السعوديةُ تزدادُ «تواضُعاً» والإماراتُ ناقِمةٌ.. مفاوضاتُ الرياض: اتفاقٌ «إنساني» شبهُ ناجز
متابعات| تقرير*:
عاد وفد حركة «أنصار الله» المفاوض، مساء أوّل من أمس، برفقة الوسيط العماني إلى صنعاء، حيث سيتشاور مع قيادته، بعد أن أمضى خمسة أيام في الرياض في مفاوضة مسؤولين سعوديين حول وقف الحرب في اليمن. وبينما أوحت أوساط الطرفَين بأن تقدّماً حصل في الملفّ الإنساني، وأن وجهات النظر باتت متقاربة جدّاً، وأن توقيع الاتفاق صار رهن موافقة القيادات السياسية في البلدَين، أفادت مصادر مطّلعة، «الأخبار»، بأن ثمّة تفاهماً على الانتقال إلى الملفَّين السياسي والاقتصادي، بعد تنفيذ الخطوات الإنسانية.
وكانت جرت المفاوضات بين الجانبَين السعودي واليمني في الرياض في ظلّ اتفاق طرفَيها على إبقاء تفاصيلها طيّ الكتمان، وعدم تسريب أيّ معلومات حولها إلى وسائل الإعلام، وهو ما يدلّ على حرصهما على نجاحها، ولو بشكل جزئي. هذا في الشكل، أمّا في المضمون، فإن السقوف المرسومة من قِبَل كلا الطرفَين المتحاربَين لا تزال عالية جدّاً، فيما لا يمكن في الوقت الراهن تجاوز معظمها، بالنظر إلى أن ظروف كلّ منهما لا تسمح بالتنازل عنها مهما تعرّض له من ضغوط. لكن المفاوضات لا تَجري على قاعدة كلّ شي أو لا شيء؛ ولذا، وفي محاولة للهروب من السقوف العالية، تمّت تجزئة الملفات، وأُعطيت الأولوية للملفّ الإنساني، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار.
على أيّ حال، يمكن القول إن الرهان الأميركي – الغربي والسعودي – الخليجي على إخضاع «أنصار الله» أصبح من الماضي، وإن ما انتُزع من قِبَل الحركة قياساً إلى قوّة التحالف الذي قاد الحرب ضدّها، يُعتبر نصراً. وإذ تدرك أطراف هذا التحالف أن المفاوضات تَجري في ظلّ قرار متَّخذ في صنعاء بالإبقاء على حالة الجهوزيّة، وتفعيل الرسائل النارية سواءً بالتدرّج أو على شكل دفعة واحدة، إذا لم تتمّ الاستجابة للمطالب الإنسانية، فقد تولّدت قناعة لديها، وإنْ متأخّرة جدّاً، بأن تلك الاستجابة إنّما هي البوّابة الحقيقية والوحيدة للولوج إلى عملية السلام، التي ستبقى قضاياها الرئيسة المتّصلة بالحلّ النهائي، معلّقةً إلى حين توفّر ظروف مختلفة أو حصول تغيّر جذري في الظروف السياسية والعسكرية المتعلّقة بالقضية اليمنية أو قضايا إقليمية مؤثّرة فيها. بمعنى آخر، ولأن أيّاً من الطرفَين ليس قادراً، حالياً، على فرض كامل رؤيته على الطرف الآخر، فإن هدف «أنصار الله» من المفاوضات الراهنة ينحصر في تحصيل الحقوق الإنسانية الأساسية، فيما محاولة السعودية المستمرّة تلبّس لبوس الوسيط ما بين الفرقاء اليمنيين، يظلّ مقدوراً على معالجتها بالنسبة إلى الحركة. في هذا الوقت، وعلى رغم التواصل بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، في «قمة العشرين»، وكذلك حصول تعاون ثلاثي بشأن اليمن يضمّ واشنطن والرياض وأبو ظبي، فإن الأخيرة لا تزال تشعر بالتهميش والإقصاء في خضمّ الديناميات السياسية الجارية حالياً. وفي السياق، تحدّثت صحيفة «فايننشال تايمز»، في تقرير، عن مخاوف أميركية من أن يؤدّي الخلاف الإماراتي – السعودي إلى إفشال مفاوضات الرياض، كاشفةً أن الولايات المتحدة تعمل على تقريب وجهات النظر بين السعودية والإمارات، وتعمل على عقد لقاء ثلاثي يضمّها إليهما لحلّ هذه المسألة. ونقلت الصحيفة عن مصادر مطّلعة قولها إن المبعوث الأميركي الخاص باليمن، تيموثي ليندركينغ، هو من يقود المبادرة التي أدّت، بالفعل، أمس، إلى عقد محادثات ثلاثية بين وزراء الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، والإماراتي عبد الله بن زايد، والأميركي أنتوني بلينكن، لبحث الأزمة اليمنية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، فيما أكد مسؤولون في صنعاء أن الأخيرة غير معنيّة بالتباين الواضح بين الرياض وأبو ظبي.
الإعلام الإماراتي يتّهم السعودية ضمناً بأنها تعطي حركة «أنصار الله» ما لم تحقّقه في الحرب
وتخشى الإمارات من توصّل السعودية إلى اتفاق مع «أنصار الله»، وهي، على ما يبدو، تعدّ حلفاءها لجولة جديدة من النزاع، ترى أنها قادمة حتى لو جرى إبرام اتفاق. في المقابل، شهدت المقاربة السعودية للحرب، انقلاباً تامّاً؛ فبعدما كانت المملكة ترفض الجلوس مع الحركة أصلاً، تواضع سقفها في مرحلة لاحقة إلى نزع سلاحها، ولا سيما الصاروخي منه، ومعالجة القضايا الحدودية. كذلك، وبعدما كانت السعودية تتحدّث عن قبول «أنصار الله» كواحد من خمسة مكوّنات رئيسة في البلد، إذ بها تتراجع بالتدريج عبر الوقت، وصولاً إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع الحركة، عنوانها الملفّ الإنساني المطروح من قِبل الأخيرة منذ سنوات. والمتابع لما يُكتب في الصحف السعودية هذه الأيام، يقرأ بالضبط ما كان يُكتب في الصحف اليمنية حول ضرورة فكّ الارتباط بين الملفّات، وفصل الملفّ الإنساني عن غيره، وإنْ بقيت الأدبيات السعودية، وبيانات الدول الخليجية الحليفة لها، تتمسّك لفظياً بالمرجعيات الثلاث التي تجاوزتها الأحداث الميدانية وموازين القوى على الأرض، في محاولة، على ما يَظهر، للحفاظ على ماء الوجه ليس إلّا.
وبينما لا يبدو، هذه المرّة، أن ثمّة تبايناً كبيراً بين القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبين السعودية، لا بل ظهرت حماسة أميركية للمفاوضات من خلال البيانَين الصادرَين عن مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، واللذين رحّبا بزيارة وفد صنعاء للرياض، يَظهر مجدّداً، كما منذ بدأت المملكة البحث عن مخرج من الحرب، أن دافعها الرئيس إلى ذلك، هو بحثها عن الاستقرار الذي يفيدها في مسعاها إلى أن تكون اللاعب الأول في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز موقعها كمركز مالي، وهو المركز الذي تحتلّه الإمارات منذ وقت طويل. وتحاول السعودية، في هذا الإطار، ابتزاز الولايات المتحدة لتحصيل مكاسب تؤهّلها للقيام بدور الوكيل المميّز، إلى جانب إسرائيل؛ ولذا، فلا يقف جدول طلباتها من واشنطن عند حدّ معين، بل هو مفتوح على القطاعات كافة، إلى حدّ أن ما كان طرحه في السابق نوعاً من الخيال، من قَبيل الاقتصاد المتفوق والتكنولوجيا والبرنامج النووي، أصبح محور تداول اليوم.
باختصار، يتركّز همّ الرياض الأساسي على انتزاع التفوّق من دبي؛ ومن هنا، يمكن فهم تشكيك الإعلام الإماراتي في نجاح المفاوضات، وأحياناً اتهام السعودية ضمناً بأنها تعطي حركة «أنصار الله» ما لم تحقّقه في الحرب. أمّا واشنطن، فاللافت أنها تبدي استعداداً لتجاوز السقوف السابقة في علاقتها مع الرياض، والقبول بما كانت ترفضه سابقاً، وخصوصاً أن بعض المطالب السعودية ليس من شأنه الإضرار بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
* الأخبار اللبنانية