واشنطن إزاءَ إعلان بكين: كابوسٌ مديدٌ يرهقُ الرياض.. والعين على المختبَر اليمني
المخاطر الأساسية على الاتفاق وعلى السعودية، وتحديداً على حُكم ابن سلمان، تأتي من الولايات المتحدة
متابعات| تقرير*:
عندما أُعلن الاتفاق السعودي – الإيراني، برعاية الصين، في العاشر من آذار الجاري، كان السؤال الأساسي هو أين يقف الأميركيون منه؟ لكن ما أدلت به أميركا رسمياً أو تسريباً منذ ذلك اليوم، لم يَزِد السائلين إلّا حيرةً. ولأنّ الكثير من المراقبين رأوا، عن حقّ، أن المكوّن الأساسي للاتّفاق هو الأزمة اليمنية، فإنّ الجواب الأميركي الحقيقي قد يأتي في اليمن أيضاً، حيث تعتقد الولايات المتحدة، ومعها الإمارات، أن ثمّة قدرة على تعطيل مفاعيل التفاهم برمّته، انطلاقاً من تلك الساحة بالذات.
المخاطر الأساسية على الاتفاق وعلى السعودية، وتحديداً على حُكم ابن سلمان، تأتي من الولايات المتحدة
في ظلّ ما تَقدّم، لم يكن أمام السعوديين الذين صارت المشكلة اليمنية بالنسبة إليهم الكابوس الأكبر، خيار سوى التفاوض مع «أنصار الله»، وذلك يعني تقديم تنازلات. وهو ما حصل من خلال التوصّل إلى الهدنة، إلّا أن الأميركيين ما زالوا يمنعون إبرام تسوية فعلية للأزمة اليمنية. ما حصل الآن هو أن السعوديين قرّروا تجاوز الاعتراض الأميركي، من خلال التوجّه نحو اتّفاق مع إيران، برعاية صينية، لا يرخي بظلاله على الساحة اليمنية وحدها، وإنّما على كلّ ساحات الاشتباك، ليبقى السؤال العالق هو: هل سيسلّم الأميركيون بهذا الاتفاق؟ في المفاوضات اليمنية، جرت تلبية معظم شروط «أنصار الله»، من الرواتب إلى فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء – من دون أن تسلك جميع التفاهمات طريقها إلى التنفيذ إلى الآن -، فيما يتمّ التفاوض حالياً على تفاصيل تقنية لإنجاز سلّة متكاملة، تتعلّق بمدّة الهدنة التي يريدها السعوديون عامَين، بينما تصرّ «أنصار الله» على فترة ستّة أشهر، إلى جانب عناوين أخرى متّصلة بوجود القوات الأجنبية في اليمن. ومهما يكن، فإن أصل المفاوضات يعني أن الاتفاق بين طرفَيها يجب أن ينعكس عليهما أكثر من الأطراف الأخرى، بمعنى أن يسلّم السعوديون لـ«أنصار الله» بالحصول على الحصّة الأكبر في حُكم اليمن، ويطالبوا في المقابل بنصيب في إعادة الإعمار. وهذا ما قاله مُفاوضو المملكة لممثّلي الحركة في مفاوضات عُمان. ولذا، سارع الإماراتيون إلى فتح الخطوط مع «أنصار الله». أمّا في شأن ما يُحكى في الإعلام الموالي للسعودية عن ضمانات إيرانية بوقف نقْل الصواريخ من إيران إلى اليمن، فيبدو غير ذي صلة؛ إذ إن الصواريخ والمسيّرات اليمنية تُصنّع محلياً، ويتمّ الحصول على أجهزة التوجيه الصغيرة الحجم الخاصة بها من الأسواق الدولية. ووفق المعطيات التي لدى الرياض، تستطيع «أنصار الله»، بما لديها الآن، أن ترمي، كلّ يوم، مسيّرات وصواريخ على السعودية حتى سنتين، وهو ما يثير مخاوف الرياض من أنه إذا استؤنفت المعركة، فسيكون تأثيرها بالغاً على الداخل السعودي، في حين أن مشروع ابن سلمان يقضي بأن تكون المملكة هي الرقم واحد اقتصادياً في هذه المنطقة.
الخاصرة الثانية التي تَرى السعودية أنها تُستنزَف منها، هي العراق، حيث تتخوّف من أن يَجري قصفها من هناك أيضاً، وخصوصاً أن بعض الفصائل كانت قد هدّدت المملكة بالفعل. وعندما طالبت الرياض رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، بضبط الوضع، أبْلغها أنه لا يمون على تلك الفصائل، وأنه لن يكون هناك حلّ إلّا باتفاق سعودي – إيراني. من هنا، بدأ دوره في الوساطة، والذي أدّى إلى خَمس جولات تفاوضية بين الجانبَين في بغداد، قبل أن تتدخّل سلطنة عُمان أيضاً كوسيط.
الآن، المخاطر الأساسية على الاتفاق وعلى السعودية، وتحديداً على حُكم ابن سلمان، تأتي من الولايات المتحدة، وخصوصاً أن التوقيت مثّل العنصر الأبرز في إعلان بكين. لماذا الآن؟ هل بعدما تمكّن وليّ العهد من تطهير الداخل السعودي من المعارضين، والحدّ من نفوذ الوهابية التي قام على عاتقها جزء كبير من التحريض ضدّ طهران؟ هو يعتقد أن الوضع الداخلي متماسك، لكن ماذا سيكون موقف الأميركيين؟ وهل يمكن أن يلعبوا بالساحة السعودية؟ وإنْ فعلوا، فما هو بديلهم؟ والسؤال الأساسي: هل نَفخ أحد في أُذن وليّ العهد بأنْ استفِد من الفرصة المتاحة حالياً في وقت انشغال الأميركيين بالحرب الطويلة في أوكرانيا؟ بعض المراقبين يعتقدون أن فكرة التوصّل إلى اتّفاق بين السعودية وإيران أصْلها روسي، لكن موسكو مرّرتها إلى بكين، بسبب وضْع الأولى بعد حرب أوكرانيا. الأكيد هو أن السعودية تشكّل حاجة إلى العالم كلّه حالياً، لأميركا وللصين ولروسيا، وحتى لإيران على اعتبار أن الأخيرة لا تريد مشكلة دائمة مع الخليج، وأن الاتفاق مع السعودية يمكن أن يشكّل فتحة في جدار الحصار الذي تفرضه عليها أميركا والدول الغربية. في المقابل، فإن الإشارات السعودية المتواصلة منذ توقيع الاتفاق، وآخرها دعوة الملك سلمان، الرئيس إبراهيم رئيسي، لزيارة المملكة، تفيد بأن الرهان السعودي معقود على إعلان بكين أيضاً.
