هكذا سقط بندُ “حلِّ الدولتين” من شروط التطبيع السعودي
هكذا سقط بندُ “حلِّ الدولتين” من شروط التطبيع السعودي
متابعات| تقرير*:
منذ أشهر يتم تداول مسألة التطبيع بين الكيان المؤقت والسعودية على أنها مسألة وقت فقط، على الرغم من وصف شروط السعودية بالتعجيزية بالنسبة للكيان والولايات المتحدة. أول هذه الشروط هو الحصول على مفاعل نووي بالماء الثقيل لتحويله إلى سلاح نووي في وقت قصير، وهو الشرط الذي ترفضه إسرائيل. وثانيها هو اتفاق ضمان أمني شبيه بالناتو، أي أن تكون واشنطن جاهزة لتسليح السعودية تمامًا كما تسلح إسرائيل، وأن تكون مستعدة لخوض حروب السعودية في حال “الاعتداء عليها”. وهو الشرط الذي يقبله الإسرائيليون لأن مركزيته وتركيزه لا شكّ ستكون إيران. لكن ترفضه القاعدة الشعبية الديموقراطية في الولايات المتحدة، التي لا يزال شبح الخاشقجي يحلّق فوقها. أما البند الثالث الذي لم يحمله أحدٌ جديًا، ولم تتم مناقشته أصلًا في الأروقة السياسية الأمريكية ولا حتى الإسرائيلية، فهو بند حلّ الدولتين. وهو الأمر الذي أثار سؤال: هل السعودية جدية حقًا في هذا البند؟ أم أنه مجرّد واجهة ترضية حتى لا يقال إن “زعيمة” العالم الإسلامي تخلت عن مقدساتها؟
جاء الجواب بتاريخ 12/08/2023، في توقيت إعلان وزارة الخارجية السعودية تعيين سفيرًا فوق العادة لدى السلطة الفلسطينية. تمّ تحليله في الصحافة والإعلام على أنه رسالة للفلسطينيين بأن السعودية لم تنساهم. لكن السؤال هو لماذا تمّ تذكّرهم فقط في وقت متقدّم من التفاوض على البندين الأساسيين وفي ظلّ إصرار السعودية على التمسك بهما؟ وبذلك تكون الرسالة الحقيقية هي أنّ السعودية تستخدم هذه القضية كورقة ضغط للقبول بالشروط الأولى، خاصة أنها تعلم جيدًا، أن حلّ الدولتين ليس واردًا عند الإسرائيليين. لدرجة أنهم يرفضون فتح حتى بعثة دبلوماسية سعودية رمزية في القدس، وهذا تأكيد على ثابتة عدم قبول أي نوع من التنازل للفلسطينيين حتى لو كان شكليًا، فكيف بحلّ الدولتين.
خطوة التعيين أيضًا ليست بعيدة عن كونها إشارة للفلسطينيين مفادها أنهم يسيرون في اتجاه التطبيع. ذلكّ أنّ تعيين سفير سعودي في رام الله، والذي سيكون أيضًا قنصلًا في القدس، سيكون حلًا شكليًا ودبلوماسيًا لمأزق السعودية في التخلي عن فلسطين أمام الشعوب. فتأتي هذه الخطوة في إطار الحلول الشكلية التي من شأنها أن تخفف من حدة الانتقادات السياسية. لكن الأهم، هو ما أوردته صحيفة معاريف عندما أشارت إلى أن هذا التعيين التاريخي الأول من نوعه، قد يكون رسالة للأردن التي تتولى الوصاية على مدينة القدس، بأن السعودية هي من ستتسلم زمامها خلال هذه الصفقة. وبذلك تكون السعودية قد وضعت يدها على أبرز الرموز الإسلامية، مكة والمدينة والقدس، وتكون قد مارست سلطتها ونفوذها على الرغم من أنها قامت بخطوة التطبيع دون أن تفرض حلّ الدولتين. والحجة هي دعم الفلسطينيين وإدارة شؤونهم، وبالتالي لا تكون قد تخلّت عن الفلسطينيين على الرغم من التخلي عن القضية.
في تصريح لصحيفة هآرتس، قال مسؤول إسرائيلي مطلع على المحادثات إن الخطوة رمزية ولن نعارضها، في حين اتهمت يديعوت أحرنوت بن سلمان بأنه يسعى إلى احتلال مكانة مصر في قيادة العالم العربي، خاصة أن مصر اليوم هي دولة فقيرة ومتعثرة. وأنّ التعيين المفاجئ هو لفتح محور جديد نحو إسرائيل.
وعليه يمكن تلخيص الآراء حول خلفيات الخطوة السعودية على الشكل التالي:
الاتجاه الأول: يرى أن القرار السعودي يندرج ضمن تشديد الموقف تجاه صفقة التطبيع مع الكيان المؤقت للحصول على “تنازلات” لصالح الفلسطينيين، من ضمنها تنازلات تشمل القدس، وهو ما تفسره خطوة تعيين قنصل في القدس. وبالتالي فإنها تمهيد لإعلان صفقة التطبيع من خلال الترويج أنها تأتي بهدف تحصيل حقوق للفلسطينيين، على غرار خطاب الدول المطبعة التي سبقتها، وذلك لاستباق الرد على حملات الهجوم التي ستواجه المملكة.
الاتجاه الثاني: يرى أن تعيين قنصل عام في القدس يعني التمهيد لدور سعودي متزايد في الإشراف على الأماكن المقدسة الإسلامية في إطار مناكفة الأردن الوصية على المقدسات الدينية في القدس ومنافسة المكانة التاريخية لمصر فيما يخص أوضاع الفلسطينيين.
الاتجاه الثالث: يرى في الخطوة رسالة سعودية لأمريكا وحليفتها “إسرائيل”، تتلخص بتشديد شروط مفاوضات التطبيع في ظل العرقلة الأمريكية الإسرائيلية للملف النووي السعودي.
الاتجاه الرابع: يرى أن الخطوة لا تعدو كونها “خدعة” تحمل في طياتها عكس ما يروج له، إذ أن السفير السعودي هو سفير لدى “إسرائيل” في الحقيقة، ولكن تحت الغطاء الفلسطيني، بموجب اتفاق مسبق بين الأميركي والإسرائيلي والسعودي.
* الخنادق