فقط إسألوهم..!
فقط إسألوهم..!
بقلم الشيخ عبدالمنان السنبلي.
وأنا في طريق عودتي ليلة أمس، كان لا بد لي كالعادة من أن أمر من أمام ذلك المحل القريب من منزلي والخاص طبعاً بإعداد وتجهيز وتأجير كوشات الأعراس ولوازم الاحتفالات وتزيين الصالات والسيارات..
بصراحة أني لم أعتد الوقوف عنده طويلاً أو أن أعطيه من وقتى سوى ما يتيح لي فقط وعلى الماشي فرصة تقديم واجب السلام،
لكنني هذه المرة قد فعلت وتعمدت الوقوف والمكوث قليلاً عن بعد..
توقفت لأني رأيت بعض الشباب ينتظرون بفارغ الصبر الانتهاء من تجهيز وتزيين إحدى سياراتهم.
فهم غداً على موعدٍ مع حفل تخرجهم.
أو هكذا بدى لي الأمر من خلال نوعية وشكل الزينة التي تصر تلك السيارة على ارتداءها والتزين بها!
بصراحة لا يستطيع أحدٌ أن يتصور حجم الفرحة ومقدار مشاعر الابتهاج تلك التي كانت بارزةً على وجوههم وتزدان بها ملامحهم.
فهم غداً بلا ريب سينادى بهم (على الملأ) أن قد أصبحوا من حملة الشهادات!
وليس في هذا أية مشكلة طبعاً!
المشكلة والمأساة هي أن اليمن للأسف الشديد ستكون على موعدٍ غداً مع تخرج دفعةٍ جديدةٍ من حملة الشهادات فقط، وليس حملة العلم في معظمهم!
وهناك فرق طبعاً!
هناك فرق بين من يعملون من أجل الوصول والحصول على شهادة ورقية فقط وبين من يجدون ويجتهدون من أجل التعلم أو الحصول على العلم!
هذه هي الحقيقة المرة التي قد لا يعيها هؤلاء الطلاب الخريجون الآن، لكننا جميعاً نعيها ونعلمها علم اليقين منذ سنوات!
الحقيقة التي تجعلني أعتقد أن معظم أبناءنا الطلاب يدرسون ويتخرجون، ولكن بدون أن يخرجوا بأي نتيجة أو حصيلة علمية تُذكر!
ولا ألومهم طبعاً!
فهم في الأول والأخير ضحايا!
نعم ضحايا جهل المجتمع والدولة بأهمية التعليم وجودة التعليم ومخرجاته..
فنحن بصراحة في بلدٍ تجد آخر ما قد يفكر به الطالب أو الأسرة أو المجتمع هو التحصيل العلمي!
في بلدٍ تجده يطبع البروشورات والقصاصات والملصقات الورقية وغيرها بالأطنان ولا يطبع الكتاب المدرسي أو الجامعي!
في بلدٍ تجده يُستخدم الكتاب لأغراض اللفافة أكثر منه لأغراض القراءة والتعلم!
في بلدٍ تجده يحترم اللص والفاسد والتافه أكثر من احترامه المعلم والمثقف وطالب العلم!
وبالتالي،
فليس غريباً أن ترى اليوم أنصاف وأشباه المتعلمين في هذا البلد قد طغت أعدادهم بشكلٍ ملفتٍ وملحوظٍ على أعداد المتعلمين طغياناً مبينا!
ليس غريباً أن تجد هنالك من خريجي الجامعات وحملة (البكالوريا) من لا يجيد كتابة قطعة إملائية صغيرة مثلاً أو إعراب جملة نحوية بسيطة!
أن تجد هنالك منهم من لم يستطع بعد التمييز أو التفريق بين كتابة (الضاد) و(الظاء) أو بين (الدال) و(الطاء) أو بين (السين) و(الصاد)!
فقط خذوا عينةً من هؤلاء الخريجين مثلاً واسألوهم!
ليس عن قانون (فيثاغورث) مثلاً أو قاعدة (أرشميدس) وقانون الطفو أو قاعدة (ماركينيكوف) أو قانون الجاذبية أو نسبية (انشتاين)، فمثل هذه الأشياء كانت ولازالت وستظل فوق مداركهم جميعاً حتى وإن درسوها أو تعلموها!
ولكن اسألوهم عن تاريخهم اليمني أو العربي والإسلامي القديم والوسيط..
مازالت صعبة شوي!
إذن فاسألوهم عن تاريخنا المعاصر،
اسألوهم عن اتفاقية (سايكس-بيكو) مثلاً أو (وعد بلفور) أو عن حروب (النكبة) و(النكسة) أو اتفاقيات (كامب ديفيد) و(أسلو) و(وادي عربة) أو..
اسألوهم.. وانظروا ماذا يجيبون..!
عندها فقط ستعرفون لماذا قلت آنفاً أن اليمن على موعداً غداً مع تخرج دفعة جديدة من حملة الشهادات لا حملة العلم!
فمتى يا ترى نعي أهمية التعليم ودوره الإستراتيجي الهام في بناء الإنسان والنهوض بالأوطان؟
ومن تراه يتحمل مسئولية إنتاج وتفريخ كل هذه الكوارث والعاهات العلمية الحالية والقادمة، نحن أم الوطن؟
أم من يا تُرى؟!