ترى أوساط قريبة من المفاوضات الدائرة بين الجانبين السعودي واليمني في مسقط، في استمرار مراهنة الرياض على عامل الوقت، «تكتيكاً مكشوفاً وغير ذي جدوى»، و«محاولة يائسة لن تصل إلى أيّ محلّ»، مشدّدةً على أنه «لم تَعُد ثمّة أيّ فائدة من التحايل»، وأن «بيد الجانب السعودي مفتاح الحل، وبيده أيضاً فتيل الدفع نحو جولة جديدة من الصراع، يعرف مدى كارثيتها على اقتصاد المملكة وأمنها وسمعتها». ومن هنا، تعتقد مصادر مطّلعة في صنعاء، أن فُرص نجاح المفاوضات من عدمه متساوية، وفي كلتا الحالتين، فإن «أنصار الله مرتاحة إلى وضعها، وهي ليست مستعجلة على الإطلاق، ولديها قدرة التحكّم بالتوقيتات المناسبة لأي اتجاه تقرر قيادتها اتّباعه، ويد قواتها دائماً قريبة من الزناد». وعلى عكس ما قد تعتقده السعودية من أن الوقت يعمل لمصلحتها، فإنه «مع كلّ يوم يمرّ، تزداد القدرات اليمنية كمّاً ونوعاً، فيما رهان الرياض على استغلال القضايا الداخلية، جرى تجريبه مراراً ولم يعط أيّ نتيجة، سوى تقوية التلاحم الشعبي حول القيادة السياسية»، وفق المصادر نفسها، التي تؤكد أن «خريطة حلّ الملفّ الإنساني انتهى التفاوض بشأنها، وهي بحاجة فقط إلى القرار السياسي من القيادة السعودية التي أعطت إشارات واضحة بالموافقة، كما أنها سلّمت بالمطالب المتعلّقة بالملفّ الإنساني»، لكنها تمتنع إلى الآن عن حسم أمرها علناً.

وفي الانتظار، تحاول السعودية، على ما يبدو، تقسيط الخطوات المتّصلة بذلك الملفّ، حتى لا تبدو في موقع المتنازل، وهو ما يتجلّى في السماح للسفن الآتية إلى ميناء الحديدة بالرسوّ من دون تفتيش. لكن حكومة صنعاء، وإذ تَنظر إلى تلك الخطوة على أنها إشارة إيجابية، إلّا أنها تعتقد أنها غير كافية. وفي هذا الإطار، غرّد نائب وزير الخارجية، حسين العزي، بالقول إن رفع الحظر عن السفن التجارية «خطوة أولية في الاتجاه الصحيح، وتحتاج إلى تعزيز وتوسيع». والظاهر أن في ما وراء التردّد السعودي، مشكلة مركّبة ومعقّدة، مرتبطة بازدياد قلق الرياض وتردّدها كلما اقترب استحقاق التوقيع على تجديد الهدنة وتوسعتها، خشية فقدانها القدرة على فرض شروطها في مفاوضات الحل النهائي. ويحاذر الطرف السعودي، أيضاً، استغلال حليفه الأميركي للمفاوضات وتوظيفها في إطار الصراع المحتدم بين إدارة جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وممّا يعزّز التقدير المتقدّم، حديث مطّلعين على المفاوضات، إلى «الأخبار»، عن أن المبعوث الأميركي، تيم ليندركينغ، يحرص في العلن على التسهيل، لكنه في الخفاء يعمل على حرف المفاوضات بما يخدم أجندة بلاده التي باتت معروفة، وهي إبقاء اليمن ضمن حالة «اللاحرب واللاسلم»، وهي حالة يمكن أن تقدّمها الدعاية الأميركية كإنجاز لساكن البيت الأبيض، وعلى أنها تحقيق للوعود الانتخابية التي أطلقها بشأن وقف الحرب في اليمن. 

تُجمع الأطراف الفاعلة على أن الحرب بصورتها الشاملة ولّت إلى غير رجعة

وكان ظهر القلق السعودي من النوايا الأميركية واضحاً، حين طلبت الرياض من صنعاء إبقاء التفاوض محصوراً بينهما، بعيداً من مبعوث الأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، حتى لا يفسد التواصل المباشر، على اعتبار أن غروندبرغ يتبنّى وجهة النظر الأميركية بالكامل. وممّا يزيد الوضع تعقيداً، موقف أبو ظبي التي تتعمّد وضع العراقيل أمام أي تسوية للملفّ الإنساني، وتتبنى الموقف الأميركي – البريطاني القاضي بربط هذا الملفّ بالمسارين السياسي والعسكري. ومع ذلك، تُجمع الأطراف الفاعلة على أن الحرب بصورتها الشاملة ولّت إلى غير رجعة، وأن جولة أو جولات الصراع المقبلة ستكون مختلفة تماماً عما كانت عليه خلال الأعوام الماضية. أيضاً، لا يخفي المسؤولون السعوديون نيّتهم الخروج من المستنقع اليمني نهائياً، إنّما الخلاف يتمحور حول الأكلاف المتوجّب دفعها. ومن هنا، ينشغل مركز القرار السعودي، هذه الأيام، بإيجاد صيغ تبعد عن المملكة المسؤولية الجسيمة عن كوارث الحرب التي اقتربت من إتمام عامها الثامن، خصوصاً أن القيادة السعودية تخشى من الأبعاد التاريخية للحرب، وما قد تحمله من تحديات مستقبلية لوحدة الدولة، على اعتبار أن المجتمعين السعودي واليمني يتشكلان من القبائل والعشائر، وأن الظواهر الثأرية تطغى أحياناً على توجهات الدولة السياسية والاستراتيجية. على أن ثمّة توجّساً آخر لدى قيادة المملكة، لا يقلّ أهمية عمّا ذُكر، وهو وجود خصائص استراتيجية تتيح لليمن، إذا ما توافرت الظروف، لأن يصبح في المستقبل المنظور دولة إقليمية منافسة.

بناءً عليه، تحاول السعودية تصوير حربها على اليمن على أنها شأن يمني داخلي محلي، وتجهد في الترويج لنفسها على أنها «مجرّد وسيط». لكن المملكة فشلت في تلك المحاولات إلى الآن، وهو ما يعزى إلى سببين رئيسين:
– الأول: نجاح صنعاء في إخراج المفاوض السعودي من وراء الستار واستدراجه إلى طاولة المفاوضات المباشرة بعد تمنّع طويل واستخفاف واضح بالطرف المقابل، ورفض للاعتراف به. وجاء ذلك في وقت لم تَعد السعودية تمتلك ترف المماطلة، وباتت تخشى تعرض داخلها للاستهداف المباشر والمستمر والموجع، وأيضاً بعدما يئست من تجاوب الجانب الإيراني معها. بالتالي، لم يعد أمامها سوى الاعتراف بسلطات صنعاء، ومعاملتها بندّية، والدخول في مفاوضات مباشرة معها، والموافقة على طلبها فصل المسار الإنساني عن المسارات الأخرى.
– الثاني: ظهور حكومة «الشرعية» بوصفها الحلقة الأضعف في المشهد، خصوصاً بعدما عجز «مجلس القيادة الرئاسي»، منذ تشكيله في مطلع نيسان من العام الماضي، عن تخطّي الكثير من العوائق والتحديات التي تعترضه، وهو ما أدّى بشكل تلقائي إلى خروجه من معادلة المفاوضات الحالية، على رغم وجود وعود سعودية بإدخاله في مفاوضات الحل النهائي.