علاقاتُ خفيةٌ بين موسكو وصنعاء: نقطةُ تحوّل ترسُمُ مسارَ المرحلة المقبلة!
العلاقاتُ بين موسكو وصنعاء: نقطةُ تحوّل ترسُمُ مسارَ المرحلة المقبلة!
متابعات| تقرير*:
على خلاف الزيارات الـ 4 التي حصلت آخرها عام 2019، جاءت زيارة الوفد اليمني المفاوض إلى روسيا في “ظرف استثنائي وحساس”. ليس فقط بالنسبة لصنعاء، بل لناحية موسكو أيضاً. إذ ان تبعات العملية العسكرية في أوكرانيا، هي التي تتولى رسم ملامح العلاقات الدولية في هذه المرحلة. ولأن موسكو ضليعة في استثمار الفرص والاستفادة من التوقيت لصنع “الأصدقاء”، كان موقف صنعاء من العملية العسكرية كفيلاً برسم مسار آخر للعلاقات، لا يصطدم بالضرورة، مع التقارب السعودي- الروسي الأخير.
اختارت موسكو، حتى أواخر عام 2019، وعلى خلاف الساحة السورية، مثلاً، الانكفاء عن الملف اليمني، رغم بعض المواقف الديبلوماسية، والمساعدات الإنسانية (الطائرة التي أرسلت لكسر الحصار)، والتي كانت تحدث خرقاً. وعلى ما يبدو، ان تبدّل الموقف الروسي، الذي أشار إليه رئيس الوفد المفاوض، محمد عبد السلام، جاء استكمالاً للنهج الذي كانت تنتهجه موسكو، وهو مساراً تدريجياً تصاعدياً، منذ اندلاع الحرب، حيث أنه قد اكتمل أخيراً، بعد مواقف صنعاء الصريحة من التدخلات الأميركية في أوكرانيا، وبعدما راكمت موسكو معرفة بصنعاء، باتت اليوم وثيقة.
يقول الخبير بالشأن الروسي، الدكتور إسكندر كفوري، في حديث خاص لموقع “الخنـادق” ان “تأييد صنعاء لقرار روسيا بالاعتراف بالجمهوريتين، لوغانسك ودونيتسك، الذي جاء على لسان عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، بعد أيام من الإعلان الروسي، كان لافتاً لدى موسكو، ووضعته في حساباتها”.
من جهة أخرى، فإن مقارنة صنعاء اهتمام آلة الاعلام الأميركي والأوروبي منذ ما قبل بدء العملية العسكرية، بالأوكرانيين، فيما لم ينل أطفال اليمن أي اهتمام بعد 8 سنوات من الحرب، ورغم كل القهر الذي عاناه اليمنيون، بوجود مئات آلاف الضحايا الذين لم يسأل عنهم أحد، جعل من مواقفها أكثر صراحة وأشد لهجة مع التدخلات الأميركية في أوكرانيا، وفق ما أشار د. كفوري لـ “الخنادق”.
هل تلعب موسكو دور الوسيط؟
ورداً على سؤال حول كيف باستطاعة صنعاء استثمار هذه العلاقات مع روسيا، يشير د. كفوري إلى ان “العلاقات بين روسيا والسعودية تطورت بشكل كبير، وبينها وبين الامارات أيضاً، وصل حد التبادل بعملات البلدين بمعزل عن الدولار. ومع وجود بعض الخلافات بين هذه الدول والولايات المتحدة، تستخدم موسكو هذه الورقة لتعزيز علاقاتها بهاتين الدولتين”. لافتاً إلى انه “في ظل اعتبار صنعاء لواشنطن على أنها شريكاً في الحرب، بالتدريب والتسليح وإدارة المعركة مباشرة، لن ترضى بها كوسيط. ونتيجة العلاقات التي أخذت منحى أكثر إيجابية في الفترة الماضية مع الرياض، يمكن النظر لروسيا، القطب الدولي، خياراً جيداً لرعاية تسوية تصل في نهايتها إلى وقف إطلاق النار والانطلاق نحو حل سياسي شامل يرضي مختلف الأطراف”.
وبالنسبة لروسيا، يقول د. كفوري ان “لها مصلحتها بالتعامل مع حركة أنصار الله… يمكن أن نقولها بصراحة، بأن عملية كسر الحصار الثانية التي نفذها الجيش واللجان الشعبية في 20 آذار/ مارس الماضي، التي استهدفت شركة “أرامكو”، أتت بعد أقل من شهر على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو ما أدى إلى خفض الإنتاج النفطي السعودي في ذروة الحاجة الأميركية الأوربية إلى النفط والغاز. ولا شك أن موسكو استفادت من هذا الأمر في هذا التوقيت”. ويتابع “من الناحية الاستراتيجية، روسيا دائماً تبحث عن شركاء موثوقين، وهي اليوم، ترى بصنعاء شريك مستقبلي واعد، يمكن ان يحقق الاستقرار والأمن في منطقة الخليج”.
خلال حفل افتتاح منتدى “آرميا 2022″، في 15 آب/ أغسطس الجاري، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان بلاده مستعدة لتقدّم إلى حلفائها، “في دول أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، أحدث أنواع الأسلحة، من الصغيرة إلى المركبات المدرَّعة والمدفعية والطائرات الحربية والطائرات المسيّرة”، وهنا لا نقول بأن موسكو بصدد دعم صنعاء بالسلاح، في الوقت القريب، إنما إشارة لتغيّر في العقيدة العسكرية الروسية التي باتت تضع الولايات المتحدة على رأس “أعدائها”، وتحمل مشروع مواجهتها في مختلف دول العالم، وبصدد إنشاء توازن استراتيجي على الساحة الدولية مغاير عما كان عليه سابقاً.
في آذار/ مارس عام 1928، أبدى الاتحاد السوفياتي استعداده لإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع صنعاء التي كانت ترزح تحت وطأة حصار الاحتلال البريطاني. بعد ذلك بشهرين، في أيار/ مايو من العام نفسه، وصلت سفينة تجارية إلى ميناء الحديدة، دشنّت العلاقات بين الطرفين وكسرت الحصار المفروض، حيث أعرب وزير خارجية الاتحاد، جورجي ألكسندروف تشيشيرين، في رسالة للإمام يحيى عن رغبة بلاده “بتعزيز علاقاتها الودية مع الشعوب الشرقية الأخرى”، وهو ما ردت عليه بريطانيا بقصف صنعاء لمدة 14 يوماً.
اليوم، لا مناص للولايات المتحدة وبريطانيا -عقلها الأمني والاستخباراتي التي تدير به المعارك-، إلا الاعتراف بأن القصف الذي يتعرض له اليمن منذ ما قبل بداية القرن الماضي، لن يحول دون ظهور قوة جديدة برّزتها وجوهرتها الأحداث المتعاقبة، كلاعب فاعل على الساحة الدولية. بل ان اصطفافها في معسكر مناهض للهيمنة الأميركية بات أمراً واقعاً، سيترتب عليه مفاعيل واستحقاقات خلال السنوات القادمة، وعليها فعلاً، ان تتصرف مع صنعاء على هذا الأساس.
* الخنادق