معهدُ الشرق الأوسط: المعركةُ قادمةٌ بعد أيام خارجَ حدود اليمن بهذه الصواريخ المدمِّرة
اليمنُ وذَكاءُ استثمار الحروب
متابعات| تقرير*:
تعليقاً على العروض العسكرية التي أقامتها صنعاء خلال شهر أيلول/ سبتمبر الجاري، نشر معهد الشرق الأوسط للدراسات -الذي تأسس عام 1946 ومقره واشنطن- تحقيقاً قال فيه “ان القدرات العسكرية التي يمتلكها الحوثيون باتت تفوق بكثير قدرات خصومهم المحليين.. لا ينبغي ترك هذه القدرة بدون عقوبات، ان العرضين العسكريين في الحديدة وصنعاء كانا لإظهار قوتهم…هذه رسالة مقلقة”. لم يكن رد الفعل هذا مفاجئاً. ولعل التساؤلات التي خلّفتها هذه الخطوة تحتاج مزيداً من الوقت للإجابة عنها، خاصة وان صنعاء تختار بذكاء التوقيت المناسب للكشف عن بعض الألغاز المتعلقة بقدراتها العسكرية، والتي تختزنها بصندوق أسود سري تمتلك من القدرات الاستخبارية ما يكفي لحمايته، ومن الصبر الاستراتيجي ما يجعل من الحرب التي استمرت لـ 8 سنوات “معركةَ نفسٍ طويل”.
مواجهة الغزاة بسلاح الغزاة أنفسهم
نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع، العميد عبدالله بن عامر، أشار في حديث خاص لموقع “الخنـادق” إلى ان “الذي يميز اليمن عن غيره بما يتعلق بإقامة العروض العسكرية، هو أن هذه الاستعراضات تأتي في ظل ظروف استثنائية. فلا يوجد دولة تقدم على مثل هكذا خطوة خلال هدنة هشة وفي ظل سيطرة جوية للعدو ولهذا كان القرار جريئاً من حيث مضمونة وأهدافه وكذلك توقيته”.
وعن دخول رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، على متن مصفحة إماراتية، يقول العميد بن عامر ان الرئيس المشاط أراد التأكيد على نتيجة المواجهة بأن “جزء من عتادكم أصبح غنيمة بيد الجيش اليمني فمصير آلياتكم مدرعاتكم وسلاحكم إما التدمير في الجبهات أو الاغتنام ومن ثم تفعيله في المعركة ضدكم”، مضيفاً ان “رمزية الاستخدام خلال استعراض القوات المسلحة يؤكد حقيقة تاريخية تكررت كثيراً مفادها أن أحد أبرز مصادر سلاح اليمني خلال مواجهة الغزاة هو سلاح الغزاة أنفسهم”.
المعركة القادمة خارج حدود اليمن
هناك اهتمام ملموس بالقدرات العسكرية البحرية وهناك تقدم في هذا المجال. ويتابع العميد بن عامر “حجم التحدي كبير لأسباب عدة منها أن القوات البحرية كانت الأضعف بين صنوف القوات المسلحة وكذلك استخدام المعتدين للمياه الإقليمية والجزر في العدوان على البلاد وحصارها، كل هذا فرض على القوات المسلحة مهام ومسؤوليات تتعلق بمواجهة هذه التحديات، اذ ان العدو كان يراهن على ضعف قدراتنا البحرية”.
مراحل عدة مرت بها عملية ترميم القوات البحرية، من الدراسة إلى التجهيز والاعداد والبناء، حتى أصبحت القوة امام مرحلة متقدمة تستطيع فيها تنفيذ بعض من مهامها الدفاعية المتعلقة بالمياه الإقليمية منها القدرة على استهداف أي نقطة في البحر من أي نقطة في البر ولعل الأكثر اثارة للاهتمام هو التوجه نحو صناعة صواريخ ارض بحر التي تسهم في تحقيق بعض من أهداف المعركة البحرية.
اذ ان اليمن الذي يعتبر دولة بحرية تطل على بحر وخليج ومضيق إضافة للجزر، وتشكل مساحته البحرية ضعف مساحته البرية لن يبقى بعيداً عن حقيقته الجيوبوليتيكية. ويؤكد العميد بن عامر، وهو باحث سياسي وعسكري، ان “العدو الآن هو من يستفيد من هذا الموقع ضد اليمنيين أنفسهم ومثل هذه الوضعية غير السليمة لا يمكن ابداً القبول بها فهناك تهديد ينبغي التعامل معه بالشكل المطلوب وفي التوقيت المناسب”.
صواريخ البحر الأحمر: ممارسة الحق المشروع
تاريخياً يرتبط اليمن ارتباطاً وثيقاً بالبحر ومضيق باب المندب. اذ يوصف اليمنيون بأنهم “الحراس التاريخيون للبوابة الجنوبية للبحر الأحمر”. ويضيف العميد بن عامر بأنه “ليس غريباً أن تطلق هذه التسميات على أسلحة دفاعية ونحن من الدول المشاطئة للبحر الأحمر ويؤهلنا موقعنا الجغرافي الاشراف الكامل على مضيق باب المندب من خلال الجزر او الساحل الغربي”. ويعقب “وهذا لا يعني أبداً التلويح بأننا مقدمون على خطوات معينة، بقدر ما يؤكد بشكل واضح أننا نمارس حقنا المشروع ضمن حق الرد على مصادر التهديد في البحر الأحمر وما يتطلبه هذا الرد من جاهزية واستعداد منها صناعة او تطوير الصواريخ القادرة على تحقيق الأهداف”. مشيراً إلى ان “اطلاق التسميات المناسبة عليها، يأتي ضمن جغرافية الاستخدام المتوقع لها، أي المسرح العملياتي للمعركة، وبإمكان العدو أن يقرأ أسباب التسمية بالطريقة التي يراها المهم أن يدرك أن بقاؤه في مياهنا الإقليمية وجزرنا غير شرعي وأن الشعب اليمني لا ولن يقبل بهذا التواجد المعادي”.
الطائرات المسيرة والمروحيات
فرضت معركة المواجهة على القوات المسلحة الاعتماد على سلاح الجو. ويقول العميد في هذا الصدد: “لم تعد هناك حاجة الى الطائرات الحربية أو المروحيات لأسباب عدة منها أن هذه الطائرات لا تستطيع مجاراة الـF15 او الـ F16 وحضورها في المعركة لا يعد أولوية رغم أن القوات المسلحة تمكنت من استخدام مثل هذه المروحيات في عمليات قتالية ولوجيستية ضمن نطاقات محددة”. مؤكداً ان القوات المسلحة لديها “عدة مروحيات وطائرات حربية معظمها روسية وهناك كفاءات وخبرات يمنية قادرة على إعادة تأهيل كل هذه القوة”. مشيراً إلى ان “العدو لا يزال متفوقاً من ناحية الطيران الحربي ولهذا نعمل على استخدام وسائل اكثر نفعاً لكسر تفوقه الجوي منها التركيز على تطوير الدفاعات الجوية وكذلك تعزيز وتطوير منظومات سلاح الجو المسير الاستطلاعية والقتالية”.
في حين لفت إلى ان الحملة الإعلامية التي رافقت ظهور المروحيات في سماء صنعاء ساهمت في التأثير المعنوي، فهناك مَن تساءل عن كيفية صيانتها وتفعيلها واستخدامها في مهام لوجيستية ومناسباتية، رغم ان التحالف كان قد صرح سابقا انه قد دمرها.
أنظمة الرادار والتشويش
تعتبر الدفاعات الجوية من أبرز الأسلحة الضامنة دفاعياً عند أي دولة ولهذا نجد أنه خلال العقود الماضية قد عملوا على إبقاء اليمن ضعيفاً من ناحية القوات الجوية والدفاع الجوي، ويشير العميد إلى تفاهم امريكي سعودي على أن يظل ملف القوات الجوية والدفاع الجوي اليمني تابعاً لوزارة الدفاع السعودية ولم يكن يسمح بشراء أسلحة لهذه القوات دون موافقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز.
وقد عمل التحالف على تدمير القوة الجوية منذ اليوم الأول للحرب لتعطيل بطاريات الدفاع الجوي ولهذا نجد أنه قد تمكن خلال دقائق من تحقيق السيطرة الجوية على الأجواء اليمنية، لكن القوات المسلحة عملت على تأسيس وتطوير المنظومات حتى بات بإمكانها ارباك الطائرات المعادية وهذا ما شكل نقطة تحول في المعركة ويقول العميد بن عامر في حديثه الخاص لموقع “الخنادق”، بعد أن كانت “طائرات العدو تستطيع التحليق بشكل منخفض وشن الغارات ها هي بعد دخول المنظومات خط المعركة تجبر على التحليق بارتفاعات عالية”.
المعركة مع كيان الاحتلال
رصد التدخل الإسرائيلي في اليمن منذ عقود، ولم يكن تدخلا عفويا أو لأجل أطماع محددة، بل لأجل السيطرة الكاملة عليه. وما كانت الحرب الأخيرة إلا فرصة لاستغلال الظروف التي تمر بها البلاد لاحتلال أجزاء منها. اذ يؤكد العميد بن عامر ان هناك تواجد لضباط إسرائيليين في المهرة وسقطرى وهذا متداول وليس سرياً”. مؤكداً ان “معركة اليمن مع كيان الاحتلال هي معركة أصيلة نتيجة الاعتداءات والانتهاكات المباشرة على ارضه وسيادته وشعبه، بل ان “اليمن بات يمتلك منظومات صاروخية تتميز بسرعتها ودقة اصابتها للأهداف ولا تستطيع الرادارات رصدها وليس من المهم الكشف عن تفاصيلها فقد يكون من المبكر ذلك”.
ورداً على سؤال حول تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي افيف كوخافي قال ان “تكهنات الإعلام الإسرائيلي لم تكن عفوية بل مدروسة ضمن التهيئة النفسية لمرحلة يصبح فيه اليمن هدفاً مباشراً للكيان الإسرائيلي كسوريا، وان تفكيك التناول الإعلامي الإسرائيلي يفرض علينا الربط بين الموقف اليمني تجاه فلسطين من ناحية وما وصلت اليه القدرات العسكرية اليمنية من ناحية أخرى فالعدو يجمع بين الأمرين وبالتالي هو يتوقع أن يكون هناك حضور يمني في أي معركة الى جانب المقاومة الفلسطينية”.
* الخنادق