه لعمري قاصمة الظهر، وهي الطريقة التي ملأت قلب الإمام علي قيحا، وانتهت برأسه مشدوخا في الكوفة، وبولده الإمام الحسن مطعونًا في مظلم ساباط، وبولده الحسين مذبوحا في كربلاء.

ومن لم يكن له من نفسه واعظ فلن تنفعه المواعظ.

You might also like