عطوان يكتُبُ عن “عرين الأُسُود” وأشبالهم.. وشُهدائهم وانتِقامهم القريب
عن “عرين الأسود” وأشبالهم.. وشُهدائهم وانتِقامهم القريب
عبد الباري عطوان
مِئات الجُنود الإسرائيليين، من قوّات الجيش، والأمن، وحرس الحُدود، تقتحم مدينة نابلس فجْر اليوم الثلاثاء وتغتال خمسةً من أبطال “عرين الأسود” وتُصيب 33 مدنيًّا من أهلِها الآمنين العُزّل.
عشرات الآلاف شاركوا في تشييع الشّهداء الخمسة ووداعهم إلى مثواهمِ الأخير في الجنّة بإذنِ الله، وسط زغاريد الأمّهات، وترديد أهازيج النّصر، وشِعارات المُقاومة ومُكافحة الاحتِلال حتى النّصر.
أُمّهات الشّهداء الخمسة يَسِرنَ على دَربِ السيّدة والدة الشّهيد عديّ التميمي ابن المدينة الصّامدة المُقاومة، ويُوزّعن الكنافة النابلسيّة الشّهيرة على المُعزّين والمُواسين احتِفالًا باستِشهاد فَلذةَ أكبادهنّ.
***
الشّهيد وديع الحوح الذي تباهى يائير لابيد رئيس الوزراء الإسرائيلي باغتِياله ووصفه بأنّه قائد كتيبة “عرين الأسود” كتب على موقعه على “الفيسبوك” قبل أُسبوعٍ من استِشهاده “نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت” بينما قال بيان لكتائب “العرين” “فِلسطين كلّها عرين.. فمن سيَخْمِد غضبة الأسود إذا ثارت؟”.
الأسود ثارت، وانتقل إرثها إلى جميع المُدُن الأُخرى، وتعهّدت بالانتِقام لشُهدائها، وستَفِي بالعهد حتمًا، فمَنْ تابع فُصول أساطير المُقاومة التي سجّلها مُقاومو نابلس وشُهداؤها أثناء الانتِفاضة المُسلّحة الأولى عام 2000 يعي جيّدًا ما نقول في هذه العُجالة.
مدينة نابلس من المُفترض أن تكون تحت حِماية السّلطة الفِلسطينيّة وقوات أمنها “العَرمْرميّة”، وبالتّالي لا يجوز اقتِحامها من قِبَل القوّات الإسرائيليّة فلماذا تصمت السّلطة على هذه المجزرة التي ارتكبتها القوّات الإسرائيليّة وترتقي إلى جريمة حرب وفق القانون الدّولي الذي تتغنّى بِه وبُنوده، وتُطالب ليل نهار بحِمايته للشّعب الفِلسطيني؟
ولماذا تصمت قوّات التّنسيق الأمني التي يزيد تِعدادها عن خمسين ألفًا على الاعتِداءِ المُهين لقوّات الجيش الإسرائيلي (الأكثر أخلاقيّةً في العالم) على أحد عناصرها رَكْلًا وصَفعًا وإهانةً في مدينة الخليل؟ فحتّى إفيف كوخافي رئيس هيئة هذا الكيان استنكر هذا الاعتِداء الذي قال إنّه يُسِيء إلى سُمعَة الجيش المذكور؟
أينَ الجِنرال ماجد فرج، وأين السيّد حسين الشيخ، المُرشّح المُعتَمد أمريكيًّا لخِلافَة الرئيس محمود عبّاس، وضابط الاتّصال مع الحُكومة الإسرائيليّة، بل أين الرئيس الفِلسطيني محمود عبّاس نفسه، فهل يُتابع هذه المجازر والإهانات التي تلحق بشَعبٍ من المُفتَرض أنّه رئيسه ويتحدّث باسمه؟
وأخيرًا نسأل المُجتمع الدّولي الذي يبكي مِليارات الدّولارات ومُسيّرات، وصواريخًا، على ضحايا الاجتِياح الروسي لأوكرانيا، لماذا يُدير وجهه إلى الجانب الآخَر عندما يكون الضّحايا من الشّعب الفِلسطيني المُحاصَر المُجَوّع؟ ولماذا يُريدوننا أن نتعاطف معه ونُصَدّق أكاذيبه وازدواجيّة معاييره؟
لاحظوا أنّنا لم نَذكُر الجامعة، ولا الأنظمة العربيّة، مُطبّعةً كانت أو مُمانعة، ونُذَكّرها بواجِباتها أو الحدّ الأدنى منها، ولو حتّى الإدانة الإنشائيّة، لسَببٍ بسيط لأنّه عندما نتحدّث عن “عرين الأسود” فمِنَ العيبِ والعار ذِكْر هؤلاء، أو طلب مُساعدتهم.
***
ستنتقم الأسود حتمًا لشُهدائها وستجعل العالم المُنافِق يُهروِل لحِماية مُجرمي الحرب في الدّولة الحضاريّة الديمقراطيّة العُنصريّة في فِلسطين المُحتلّة، تمامًا مثلما فعلوا لامتِصاص وتدجين الانتِفاضة المُسلّحة الأولى، وتشكيل اللّجنة الرباعيّة، وخريطة الطّريق إلى السّلام، ولكن مع فارقٍ أساسيٍّ أن “عرين الأسود” ليست مُنظّمة التّحرير، ولن تنخدع أُسودها بمِثل لهذه الأكاذيب، فالمُؤمن لا يُلدَغ من الجُحر نفسه مرّتين.
تكنولوجيا الصّواريخ الدّقيقة، ومدافع الهاون، وكتائب الأسود والنمور والفهود ستصل حتمًا وتتناسل في الضفّة الغربيّة، وجميع مُدنها، وسيَركَب المُستوطنون البحر بحثًا عن الجُزُر والمَلاذات الآمنة، ويعودون من حَيْثُ أتوا.. والأيّام بيننا.