متابعات| تقرير*:

بعد أن وعدت بتحويلها إلى دبي ثانية، تخلّت دول «التحالف» عن عدن، تاركةً المدينة التي عرفت الكهرباء عام 1926، تغرق في الظلام وتحترق بحرارة الصيف التي تجاوزت 42 درجة مئوية، وسط عجز كلّي لدى الحكومة التي عادت قبل أسبوعين بحماية سعودية إلى قصر المعاشيق الرئاسي، عن اتّخاذ أيّ خطوة حيال ذلك. وطالبت حكومة معين عبد الملك، الجانب السعودي، بتزويد محطّات كهرباء عدن بالوقود من حساب المنحة المالية التي أعلنتها الرياض أواخر الشهر الماضي، إلّا أن برنامج «إعادة الإعمار السعودي» الذي تولّى مهمّة تزويد محطّات كهرباء المدينة بالوقود، بالآجل، من «أرامكو» خلال السنوات الثلاث الماضية، مقابل إدارته حساباً مشتركاً بينه وبين مؤسسة الكهرباء في عدن بهدف سداد تكلفة الوقود بشكل دوري، رفض هذا الطلب، وأدار ظهره للحكومة المحسوب رئيسها من حصّة السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر.

وفي ظلّ انعدام الحلول لأعقد أزمات المحافظات الساحلية جنوبي اليمن، اندلعت احتجاجات عارمة، خلال اليومين الماضيين، عمّت مختلف مديريات مدينة عدن العشر، وشارك فيها الآلاف من المحتجّين الذين رفعوا شعارات مناهضة لـ«التحالف»، مطالبين القوات السعودية المتواجدة في منطقة البريقة بالرحيل. كما اتّهموا حكومة عبد الملك و«المجلس الانتقالي الجنوبي» المسيطر على المدينة عسكرياً، بالفساد في ملف الكهرباء، معتبرين ما يحدث في عدن «عقاباً جماعياً» أدى إلى وفاة العشرات من المرضى وكبار السنّ المصابين بأمراض مزمنة، على مدى الشهرين الماضيين. في المقابل، حاول «الانتقالي» الموالي للإمارات، والذي سبق لرئيسه، عيدروس الزبيدي، أن أعلن عن دعم إماراتي مماثل لإنشاء محطة كهرباء في عدن مطلع العام الجاري، التهرّب من المسؤولية، مكتفياً باتهام الحكومة التي يشارك فيها بنصف المقاعد، بالفشل في مواجهة أزمة الكهرباء. إلّا أنه وجّه مليشياته المنتشرة في المدينة باستخدام القوة ضدّ المحتجّين الذين أصيب عدد منهم بالرصاص الحيّ، فيما اعتُقل آخرون. كما نشر المجلس المئات من عناصره في محيط مقرّات حكومية خاضعة لسيطرته، ردّاً على تنديد المحتجّين بسياسته، واتّهامهم إيّاه بالمشاركة في تدمير عدن وإعادة المدينة 100 عام إلى الوراء.

أزمة كهرباء عدن امتدّت إلى محافظتَي لحج وأبين، وهو ما ضاعف من حالة السخط الشعبي

على أن الأزمة لم تقتصر على محافظة عدن، بل امتدّت إلى محافظتَي لحج وأبين، ودفعت بالمئات من الأسر إلى النزوح الإجباري إلى مناطق شمالية واقعة تحت سيطرة حركة «أنصار الله»، بعدما تسبّبت بتراجع الحركة التجارية، وانتشار الأوبئة. ويُعيد مراقبون هذه الأزمة إلى تعطّل مصفاة عدن التي كانت تغطّي محطات كهرباء المدينة بالوقود قبل عام 2015، علماً أن المحطّات تستهلك في اليوم وقوداً بقيمة 1.8 مليون دولار، لتصل كلفته شهرياً إلى أكثر من 55 مليون دولار، وإلى نحو 70 مليون دولار شهرياً خلال الصيف. وعلى هذه الخلفية، أعلنت حكومة صنعاء، التي سبق لها أن زوّدت مدينة عدن بالعشرات من صهاريج الغاز البترولي المستورد الشهر الماضي، استعدادها لتزويد المدينة بالوقود، وفق ما جاء على لسان عضو «المجلس السياسي الأعلى» (الحاكم)، محمد علي الحوثي، منتصف الأسبوع الجاري، إلّا أن حكومة عدن لم تستجب لتلك المبادرة.

وبينما تُواصل دول «التحالف» دعم التشكيلات الموالية لها بالأسلحة والعتاد، وتعمل على استقطاب المزيد من المقاتلين إلى صفوف تلك التشكيلات لتعزيز نفوذها في المحافظات الجنوبية، تمتنع عن بذل جهد موازٍ لمنع انهيار منظومة الكهرباء في عدد من المدن الجنوبية، وأبرزها مدينة عدن التي أُعلنت «عاصمة مؤقتة» منتصف عام 2015، وجرى التعهّد بتوفير كل الخدمات فيها. وعلى خلفية هذه المفارقات، وما تثيره من غضب في أوساط المواطنين، يتجنّب رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، العودة إلى المدينة، خشية مواجهة السخط الشعبي هناك.

* الأخبار